تابعنا
في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الليبية اتفاقها مع نظيرتها الجزائرية على إعادة افتتاح المعبر الحدودي غدامس-الدبداب أمام حركة الأفراد والتجارة، بعد توقف يعود إلى 2014.

بعد سنوات من إغلاقه يترقّب سكان المناطق الحدودية في الجزائر وليبيا إعادة افتتاح معبر الدبداب-غدامس الحدودي الذي تأجل أكثر من مرة، بالنظر إلى انعكاسات هذا الإجراء اقتصادياً وسياسياً على التعاون بين البلدين.

ويأمل هؤلاء أن يعود نشاط المبادلات التجارية وتنقل الأشخاص على الشريط الحدودي إلى سابق عهده، بعد 9 سنوات من الإغلاق في ظل المخاوف الأمنية من الطرف الجزائري.

بالنظر إلى الخطوات المتخذة على مستوى المعبر من قِبل سلطات البلدين، فإن فتحه المرتقب يبقى رهناً بإنهاء جميع الترتيبات التي ستسمح باستئناف حركة التنقل بين البلدين الجارين بعد سنوات من التوقف لدواعٍ أمنية.

ترتيبات مكثفة

في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري أعلنت وزارة الخارجية الليبية اتفاقها مع نظيرتها الجزائرية على إعادة افتتاح المعبر الحدودي غدامس-الدبداب أمام حركة الأفراد والتجارة، بعد توقف يعود إلى 2014.

وأفاد بيان للخارجية الليبية بأن "افتتاح المعبر الحيوي بين البلدين يأتي بعد الانتهاء من استكمال كل الإجراءات الفنية والقانونية والتنظيمية من الجانبين، وتتويجاً للجهود المشتركة المبذولة لتسهيل كل الإجراءات المطلوبة لضمان سير الحركة بشكل طبيعي من خلال المعبر".

وأشار البيان إلى أنّ "رئيس مجلس الوزراء كان قد أصدر القرار رقم 488 لسنة 2023 (...) لإنجاز كل الإجراءات لإعادة افتتاح المعبر الحدودي بين بلادنا والجزائر الشقيقة، بما يسهم في التخفيف من معاناة المواطنين ودعم التبادل التجاري".

وكانت السلطات الجزائرية قد قرّرت في مايو/أيار 2022 إعادة فتح المعبر المذكور لأغراض تجارية فقط والسماح بإجراء عمليات التصدير بين البلدين مع استمرار إغلاقه أمام حركة المسافرين.

ومنذ 2021 باشرت الجزائر أشغال تهيئة المعبر الذي تعوّل عليه في تنشيط التجارة الثنائيّة مع ليبيا، وشملت المرافق الحيوية، وإنجاز قاعة شرفية، وتوسيع شبكة مياه الشرب في هذه المنطقة الصحراوية، ودعم شبكة الإنارة العمومية، بهدف الرفع من قدرة وجاهزية المعبر.

ويقول الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الليبي أمين لونيسي إنّ "فتح المعبر له انعكاس مباشر بالدرجة الأولى على سكان منطقتَي إليزي في الجزائر وغدامس الليبية الذين تجمعهم علاقات أسرية واجتماعية".

ويبين لونيسي في حديثه مع TRT عربي أن الدبداب لا تبعد عن غدامس سوى 20 كيلومتراً، وقد كان إغلاق المعبر يحتّم على العائلات التنقل إلى تونس أحياناً لزيارة أقاربهم.

أهمية اقتصادية

لا تخفي السلطات في الجزائر وليبيا أن الهدف الأساسي -بعد الجانب الاجتماعي الإنساني- من فتح المعبر الحدودي هو اقتصادي-تجاري بالدرجة الأولى، نظراً إلى حاجة الطرفين إلى الاستفادة من الفرص المتاحة للشراكة بين البلدين.

ويقول محمد منصف بودربة نائب رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين إنه رغم استمرار إغلاق المعابر الحدودية بين الجزائر وليبيا فإنّ السنوات الأخيرة عرفت تحسناً في التعاون الاقتصادي بين البلدين.

ويضيف بودربة لـTRT عربي أن "هذا التحسّن سيعرف تطوراً ملحوظاً عند فتح هذه المعابر، وفي مقدمتها معبر الدبداب-غدامس".

وتجمع البلدين حدود يزيد طولها على ألف كيلومتر، يوجد فيها ثلاثة معابر هي طارات وتينالكوم، والدبداب الذي يبقى أبرزَها كونه يرتبط من الجهة الليبية بمدينة غدامس التي تقوم فيها شركة النفط الحكومية الجزائرية سوناطراك بأعمال تنقيب عن النفط.

ويشير بودربة إلى أن السوق الليبية تشهد طلباً على منتجات جزائرية، في مقدمتها مواد البناء من إسمنت وحديد وسيراميك.

من جانبه اعتبر أمين لونيسي معبر الدبداب-غدامس شريان حياة للتعاون بين البلدين، لذلك ستكون انعكاساته الاقتصادية واضحة، وستساهم الأسعار التنافسية للمنتجات الجزائرية في كسر الارتفاع المتواصل للسلع ذات الاستهلاك الواسع في ليبيا، فضلاً عن المساهمة في رفع التبادلات التجارية التي يراهن البلدان على رفعها إلى 3 مليارات دولار.

