تأتي هذه المناورات التي أُطلق عليها اسم "المدافع الصامد 2024" في ظرف أمني واستراتيجي خطير تعيشه القارة الأوروبية، سمته الأبرز الحرب المستمرة في أوكرانيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول دلالة المناورات التي تُعَدّ الأولى من نوعها منذ الحرب الباردة.
المدافع الصامد 2024
في 24 يناير/كانون الثاني أعلن الناتو انطلاق مناورات "المدافع الصامد 2024" الواسعة، التي تمتدّ على مدى أكثر من أربعة أشهر، وتجري تدريباتها بشكل رئيسي في سهول بولندا والنرويج وأيضاً في ألمانيا ودول البلطيق ورومانيا وفنلندا وسلوفاكيا واليونان والسويد.
ويشارك في هذه المناورات نحو 90 ألف جندي من 32 دولة، وما لا يقلّ عن 1100 مركبة مدرعة، بما في ذلك 166 دبابة قتالية.
وتُعَدّ هذه المناورات الأولى من نوعها منذ عام 1989، سواء من حيث حجم القوات المشاركة فيها أو مدتها أو نوعية التدريبات المتضمنة، وهو ما أكده الجنرال الأمريكي رئيس العمليات في القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي راندولف ستودينراوس، وقال إن "هذا أكبر انتشار لنا منذ مناورات (Reforger) عام 1988، التي شارك فيها 125 ألف جندي".
وتشمل مناورات "المدافع الصامد 2024" أول تطبيق لخطط الناتو الدفاعية الجديدة، التي طُوّرَت بعد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، واعتُمدت في قمة الناتو في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) في يوليو/تموز 2023.
وتجري تدريبات "المدافع الصامد 2024" على مرحلتين، الأولى امتدت من نهاية يناير/كانون الثاني إلى منتصف مارس/آذار، وتضمنت بشكل رئيسي التدريب على عمليات قتالية شاملة على حدود الناتو الشرقية في بولندا، وأيضاً التركيز على التعزيزات البحرية عبر المحيط الأطلسي وفي القطب الشمالي.
فيما تمتدّ المرحلة الثانية من منتصف فبراير/شباط إلى نهاية مايو/أيار الجاري، وتهدف إلى استخدام التعزيزات المنتشرة في جميع المجالات، من القطب الشمالي إلى الخاصرة الشرقية للحلف.
وفي 17 مارس/آذار الماضي أنهى الحلف المرحلة الأولى من المناورات التي جرت في بولندا وشارك فيها جيوش نحو 24 دولة حليفة.
وقالت وزارة الدفاع الوطني التركية في بيانٍ لها يوم 10 مارس/آذار إن هذه المناورات "تهدف إلى إظهار التزام الناتو الدفاع الجماعي وإرسال رسالة قوية حول استعداده لحماية جميع الحلفاء في مواجهة التهديدات الناشئة".
وفي هذا السياق أيضاً، تأتي مناورات "استجابة الشمال" التي أُجريت بين 3 و14 مارس/آذار الماضي، وشارك فيها أكثر من 20 ألف جندي من 13 دولة حليفة في الناتو، منهم نحو 10 آلاف جندي على الأرض، وأكثر من 50 غواصة وفرقاطة وطراداً، وحاملات طائرات وسفن برمائية مختلفة، إضافة إلى نحو 100 طائرة قتالية وطائرة نقل ومراقبة بحرية.
وشملت هذه التدريبات الاستجابة القتالية لقوات الناتو في مسرح عمليات بحر الشمال والقطب الشمالي، و"تُظهر أن حلف شمال الأطلسي يتمتع بوضوح بالقدرة والإرادة والقوة للدفاع عن أراضيه وجناحه الشمالي"، وفق ما نشر الجيش النرويجي في موقعه الرسمي.
دلالات ورسائل
وتطرح مناورات الناتو الواسعة تساؤلات عدة حول دلالاتها الاستراتيجية والسياسية، خصوصاً وهي تأتي في سياق الحرب المستمرة في أوكرانيا لعامها الثالث، كما تجري في مسارح عمليات تقع قريبة من مناطق التماس مع روسيا.
وفي هذا السياق يوضح المحلل العسكري والاستراتيجي عبد الجبار العبو أن الغاية من هذه المناورات هي "تدريب قوات الناتو على تنفيذ نوع من العمليات العسكرية في المسرح الأوروبي، خصوصاً في أمريكا الشمالية المتمثلة بالولايات المتحدة وكندا".
ويضيف العبو لـTRT عربي أن المناورات تهدف أيضاً إلى "إظهار قدرات الناتو الدفاعية وتطورها، وقدرة القيادات العسكرية للحلف من خلال استخدام هذه الموارد والقوات العسكرية في تنفيذ مهمات عسكرية بعيدة المدى أو على نطاق واسع".
ويرى المحلل العسكري والاستراتيجي أن الغاية الأساسية من هذه المناورات وعلاقتها بالحرب في أوكرانيا هو "إرسال رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن الناتو لن يتخلى عن أوكرانيا، وإعطاء أمل لأوكرانيا بأن الناتو يدافع عنها وقادر على تعبئة مزيدٍ من القوات في الحدود القريبة منها وخصوصاً في بولندا وكذلك في رومانيا".
ويلفت العبو إلى ثلاث أهميات استراتيجية لهذه المناورات، أولها إظهار قادة الناتو قدراتهم العسكرية وكيفية استخدامهم لها، والثانية تمكين هؤلاء القادة من معرفة كيفية استخدام هذه القدرات والمناورة بها، وأيضاً تعرُّف المشكلات التي قد تواجههم في حال انفتاح هكذا قوات كبيرة في شمال أوروبا وشرقها، والثالثة تعرُّف طرق انفتاح وانتشار هذه القوات".
أما من الناحية السياسية، يرى المحلل السياسي محمد سليمان الزواوي أن كل "تشكيل عسكري من التشكيلات (المشاركة في هذه المناورات) له رسالة سياسية معينة، وأشد ما يقلق روسيا هو هذه الحشود العسكرية على الحدود، لا سيّما في بولندا على سبيل المثال، وكذلك حجم وطبيعة القوات، فكلما زاد حجم القوات فهذا يعني تدريباً على حروب شاملة، وبالتالي تهديد أكبر".
ويشير المحلل السياسي إلى أن مناورات "المدافع الصامد 2024" توضح أن "العالم انتقل من الحرب الباردة بين الجانبين الروسي والغربي، وكذلك لم تعُد تعدّ حرباً منخفضة الوتيرة، إلى شبح الحروب الشاملة والحروب النووية"، كما يرى الزواوي.
ويردف: "منذ فترة طويلة كان النظام الدولي يخوض حروباً بالوكالة بين قطبيه، روسيا الولايات المتحدة الأمريكية ووكلائهما، لكن اليوم يوجد ما ينذر بدخول حقبة جديدة من الصراع بين روسيا والغرب".