تابعنا
تعقد محكمة العدل الدولية يومي 11و12 يناير/كانون الثاني الحالي، أولى جلساتها للنظر بالدعوى التي رفعتها جمهورية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل على خلفية اتهام الأخيرة بارتكاب إبادة جماعية في عدوانها على قطاع غزة.

وبحسب ما أعلن المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا، كلايسون مونيلا، في تدوينة على منصة إكس، فمن المقرر أن تنطلق الجلسة الأولى للمحاكمة في 11 يناير/كانون الثاني بمدينة لاهاي الهولندية، وتتواصل في اليوم التالي.

وكانت جنوب إفريقيا قدمت طلباً في 29 من ديسمبر/كانون الأول لفتح دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل على خلفية تورطها في "أعمال إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، وفق بيان للمحكمة ذاتها.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، علّقت جنوب إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل، احتجاجاً على هجماتها المدمّرة في غزة، وسبق ذلك استدعاؤها سفيرها لدى تل أبيب للتشاور بشأن الهجمات على القطاع الذي يشهد كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وتخشى إسرائيل أن تصدر "العدل الدولية" خلال المحاكمة قراراً بوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة التي تشنها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتسبب العدوان حتى الآن بمقتل أكثر من 23 ألفاً وإصابة ما يزيد على 58 ألفاً آخرين، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

أهمية الخطوة

وتكمن أهمية هذه الخطوة النادرة في أنّها قُدِّمت من دولة ضدّ أخرى وليس من منظّمة، كما أنّها فُتحت في محكمة العدل الدولية.

وعلى مدار السنوات الماضية قدّمت منظمات إنسانية وحقوقية عديدة لوائح طلبات إلى محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين للتحقيق بجرائم الاحتلال، لكن لم تصدر أي نتائج عنها.

وعلى عكس المحكمة الجنائية الدولية التي لا تلتزم تل أبيب باختصاصاتها وأحكامها، تعدّ إسرائيل من الدول الموقّعة على معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، التي تستمدّ محكمة العدل الدولية بموجبها سلطتها للنظر في الشكوى المرفوعة ضدها؛ ولذلك، قررت تل أبيب في خطوة استثنائية المثول أمام المحكمة.

وعن أهميّة الخطوة، يقول أستاذ مساعد للقانون في كلية ترينيتي في دبلن، مايكل بيكر، إنّ حجم الرد الإسرائيلي على عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفّذتها حركة حماس "يثير قلقاً عميقاً، وخاصة أنّ إسرائيل تنتهك قواعد القانون الإنساني الدولي على نحو فاضح".

ويضيف بيكر في حديثه لـTRT عربي، أنّ "الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي في غزة، ليس بالضرورة أن تفي بالتعريف القانوني المعقّد للإبادة الجماعية، لكنّ جنوب إفريقيا فعلت ما يكفي لإثبات أنّ سلوك إسرائيل يثير تساؤلات جدّية تتعلق بالامتثال بالتزاماتها بموجب الاتفاقية الموقعة عام 1948"، وفق قوله.

ويعتقد أنّ التوصل إلى أنّ الفلسطينيين في غزة يواجهون خطراً حقيقياً يتعلق بالإبادة الجماعية قد يدفع الدول الأخرى إلى إعادة التفكير في نهجها تجاه الصراع أو علاقاتها مع إسرائيل.

ومع ذلك، بينما سيكون من السهل نسبياً على جنوب إفريقيا إثبات تورّط إسرائيل في أعمال يمكن أن تشكّل إبادة جماعية، فإنّه من الضروري أيضاً إثبات أنّ أقوال تل أبيب وأفعالها تظهر نيّة التدمير الجسدي للسكان الفلسطينيين في غزة، بحسب تقديره.

ويوضح أنّه "يمكن استنتاج مثل هذه النية فقط من خلال مجموعة واسعة من الأدلة (..) من المهم جداً أن نأخذ في الاعتبار أنّ إقناع محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة (ضد العدوان على غزة) يختلف تماماً عن إثبات أنّ إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية".

