تابعنا
بعد استقالة المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، هورست كوهلر، طُرحت أسئلة عديدة حول ما إذا كانت الظروف الصحية وراء هذه الاستقالة فعلاً، أم أنّ فشله في إيجاد توافق بين الأطراف المعنية بالنزاع هو ما عجّل بهذا القرار.

الرباط - فاجأ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، هورست كوهلر، الرأي العام الدولي بإعلانه الاستقالة من منصبه لـ"دواعي صحية"، خصوصا بعد الدينامية الإيجابية التي بعثها في مسار الملف، بعد أن تمكن من تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع وجمعهم على طاولة الحوار، خلال لقاءين بالعاصمة السويسرية جنيف.

وخلّفت استقالة الرئيس الألماني السابق، ردود فعل واسعة حول خلفياتها، إن كانت ظروفه الصحية وراءها فعلا، كما صرحت الأمم المتحدة، أم أن وصوله إلى الباب المسدود وفشله في إيجاد توافق بين الأطراف المعنية بالنزاع عجّلا بقراره، كما فتحت (الاستقالة) تساؤلات عن مستقبل النزاع، الذي عمّر لعقود، والذي تتداخل فيه عدد من الاعتبارات السياسية والاجتماعية المعقدة.

يُشار أن المغرب وجبهة بوليساريو، دخلا في حرب حول الصحراء، بين 1975 و1991 بعد خروج الاستعمار الاسباني من المنطقة، وتوقفت بداية التسعينات بعد اتفاق بموجب اتفاق أممي، وتم نشر بعثة تابعة للأمم المتحدة "قوات المينورسو" للإشراف على تطبيقها.

وفشلت وساطات الأمم المتحدة، عبر مبعوثيها، في التوصل إلى تسوية للنزاع، (أربعة منهم قدموا استقالتهم) وبعد ست سنوات من غياب الحوار بين أطراف النزاع، نظم أول لقاء مغلق شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعُقد اجتماعٌ ثانٍ مطلع هذه السنة.

تفسيرات لـ "الاستسلام"

هناك شبه إجماع بين متابعي ملف الصحراء، على استبعاد أنّ استقالة الوسيط الأممي نتيجةَ لظروفه الصحية، وكون الأمر "تبريراً وحجة دبلوماسية" لعدم رغبته في الاستمرار على رأس الملف مرجعين بذلك استقالته إلى عوامل أخرى، خصوصا بعد أن تحدثت تقارير إعلامية، عن تحرّكاته السياسية داخل بلده ألمانيا ورغبته في إحياء نشاطه الحزبي.

ورجحت تفسيرات رَفْع كوهلر، يديه عن الملف بعد وصوله للباب المسدود أمام غياب أرضية مشتركة بين الأطراف المعنية بالملف، حيث يُصِّر المغرب على مقترح الحكم الذاتي حلا لتسوية النزاع، في الوقت الذي لا تريد البوليساريو ومن ورائها الجزائر، بديلاً عن خيار الاستفتاء وتقرير المصير.

في هذا الصدد، يقول الباحث في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين إنّ كوهلر وقف بعد جولتين من المفاوضات المباشرة، "على استحالة إحراز تقدم في مسار حلحلة النزاع في ظل التقاطب المطلق بين الموقفين".

نجح كوهلر، بعد أقل من عامين من إشرافه على مسار الملف، في جمع المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، في جولتي مفاوضات لأول مرة، وعبر بعد انتهاء آخر جولة، عن رضاه على نتائج اللقاء، وتفاؤله بإيجاد حل سلمي وواقعي للملف، غير أنه بعد شهرين من تصريحاته أعلن انسحابه من الملف.

في تصريحه لـTRT عربي، يعتبر المختص في الشؤون الصحرواية، الشرقي الخطري، أن كوهلر فضّل تقديم استقالته بعد أن رأى، انطلاقا من عدد من المؤشرات الموضوعية واللقاءات التي أجراها، أنّ شروط النضج بين أطراف النزاع، لم تتبلور بعد في هذه المرحلة ما يُعقّد حل الملف ".

عدم وجود أرضية مشتركة للحوار أو حالة تقاطب المواقف بين أطراف نزاع الصحراء، ليست العامل الوحيد أمام عدم التوصّل إلى تسوية، فحسب الخطري، "غيابُ إرادةٍ دولية، يزيد من تعقيد دور الوسيط الأممي في إيجاد توافق حول الملف".

في آخر تقريرٍ له عن ملف الصحراء شهر أبريل الماضي، رهن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، حل القضية بتوفر إرادة دولية، حيث اعتبر أن "من الممكن إيجاد حل للنزاع"، إذا توفرت "إرادة سياسية قوية ليس للأحزاب والدول المجاورة فحسب، بل أيضا لدى المجتمع الدولي".