ومن المرتقب أن يكون لهذه المبادلات التجارية عوائد على التجارة الجزائرية أيضاً، إذ يبيّن لونيسي أن "المتعاملين الاقتصاديين سوف يتنفسون الصعداء بفتح المعبر الحدودي، نظراً إلى المشوار الطويل الذي يقومون به حالياً لتصدير منتجاتهم إلى البلد المجاور عن طريق اللجوء إلى تونس بوصفها بلداً ثالثاً".

ويلفت الكاتب المهتم بالشأن الليبي إلى أن المسار الحاليّ يرفع تكلفة التصدير، إضافة إلى أن هذا القرار "سيشكّل منفذاً أمام فائض المنتَج الزراعي بولاية الوادي الحدودية التي طالما شكا فلاحوها من كساد خضراواتهم، وسيكون بوسعهم تسويق منتجاتهم في ليبيا".

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة قاريونس الليبية الدكتور سالم الشكشاك أن فتح معبر الدبداب-غدامس ستكون له فوائد اقتصادية أيضاً للجزائر، بالنظر إلى أنه سيساهم في عودة المنتجات الجزائرية إلى السوق الليبية.

وفي حديثه مع TRT عربي يعتقد الشكشاك أن فتح المعبر سيكون أول امتحان يسبق عودة شركة سوناطراك النفطية الجزائرية لاستئناف نشاطها في ليبيا، الذي توقف جراء تدهور الوضع الأمني هناك، وبالخصوص في مدينة غدامس التي كانت تنفذ فيها أشغال تنقيب.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري التقى وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب مع نظيره الليبي محمد أحمد عون على هامش الدورة الثانية عشرة لمؤتمر الطاقة العربي بقطر، حيث "بحث الجانبان فرص الشراكة والاستثمار المتاحة بين البلدين في مختلف نشاطات المحروقات والكهرباء، لا سيما في إطار استئناف سوناطراك لنشاطاتها في ليبيا، وتوسيع هذه النشاطات في مجال الخدمات البترولية والتكوين"، حسب ما جاء في بيان لوزارة الطاقة الجزائرية.

أبعاد سياسية

ويؤكد الدكتور سالم الشكشاك أن فتح المعبر الحدودي يمثّل بالنسبة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي تجمعها علاقة جيدة مع الجزائر دعماً سياسياً، إذ إن الاقتصاد لا يمكن فصله عن السياسة.

ويضيف أن فتح المعبر الحدودي سيدفع آلياً إلى توثيق تعاونهما السياسي، مثل التعاون في محاربة الهجرة غير النظامية والتهريب، وتوقيع الاتفاقيات العالقة، مشيراً إلى أن "تنشيط التعاون التجاري والاقتصادي لن يجري من دون تعزيز التشاور السياسي، خصوصاً أن معالجة القضية الليبية لا يمكن أن تجري من دون مساعدة بلدان الجوار".

أما الصحفي أمين لونيسي فيوضح أن موافقة الجزائر على إعادة فتح المعبر هي بالأساس "استجابة لنداءات سابقة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لإعادة فتح المعبر، لما يجمع الطرفين من علاقات متميزة تعكس الاعتراف الرسمي الجزائري بهذه السلطة المعترف بها دولياً دون غيرها من الحكومات الموازية في ليبيا، خصوصاً أن هذا الموقع الاستراتيجي تسيطر عليه حكومة عبد الحميد الدبيبة".

تحديات أمنية

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري تأجّل من جديد فتح معبر الدبداب-غدامس، فرغم أن البلدين اتفقا سابقاً على أن يكون الافتتاح الرسمي للمعبر في هذا التاريخ، فإنّ ذلك لم يحدث بعدما طلب الطرف الجزائري إرجاء ذلك إلى تاريخ لاحق.

ونقلت وكالة الأنباء الليبيّة عن مصدر مسؤول في غدامس أن قرار التأجيل جاء بهدف استكمال الترتيبات والإجراءات والتدابير الفنية الخاصّة بفتح المعبر أمام حركة التنقل المحدود من الجانبين الليبي والجزائري.

ولم تصدر السلطات الجزائرية أي موقف رسمي بشأن هذا التأجيل، لكن تقارير إعلامية ليبية عدّة أشارت إلى أن التأجيل كان بطلب من الجانب الجزائري لدواعٍ أمنية.

ويقول سالم الشكشاك إنّ من حق الطرف الجزائري طلب التأجيل، بما أن الإجراءات الأمنيّة لا تزال غير متوفرة.

ويتوقع لونيسي من جهته أن يُفتح المعبر عند إزالة كل العوائق بالنظر إلى أن "غدامس من أكثر المناطق الليبية استقراراً مقارنة بباقي المحافظات، فلم تصل إليها شظايا المعارك في العاصمة ووسط البلاد"، لافتاً إلى أن إجراءات ضبط الحدود ومراقبة تنقّل الأشخاص والبضائع ستُطبَّق بهذا المعبر مثلما في غيره، ما يجعل أي محاولة اختراق مكشوفة".

TRT عربي