مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح الذي تحول إلى مستشفى مركزي جنوب وادي غزة / صورة: AA (AA)
تابعنا

يعاني أحمد أبو عمرة (13 عاماً) كسوراً حادة في اليدين والقدمين والعمود الفقري والرقبة أقعدته بلا أي حراك على سرير مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح.

"أخاف من قلة العلاج وعدم السفر"، يقول أحمد في حديثه مع TRT عربي، ويوضح أن علاج رقبته وعموده الفقري بحاجة إلى السفر خارج غزة، وهو ما يتعذر في ظل إغلاق معبر رفح.

حال أحمد كحال آلاف الجرحى والمرضى الفلسطينيين في قطاع غزة الذين وجدوا أنفسهم عالقين في بقايا مستشفيات قطاع غزة، بعد أن أغلقت إسرائيل معبر رفح، المعبر الوحيد لحركة الأفراد من غزة إلى العالم الخارجي، ودمرت غالبية المراكز الطبية والمستشفيات في قطاع غزة.

وسيطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم الثلاثاء 7 مايو/أيار الماضي على معبر رفح في إطار عمليتها العسكرية في مدينة رفح. ومن ذلك التاريخ أغلق المعبر أمام حركة الأفراد والمساعدات الإنسانية.

"ليس لدينا ما يمكن تقديمه"

يعاني الأطباء الفلسطينيون في مستشفيات قطاع غزة من انعدام الموارد والقدرات الكافية التي تسمح لهم بتقديم الخدمات للجرحى والمرضى، بخاصة في ظل صعوبة الحالات التي يواجهها الغزّيون، ومما يفاقم الأزمة حالة الحصار التي تفرضها إسرائيل على المواد والأجهزة الطبية التي يسمح بوصولها.

وضاعف إغلاق معبر رفح من الضغط على ما تبقى من مستشفيات قطاع غزة ما تسبب في نقص حاد في الأدوية والخدمات الصحية، يوضح الدكتور أحمد مراد رئيس قسم الجراحة في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.

ويضيف مراد في حديثه مع TRT عربي أن "المعاناة شديدة وكبيرة في ظل النقص في المستلزمات والأدوية والمهمات التي تستخدم في الغيارات، بالإضافة إلى وجود عدد من التحويلات للخارج وعدم قدرة هؤلاء الجرحى على المغادرة والسفر".

وأصبح مطلوباً من مستشفى شهداء الأقصى المخصص لمدينة صغيرة كدير البلح خدمة مئات الآلاف النازحين في مناطق نزوحهم الممتدة من رفح إلى محافظة الوسطى.

ويحذر الدكتور مراد من أن المستشفى يستقبل يومياً "عشر حالات بحاجة إلى السفر والتدخل الجراحي الذي لا يتوفر لدينا. يوجد عدد من حالات الكسور في المفاصل والعظام، وفي الأجهزة الداخلية للجسم كالكبد والرئتين والبنكرياس، كذلك يجري في ظل نقص كبير في المعدات والأجهزة الطبية والأهم محدودية غرف العمليات والعناية المركزة".

وبكلمات يملؤها الألم يقول الدكتور مراد إن كل يوم يمر دون أن يجري إخراج هذه الحالات العشر للعلاج في الخارج "فإننا نفقد كل يوم واحداً أو اثنين منهم على الأقل".

"لم يبق شيء يمكننا قوله أو وصفه" يختم الطبيب حديثه مناشداً، ولو حتى على سبيل رفع العتب، المؤسسات الدولية والصحية للتدخل لإخراج هؤلاء الجرحى أو تأهيل القطاع الطبي.

فريال وما يصنع العجز

استيقظت فريال لتجد نفسها محاطة بالأطباء في غرفة الطوارئ بعد أن قُصف المنزل الذي كانت فيه رفقة عائلتها.