هذه الإرادة الدولية، تغيب حسب أحمد نور الدين، لدى القوى العظمى، وهو ما يصعّب الملف أكثر، يضيف المتحدث أن استمرار النزاع في صالحها وتستغله في ضغطها الذي يصل إلى الابتزاز في بعض الحالات من أجل تمرير صفقات بيع الأسلحة والحصول على امتيازات الوصول إلى الثروات الطبيعية بالمغرب والجزائر.

سلكت الولايات المتحدة توجّهاً جديدا مع إدارة ترمب في تعاملها مع الملف عبر ضغطها لإنهاء مهام بعثة المينورسو بالمنطقة، في مقابل رفض فرنسي روسي، رغم تباين مواقفهما من الصراع. يسجل الباحث في العلاقات الدولية في تصريحه لـTRT عربي، أنّ "ضغوط أمريكا صعبت بدورها مهمة كوهلر وربما هي واحدة من بين الأسباب الرئيسية وراء استقالته".

مستقبل غامض

تؤيد آخر توصيات مجلس الأمن رقمي 2468 و 2440 جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي متوافق عليه عبر حوار مباشر وبدون شروط وبمشاركة دول الجوار، إضافة إلى دعوته كل الأطراف المعنية للتعاون للدفع بالعملية الأممية إلى الحل.

وتثير استقالة المبعوث الأممي المفاجئة، تخوفات من أن تعيد الملف إلى الصفر وأن تفتح رمال الصحراء على المجهول، في ظل الأوضاع الإقليمية، خصوصا بالجزائر، التي تعرف حراكاً شعبياً، والتي قد يؤدي أي تغيير في نظامها السياسي، إلى قلب مستقبل معادلات الصحراء.

تُعدّ الجارة الشرقية للمغرب، طرفا محوريا في نزاع الصحراء؛ تُعدّ الداعم الأول لجبهة البوليساريو، كما تحتضنها على أراضيها (مخيمات تندوف)، وشاركت في المفاوضات الأخيرة، وبالتالي "من غير الممكن الحديث عن مستقبل ملف الصحراء بمعزل عمّا ستؤول إليه الأحداث بالجزائر" يقول الشرقي الخطري، مدير مركز "الجنوب للدراسات والأبحاث".

تذهب مختلف الآراء، إلى اعتبار مستقبل ملف الصحراء، "غامضاً" خلال الفترة الحالية التي تتدخل فيها عدد من المعطيات والحسابات السياسية، أبرزها التحولات الإقليمية بالمنطقة، ومنطق التكتلات الجيو سياسية، من خلال الحضور المهم لفرنسا في الملف، وإمساكها العصا من الوسط، بسبب مصالحها في المغرب والجزائر، وأيضا التوجه الأمريكي الجديد في إعادة هيكلة المنظمات الدولية والدور الروسي والصيني المعارض لسياسات إدارة ترمب.

لم تكشف الأمم المتحدة، بعدُ، عن خلف هورست كوهلر، والذي سيكون سادس مبعوث أممي إلى الصحراء، فمنذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو في 1991، تعاقب على الصحراء ستة وسطاء أمميين لم يتمكنوا جميعاً من إيجاد تسوية لملف عمره 44 عاما.

إلى حدود الساعة، لم يتم تداول أي اسم مرشح لخلافة كوهلر، غير أنه حسب الباحث في العلوم السياسية كريم عايش، على المبعوث المقبل أن يتوفر على فهم وإدراك واسعين لبنيات الصراع ولطبيعة الملف على مستوياته السياسية الأمنية الاقتصادية والإنسانية.

مما لا شكّ فيه أن المبعوث المقبل سيكون من حجم ووزن سابقيه الذين كان أغلبهم دبلوماسيين وسياسيين رفيعي المستوى. في هذا السياق توقع عايش في تصريحه لـTRT عربي، "أن يكون دبلوماسيا أمريكيا مقربا من مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، لتنزيل خارطة طريق الإدارة الأمريكية في تدبيرها للملف على أرض الواقع".

المغرب وجبهة بوليساريو، دخلا في حرب حول الصحراء، بين 1975 و1991 بعد خروج الاستعمار الإسباني من المنطقة.  (AP)
تعد الجارة الشرقية للمغرب، طرفاً محورياً في نزاع الصحراء؛ الداعم الأول  لجبهة البوليساريو، كما تحتضنها على أراضيها (مخيمات تندوف) (AP)
يُصِرّ المغرب على مقترح الحكم الذاتي حلّاً لتسوية النزاع، في الوقت الذي لا تريد البوليساريو ومن ورائها الجزائر بديلاً عن خيار الاستفتاء وتقرير المصير (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً