وتأتي هذه الأنباء بالتزامن مع إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنّ الحكومة الأمنية المصغّرة قرّرت توسيع أهداف الحرب الحالية لتشمل "إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم"، بعدما نزحوا عنها بسبب القصف المتبادل عبر الحدود منذ 11 شهراً مع حزب الله.
ورغم تطابق المواقف بين نتنياهو وغالانت بشأن الجبهة الشمالية في الوقت الحالي بعد أن كان يفضّل غالانت ما دعاه بـ"الدبلوماسية وعدم توسيع رقعة الحرب"، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً للوصول إلى التفاهم التام بينهما، وبدأت الصراعات تطفو على السطح.
ما دوافع نتنياهو لإقالة غالانت؟
يرى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن ما أدى إلى طفو تلك الخلافات على السطح ووصول العلاقة بين الرجلين لطريق مسدود، أن نتنياهو يريد توسيع ائتلافه، ويعزز مكانته داخل الكنيست وفي مواجهة الجيش والمنظومة الأمنية، وخاصة حين تنتهي الحرب، ويأتي وقت المحاسبات، لكن غالانت يتحداه في هذا الأمر، وينحاز للمنظومة الأمنية.
وأشار منصور في حديثه مع TRT عربي إلى أن غالانت أيضاً يمنع تمرير قانون إعفاء المتدينين (الحريديم) من التجنيد ولا يتساهل معهم، ونتنياهو يريد الحفاظ على ائتلافه، لأنه يعرف أنه إذا خسر المتدينين فسيخسر الائتلاف. وتابع : "كذلك بالإضافة للخلافات بينهما في قضايا مثل الموازنة والإصلاحات القضائية، التي جعلت نتنياهو يشعر أن ولاء غالانت له ليس مطلقاً، ما أوصل الخلافات لهذه المرحلة".
وأردف أن تلك الخطوة ستعزز من قوة نتنياهو الداخلية في الكنيست في الائتلاف، وستخلصه من ابتزاز بن غفير -في حالة لم ينشق غالانت عن الائتلاف بعد إقالته-، كما ستعزز قوته في مواجهة المنظومة الأمنية، إذ سيضع على رأسها رجلاً مدنياً قريباً منه في عدد من القضايا، على رأسها صفقة المحتجزين وجبهة لبنان.
بدوره، يؤكد مأمون أبو عامر، المختص بالشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية لـTRT عربي، أن نتنياهو يريد تعزيز الائتلاف وتحدي المعارضة، وهذه الخطوة تعد انتصاراً له لعدد من الأسباب، أولها أنها "تمهد الطريق لحل قضية تجنيد الحريديم، ومن ثم إلى ميزانية 2025، وثانيها، الإطاحة بوزير الدفاع الذي عمل بشكل مستقل واتهمه علناً بوضع الاعتبارات السياسية قبل الاعتبارات الأمنية الوطنية".
من ناحيته، يوضح الباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، صلاح عواودة، أن اختيار نتنياهو لغالانت وزيراً للدفاع منذ تشكيل الحكومة كان الهدف منه سياسياً بحتاً "لكسب أصوات أكثر من الجمهور الصهيوني، عندما يأتي لهم بجنرال ليكون وزيراً للدفاع، فلم يكن لديه إلا خيار غالانت".
ويتابع عواودة لـTRT عربي: "ورغم أنهما لا يتفقان سياسياً أو أيديولوجياً، لكن غالانت لديه ثأر مع اليسار الصهيوني ومع القضاء مثل نتنياهو، لكن في الطريق وبعد الانتخابات بدأ الصراع على التغييرات القانونية والتعديلات القضائية، الذي وقفت المؤسسة الأمنية ضده إلى جانب القضاء والدولة العميقة".
واستطرد عواودة: "حينها غالانت لم ينسجم مع نتنياهو في هذه المسألة، واتخذ مواقف معارضة، وخرج في مؤتمر صحفي ,s' الأزمة، مطالباً بوقف الإجراءات للتعديلات القضائية، ما جعل نتنياهو يرد عليه بإقالته في حينها، ثم تراجع لحسابات سياسية ولعدم وجود بديل، حتى يحافظ على تماسك ائتلافه الحاكم في ظل الأزمة الحادة مع المعارضة ومع الدولة".
وأضاف: "بعد استعادة نتنياهو ثقة الجمهور من خلال الإبادة التي ارتكبها ضد غزة، وعادوا ليعطوه في استطلاعات الرأي أعلى من الآخرين بعد أن كان في بداية الحرب يتفوق عليه غانتس، عاد نتنياهو للصدارة الآن، وهو في غنى عن غالانت وعن غانتس، وشعر بنفسه ثقة تمنحه القدرة على التخلص من كليهما".
استعادة ساعر رغم خلافات الماضي
يوجد ماضٍ من الخلافات بين بنيامين نتنياهو وجدعون ساعر، إذ انشق الأخير وهو قيادي سابق في "الليكود" عن الحزب عام 2020؛ إثر خلافات مع الأول، وأسس حزباً جديداً، قائلاً في عام 2022، إن "نتنياهو يقود خطاً متطرفاً وتحريضياً ومثيراً للانقسام، ولا يصلح لقيادة البلاد. من المستحيل العمل مع شخص يركز فقط على بقائه السياسي"، ما يبدو غريباً استعادته الآن.