ويرى أنّه لا تحتاج محكمة العدل الدولية في الوقت الحالي أن تقرر ما إذا كانت الأحداث (الجرائم الإسرائيلية) التي وقعت منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مبيّناً أنّ القضية قد تستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات.

وهذا يعني أنّ المحكمة قد تطلب من إسرائيل إيقاف "حملتها العسكرية" لتلافي الضرر على المدنيين حتى تصدر قرارها النهائي بشأن ما وقع.

ويبيّن الأكاديمي أنّ قبول إسرائيل للمشاركة في هذه القضية هو تطوّر جيّد وسيساعد على ضمان عدالة ودقّة الإجراءات.

بينما رأت صحيفة الغارديان البريطانية أنّ الضرر الذي قد يلحق بسمعة إسرائيل نتيجةً لحكمٍ ما ضدّها سيكون كبيراً، وقد يؤدي على الأقل إلى تعديل حملتها العسكرية.

وحقيقة أنّ إسرائيل اختارت الدفاع عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية، وأنّها من الدول الموقّعة على اتفاقية الإبادة الجماعية، يجعل من الصعب عليها أن تتجاهل أيّ نتيجة سلبية، بحسب تقديرها.

إمكانية المحاسبة

وتسود مخاوف حقوقية في إسرائيل من إمكانية إدانتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو ما استدعى قلق المؤسسة الأمنية ومكتب المدّعي العام.

وبحسب صحيفة هآرتس، حذّر خبير قانوني كبير (لم تذكر اسمه) في الأيام الأخيرة، ضبّاط الجيش بمن فيهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، من وجود خطر حقيقي بأن تصدر المحكمة أمراً قضائياً يدعو إسرائيل لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنّ الأخيرة ملتزمة بأحكام المحكمة.

وقالت: "بدأ الجيش ومكتب المدّعي العام بالفعل الاستعداد للتعامل مع الشكوى"، مضيفةً أنّه وفقاً لخبراء القانون الدولي، فإنّ هذا الإجراء قد يعزّز مزاعم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، وبالتالي يؤدي إلى عزلتها الدبلوماسية ومقاطعتها أو فرض عقوبات عليها أو ضد الشركات الإسرائيلية.

وبدوره، كتب كينيث روث المدير التنفيذي السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" على منصة إكس عن أنّ القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا توفر الفرصة لإصدار حكم نهائي، معتبراً أنّ حجم القتل كافٍ لاعتبار إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة بالاستناد إلى حجم القتل، وأنّه يمكن إثبات ذلك "عبر عديدٍ من الشهادات".

بينما يقول الأكاديمي مايكل بيكر إنّ محكمة العدل الدولية تأخذ دورها على محمل الجد، وستتعامل مع الأسئلة المعقدة التي تثيرها هذه القضية بأقصى قدر من العناية.

وسيُطلب من جنوب إفريقيا وإسرائيل التركيز على السؤال المحدّد المتمثل في ما إذا كان الفلسطينيون في غزة يواجهون خطراً عاجلاً يتمثل في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالحقوق التي تحميها اتفاقية الإبادة الجماعية، بحسب قوله.

ومن المحتمل جداً، من وجهة نظره أن تتمكن جنوب إفريقيا من إقناع محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات مؤقتة ضدّ إسرائيل، مرجّحاً أن تحثَّ هذه الإجراءات إسرائيل على التقيّد بالتزاماتها الدولية والتصرّف بمزيد من ضبط النفس.

ويتابع: "قد تعالج إجراءات محكمة العدل الدولية أيضاً ضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة".

وفي حال اتخاذ قرار مثل هذا، يؤكّد أنّ محكمة العدل الدولية لا تملك الأمر التنفيذي، "لذا يقع على عاتق الدول الأخرى إقناع إسرائيل بأهميّة أخذ قرار المحكمة على محمل الجد".

ويمتلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأمور التنفيذية الخاصة بمحكمة العدل الدولية.

وتقول المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة إنّه "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورةً لذلك أن يقدّم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم".

TRT عربي