تصف فريال الشوربجي (20 سنة) الحدث قائلة: "لم أتذكر ما جرى معي، استيقظت وجدت نفسي في المستشفى يقولون لي أمك استشهدت وجدّتك كذلك، وقصف بيت عمتك، ولا أذكر ما فعلنا في الليل ولا في الصباح، وعندما أُخِذت بالإسعاف كنت مغمى عليّ".

نُقلت فريال إلى مستشفى شهداء الأقصى وساقاها سليمتان، لكن ضعف التدخل الطبي نتيجة محدودية الإمكانات أدّى إلى تفاقم حالتها حتى بُترت ساقها "في البداية كان يوجد بلاتين في كلا القدمين، وبسبب صعوبة العلاج بُترت قدمي" تقول فريال.

ووفقاً لوكالة وفا الفلسطينية فقد تسببت هجامات الاحتلال الإسرائيلي في "استشهاد 476 من الكوادر الطبية وأصحاب الاختصاص الطبي، واستهدفت 155 مؤسسة صحية ودمرتها بشكل كلي وجزئي، وأخرجت 32 مستشفى و53 مركزا صحياً عن الخدمة".

وتضيف الشوربجي في حديثٍ مع TRT عربي أن "إغلاق معبر رفح وحرماني من السفر كان السبب في بتر ساقي، لو كان المعبر مفتوحاً وتمكنت من السفر إلى الخارج لكان بالإمكان علاجي بصورة أفضل وأسرع".

ويسيطر على الفتاة العشرينية الخوف والألم المزمن الذي لا تفيد المسكنات الضعيفة في إسكاته، من أن يصبح مصير قدمها الأخرى كمصير الأولى.

وتأمل فريال في أن تتمكن من السفر إلى الخارج والحصول على حظها من العلاج لتحفظ ما تبقى من طرفها المصاب.

المرضى غير المصابين

لا تقتصر مأساة إغلاق معبر رفح على الجرحى والمصابين جراء عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إنما تمتد إلى المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة.

ووفقاً لوكالة "وفا" فقد وصل عدد مرضى الفشل الكلوي قبل الحرب الإسرائيلية 1100 مريض، كانوا يتلقون العلاج في 7 مراكز طبية، لم يبق منهم بعد الحرب أحد سليماً سوى الموجودين في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح. فيما وصل عدد المرضى المزمنين ما يقرب من 350 ألف مريض يعاني هؤلاء من أجل الحصول على أدويتهم وذلك وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.

وفي الأوضاع الطبيعية يعتمد القطاع الصحي الفلسطيني على التحويلات الطبية إلى الخارج في التعامل مع الحالات الطبية التي تعجز عنها مستشفيات غزة، ومع اندلاع الحرب وانهيار النظام الصحي، أصبحت حياة الآلاف من المرضى الفلسطينيين تحت دائرة الخطر.

الطفلة الرضيعة سديل حمدان إحدى هذه الحالات، الرضعية التي دخلت شهرها الثالث في المستشفى تعاني تضخماً في الكبد تحول إلى تليّف وفشل في الكبد ما جعل من الضروري لها زراعة كبد.

تقول والدتها هدى في حديث مع وكالة "وفا" الفلسطينية إن طفلتها قطعت "شوطاً طويلاً في المعاناة، مع مرض التضخم في الكبد" وتناشد والدة الطفلة المكلومة الجميع السماح لابنتها بالسفر خارج غزة.

ويضيف والد الطفلة تامر حمدان أن هذه العمليات لا تُجرَى داخل غزة في الوضع الطبيعي، لذا يصبح من الضروري سفر الوالد والرضيعة خارج غزة لإجراء هذه العملية.

وتبرز قضية مرضى السرطان مشكلةً مستعصيةً في قطاع غزة الذي يضم أكثر من 10 آلاف مريض سرطان محرومين من أبسط فرص العلاج. وسبق أن سيطرت قوات الجيش الإسرائيلي على مستشفى الصداقة التركي المخصص لمرضى السرطان وحوّلته إلى قاعدة عسكرية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً