تابعنا
كشفت الجولة الأولى من التشريعيات الفرنسية، يوم الأحد، عن نتائجها التي أتت كما كان متوقعاً، وكما أشارت إليها الاستطلاعات طوال فترة الحملة الانتخابية، بتصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، واضعاً قدماً أولى نحو قيادة الحكومة لأول مرة في تاريخه.

وحسب ما أوضحت تقديرات أولية صادرة عن صناديق الاقتراع، جاء اليمين في المرتبة الأولى، حاصداً أكثر من 34.2% من الأصوات، أي تقدم على تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة"، الذي حصل على 29.1% من الأصوات، فيما حلَّ معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون "معاً من أجل الجمهورية" ثالثاً بنسبة 21.5%.

وفي خطاب، عقب صدور النتائج، قالت مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، إن معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون "قُضي عليه تقريباً" خلال الجولة الأولى من الانتخابات.

وهو نفس ما صرح به جان لوك ميلونشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، المشارك في التحالف اليساري، قائلاً: "إن هذا الاقتراع تسبب في هزيمة ثقيلة لمعسكر الرئيس ماكرون، ولمرشحيه، ولما يدّعون أنها أغلبية رئاسية".

وعلى الرغم من أن هذه التصريحات لا تزال غير مثبتة فعليّاً على الأرض، في انتظار ما ستؤول إليه نتائج الجولة الثانية للانتخابات، التي ستشمل ما بين 285 و315 دائرة انتخابية، حسب تقديرات مؤسسة IPSOS المختصة في سبر الآراء. لكن هذا السباق السياسي الذي ابتدأ بمقامرة ماكرون بحل البرلمان، يطرح تساؤلات حول مَن سيحكم البلاد حال هزيمة حزب الرئيس.

حكومة تعايش مع "المتطرفين"

وحال فشل التحالف الرئاسي في الحصول على أغلبية تخول له الحكم، سيفرض على إيمانويل ماكرون أن يقود البلاد مناصفة مع أحد معارضيه اللذين سيحسمان نتائج الجولة الثانية لصالحهما، في ما يُعرف بحالة "تعايش سياسي".

ويحدد المشرّع الفرنسي حالة التعايش السياسي بأن تكون الحكومة ورئيس الجمهورية من حزبين أو تحالفين متعارضين، وفي هذه الحالة تتضاعف قوة البرلمان في تقرير السياسات العامة، مقابل إضعاف الرئيس وعرقلة سياسته.

وذلك راجع لما ينصّ عليه الدستور الفرنسي من صلاحيات لرئيس الجمهورية، التي تتلخّص في قيادة القوات المسلحة وتمثيل البلاد داخل المجتمع الدولي. في حين يُفرض على الرئيس التوقيع على المراسيم وإصدار القوانين بشكل مشترك مع الحكومة.

ليس هذا أمراً جديداً على تاريخ فرنسا، إذ شهدت الجمهورية الخامسة ثلاث حالات تعايش، اثنتان منها في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتيران، إذ تولّى الحكومة بين 1986 و1988 رئيس الوزراء الجمهوري جاك شيراك، وبعدها رئيس الوزراء المحافظ إدوارد بيلادور ما بين 1993 و1995. والتعايش الثالث كان خلال الولاية الأولى لجاك شيراك ما بين 1997 و2002، إذ تولّى رئاسة الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان.

غير أن حكومة التعايش في الحالة الراهنة مختلفة عن سابقاتها، فقد كان رئيس وحكومة يتعايشان من تيارات معتدلة، أما اليوم فالمرشحان لقيادة الحكومة الفرنسية يحملان توجهات سياسية متطرفة، سواء "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، أو تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي تقوده "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف.