ويوضح المختص في الشأن الإسرائيلي، مأمون أبو عامر، أن ساعر هاجم نتنياهو في كل المحافل، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الثورة القانونية، ووصل به الأمر إلى توقيع وثيقة أمام شاشات التليفزيون على أنه لن يشارك في أي حكومة يرأسها نتنياهو، كما اتهمه بالفشل وبتسببه بما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وطالبه بالاستقالة.
وعن دوافع عودته في الوقت الراهن، يرى أبو عامر أن عودة ساعر لليكود هي فرصته في البقاء السياسي، ولا سيما أن كل استطلاعات الرأي لم تمنحه فرصة تجاوز نسبة الحسم لكتلته اليمين الوطني، وبالتالي بعد تراجعه عن مواقفه واتهاماته ضد نتنياهو، سيذهب خلفه ويسانده في موقفه من الحرب على لبنان ومحاولة القضاء على حماس ورفض التنازل عن ممر فيلادلفيا، إذ إن ساعر بالأساس يتبنى مواقف أكثر تطرفاً "حتى من نتنياهو في إنزال أشد الجرائم بحق الشعب الفلسطيني".
ويؤكد صلاح الدين العواودة هذا الرأي قائلاً، إن ساعر في الأساس ليكودي، ويتفق مع نتنياهو سياسياً، ولكن الصراع بينهما كان على منصب رئاسة الليكود، "إذ أراد أن يتنحى نتنياهو ليخلفه بالمنصب، لكن ذلك لم يحدث". ويستطرد: "الآن ساعر يرى فرصة لانتهاء حياة نتنياهو السياسية، بسبب الحرب، وسيكون خليفته في حزب الليكود".
كما أشار العواودة إلى أن نتنياهو سيستطيع تمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد من خلال كتلة ساعر، فبعد إقالة غالانت سيوفر ساعر لنتنياهو العدد الكافي من أعضاء الكنيست للتصويت، وذلك بعد أن كان هناك خلاف مركزي يتعلق بهذه النقطة مع غالانت الذي صوت ضد القانون.
بدوره، يرى عصمت منصور أن ما دفع نتنياهو لاستعادة ساعر هو عدم وجود بديل، إذ "حاول مع أفيغدور ليبرمان وآخرين ولم ينجح، ولأن استطلاعات ساعر تتنبأ له ألا يتجاوز نسبة الحسم، فبالتالي يمكن جلبه بثمن معقول ومن دون تضحية كبيرة من نتنياهو".
ويردف منصور: "ربما شعر نتنياهو في هذه اللحظة السياسية أنه بحاجة إلى وجود شخص يوافقه في الأمور الجوهرية حتى لو كانت الثقة بينهم غير موجودة، وخاصة في مسائل التجنيد والموازنة وصفقة المحتجزين، إذ إن مواقف ساعر أقرب إليه، فهو يؤمن بالضغط العسكري في موضوع الصفقة وعدم تقديم تنازلات لحماس، أما في مسألة التجنيد فلا يعترض على فكرة صياغة قانون يتلاءم مع المتدينين ويحافظ على الائتلاف".
ما أثر الخطوة في مسار الحرب؟
يعتقد منصور أن تعيين جدعون ساعر بدلاً من غالانت لن يكون له تأثير حاسم في مسار الحرب، فلن يتغير الموقف الإسرائيلي، لأنه توجد منظومة أمنية بالإضافة إلى وجود الولايات المتحدة وحسابات استراتيجية أخرى، مشيراً إلى أنه لا توجد فجوة كبيرة بين غالانت ونتنياهو في خطط الحرب، ولا حتى الجبهة الشمالية، "فقط كان هناك تقديرات مختلفة حول التوقيت والآلية والوتيرة وما إلى ذلك من الأمور التفصيلية".
ويستكمل: "لكن من حيث المبدأ كلهم يدركون مدى خطورة فتح الجبهة الشمالية، وكلهم يستشعرون أن هذا قرار قد يكون له تداعيات بعيد المدى، ويحتاج إلى أن يُتخذ بشكل موزون وبارد بعيداً عن الحسابات الشخصية".
ويوافقه العواودة في الرأي نفسه قائلاً، إنه لا يوجد عملياً تأثير، "فغالانت كان متحمساً للحرب على الجبهة الشمالية أساساً أكثر من نتنياهو، وساعر كذلك متحمس لها ونتنياهو يريدها الآن، وقد وضع ذلك على برنامج الحكومة في الأيام القريبة"، وأردف أن تلك الخطوة مسألة سياسية بحتة ولا تأثير لها في الحرب، فالحرب مستمرة بكل الاحوال.
وختم المختص في الشأن الإسرائيلي، بأن إزاحة جنرال من وزارة الدفاع وتعيين سياسي ليس له خلفية عسكرية بالتأكيد هو خطوة سيئة للاحتلال، مدللاً على ذلك بحرب 2006 مع حزب الله، إذ كان "وزير الدفاع حينها زعيم حزب العمل عمير بيرتس، وكانت للاحتلال ذكرى سيئة وفشلاً مدوياً، وأُقيل من وزارة الدفاع على خلفيتها، كما أقيل رئيس الأركان، والآن يبدو أن نتنياهو يريد تكرار التجربة بفشل جديد لحسابات سياسية خاصة به".