وتوعد "التجمع الوطني" بتشديد قواعد الهجرة لوضع حد لما يصفه بـ"إغراق الشعب الفرنسي بموجة الهجرة"، بداية بإلغاء "الحق في الأرض"، وهو قانون يمنح المهاجرين المولودين في فرنسا حق أخذ جنسية البلاد، وتجريم الإقامة غير الشرعية، ومنع تسوية وضعية المقيمين غير الشرعيين، وإلغاء أي قوانين تحول دون ترحيلهم.. هذا بالإضافة إلى تشديد شروط التجمع العائلي.

في المقابل، تتعهد "الجبهة الشعبية الجديدة" بتحسين دخل العمال ورفع مستواهم المعيشي، عبر زيادة الحد الأدنى للأجور، وإلغاء قانون المعاشات الجديد الذي سنّه ماكرون وواجه رفضاً واسعاً من الشارع، وإلغاء الضريبة التي فرضها ماكرون على المحروقات التي كانت السبب في انفجار حركة السترات الصفراء.

وقد يؤدي هذا التناقض الكبير بين سياسات الرئيس ومشاريع أي ممن سينتصرون في الانتخابات، إلى حالات انسداد سياسي كبيرة، لن يستطيع خلالها أي منهم تمرير قراراته، وهو ما يمكن أن ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلاد وعلى سياساتها الخارجية في عدة قضايا، بما في ذلك دعم أوكرانيا وأزمة الدين العام ودور فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، وفق ما أشار تقرير لـ"بوليتيكو".

اللجوء إلى البند 16 من الدستور

وخلال الأيام القليلة التي سبقت الانتخابات، سادت شائعات في الأوساط السياسية الفرنسية عن احتمال لجوء الرئيس ماكرون إلى البند 16 من الدستور الفرنسي من أجل الانفراد بقيادة البلاد حال فوز اليمين أو اليسار المتطرفَين بأغلبية تمكنهما من تشكيل الحكومة المقبلة.

وينص البند 16 من الدستور الفرنسي على أنه "عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة بشكل جدي وفوري، ويتعطل السير العادي للسلطات العامة الدستورية، فإن رئيس الجمهورية يتخذ الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف".

ويسمح هذا البند لرئيس الجمهورية بتوسيع صلاحياته، لتشمل السلطات التشريعية والتنفيذية، أي أن يحل محل الحكومة والبرلمان. ويعتبر حق تفعيل هذا البند حصراً لرئيس الجمهورية، بعد استشارة رئيس مجلس الوزراء ورئيسَي غرفتَي البرلمان (مجلس الأمة ومجلس الشيوخ) والمجلس الدستوري، كما يجب إعلام الأمة بهذا القرار برسالة.

وجرى تفعيل هذا البند مرة واحدة في تاريخ فرنسا، وكان ذلك على يد الرئيس شارل ديغول في الفترة من 23 أبريل إلى 29 سبتمبر 1961، من أجل إعادة النظام في أعقاب ما يُعرف بـ"انقلاب الجزائر"، وهو انقلاب فاشل قاده أربعة من الجنرالات المعترضين على المفاوضات السرية التي كانت قد بدأتها الحكومة الفرنسية مع قادة الثورة الجزائرية.

وكان موقع إذاعة "أوروبا 1" الفرنسي، هو أول من نشر خبراً مفاده أن الرئيس ماكرون قد ناقش إمكانية تفعيل البند 16 من الدستور، حال حدوث انسداد بين مؤسسات الدولة عقب الانتخابات البرلمانية الجارية. وعززت الإذاعة هذا الاحتمال بأن التعايش الصعب بين ماكرون والحكومة القادمة من شأنه "تعطيل السير العادي للسلطات العمومية"، ما يمثل حالة دستورية لتفعيل البند المذكور.

ولاحقاً، يوم الأربعاء 19 يونيو/حزيران الماضي، نفى قصر الإليزيه هذا الخبر، مشيراً إلى كونه عارياً عن الصحة. في وقت حذر محللون من سيناريو قد يقود البلاد إلى "ديكتاتورية رئاسية"، على حد وصفهم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً