تابعنا
من المقرّر اعتماد قوانين موحَّدة تضبط حركة اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والتعامل بشكل أشدّ صرامة مع اللاجئين القادمين من دول تُعتبر آمنة نسبيّاً

اتفقت الدول الأوروبية، بعد مفاوضات شاقة، على ميثاق جديد للجوء، يمنح الدول الأعضاء الحق في تشديد إجراءات اللجوء وتعزيز مراقبة الحدود الأوروبية الخارجية وتأسيس معسكرات شبيهة بالسجون، والإسراع في البت في طلبات اللجوء.

بعد مباحثات طويلة وشاقّة استمرت أكثر من أربعة أعوام، توصَّلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن إصلاح جذري لسياسة الهجرة واللجوء إلى دول الاتحاد.

ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، نظام الهجرة المعدَّل بـ"التاريخي"، لكنّه يرضخ في مجمله لمطالب الأحزاب اليمينية (الشعبوية والمتطرفة) التي كانت دائماً تطالب بالحدّ من أعداد اللاجئين.

ومن ناحية المضمون، يمكن إجمال هذا التعديل في ثلاث نقاط، أهمها منح السلطات الأوروبية أحقيَّة "البت السريع" في طلبات اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتوزيع اللاجئين على جميع دول الاتحاد، وفقاً لـ"آلية التضامن الإلزامي"، وترحيل اللاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم إلى "دول ثالثة آمنة".

واستقبلت منظمة "برو أزول"، أكبر وأهم منظمة من نوعها في ألمانيا، هذا الاتفاق بالتعبير عن "ذُعرها" من التعديلات الجديدة، مؤكدة "إجحاف" الاتفاق بحق اللاجئين الذين يبحثون في أوروبا عن الأمان هرباً من الملاحقة والعَوَز والحروب.

وعنْونت المنظمة رد فعلها على هذا الاتفاق بـ"الاتفاق على تقليص الحقوق الإنسانية للاجئين"، وقالت: "بهذا الاتفاق تكون أوروبا قد دفنت قِيَمها بخصوص حماية اللاجئين، وجنحت أكثر نحو اليمين".

"معسكرات شبيهة بالسجون"

ووفق هذا التعديل، من المقرّر اعتماد قوانين موحَّدة تضبط حركة اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والتعامل بشكل أشدّ صرامة مع اللاجئين القادمين من دول تُعتبر آمنة نسبيّاً.

ويظلُّ المشروع الأبرز هو وضع طالبي اللجوء في معسكرات أشبه بالسجون، وترحيل مَن رُفضت طلباتهم فوراً دون منحهم فرصة دخول الأراضي الأوروبية.

ويهدف إجراء البتّ السريع في طلبات اللجوء على الحدود الأوروبية إلى تقليل فرص دخول اللاجئين القادمين من دول آمنة نسبيّاً إلى الأراضي الأوروبية.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ينصُّ القانون الجديد على ضرورة البتّ في غضون 12 أسبوعاً في طلب اللجوء، وحال رفضه يُرحَّل طالب اللجوء فوراً إلى بلده أو إلى بلد العبور، ما يعني فعليّاً حرمانه من حق الطعن في الرفض واللجوء إلى القضاء.

ويشمل هذا الإجراء الدول التي تبلغ نسبة الاعتراف بطلبات لجوء رعاياها أقلّ من 20%، ما يعني أن هذه الإجراءات القاسية لن تشمل اللاجئين الفارّين من الحروب والتعذيب والإرهاب.

ويقول طارق الأوس، المتحدث باسم منظمة "برو أزول"، إن المنظمة تعتبر مراكز الاحتجاز التي ينص عليها الاتفاق "معسكرات شبيهة بالسجون"، لأن هذه المراكز تشبه إلى حدٍّ بعيد السجون، وتشكل خطورة على حق اللجوء وتعطي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إمكانية وقف دراسة أسباب اللجوء.

ويضيف الأوس لـTRT عربي، أن هذا الاتفاق "يجرد قضية اللاجئ من إنسانيتها"، ولن يوقف حركة اللجوء، وسيزيد الخطورة على الطرق التي يسلكها اللاجئون، ويتسبب بالتالي في زيادة أعداد الوَفَيات على هذه الطرق.

ويعلن المتحدث باسم "برو أزول" رفضه لما يسوقه الاتحاد الأوروبي بخصوص تشديد إجراءات المراقبة على الحدود الأوروبية، فيقول: "توجد على حدود بولندا وهنغاريا واليونان والجيبين الإسبانيين سبتة ومليلة منشآت حدودية عالية التحصين، ولكن ذلك لا يسهم في تقليل أعداد اللاجئين، بل يرفع منسوب الخطر".

ويتابع الأوس: "اللاجئون في هذه الحالة يخاطرون بأنفسهم من أجل تخطي الحواجز والأسيجة الخطيرة، فمن يهرب من العَوَز والموت والملاحقة لن تردعه العقبات على الحدود".

يظلُّ المشروع الأبرز هو وضع طالبي اللجوء في معسكرات أشبه بالسجون/ صورة: منظمة برو أزول

آلية التضامن الإلزامي

ترفض دول أوروبية شرقية، مثل بولندا وهنغاريا، تحمُّل مسؤولياتها في وقت تعاني فيه دول لها حدود أوروبية خارجية مثل إيطاليا واليونان من الارتفاع الكبير في أعداد اللاجئين إلى أوروبا، فيما استقبلت ألمانيا -على سبيل المثال- أعداداً كبيرة من اللاجئين.

وكانت هذه الخلافات سبباً في اعتماد الدول الأوروبية آلية جديدة لتقاسُم أعباء اللاجئين، وهي "آلية التضامن الإلزامي" التي تعني ضرورة توزيع اللاجئين على جميع دول الاتحاد.

وفي حال رفضت دولة استقبال العدد المخصّص لها، يُفرض عليها تعويض الدول الأخرى عبر غرامات مالية تقدّر بـ20 ألف يورو مقابل كل لاجئ، على أن يجري ضخ هذه الأموال في صندوق خاص بتمويل إجراءات اللجوء ومساعدات الدول الأوروبية للاجئين.

وتعدُّ إيطاليا من الدول الأوروبية التي يمكن أن تستفيد من هذه الآلية، ووفقاً لبيانات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تأتي إيطاليا في مقدمة الدول الأوروبية التي يصل إليها اللاجئون عبر البحر المتوسط.

هل "الدول الثالثة" آمنة بالفعل؟

وتنصُّ النقطة الثالثة في الاتفاقية الأوروبية الجديدة على ترحيل اللاجئين الذين رُفضت طلباتهم إلى "دولة ثالثة آمنة"، وتعدُّ إيطاليا واليونان والنمسا من أهم الدول التي ضغطت لتمرير هذا القرار الذي ينصُّ على ترحيل اللاجئين الذين رُفضت طلبات لجوئهم إلى "دولة ثالثة آمنة"، مرَّ اللاجئ عبرها قبل الوصول إلى الأراضي الأوروبية.

وعلى سبيل المثال، إذا كان اللاجئ قادماً إلى إيطاليا أو النمسا من "دولة ثالثة آمنة" مثل تونس أو ألبانيا، فإن السُّلطات الأوروبيَّة يكون لها الحق في ترحيله إلى هذه الدولة في حال رفض طلب لجوئه.

وفي هذا الشأن، يقول الأوس إن جزئية ترحيل اللاجئين إلى "دول ثالثة آمنة" تُقلق المنظمة، لأنها قد تؤدي إلى توقيع اتفاقيات مُخلَّة مع أنظمة استبدادية لا تُراعي حقوق اللاجئين.

ويوضح أن الدول الأوروبية "لم تتعلم لا من الماضي ولا من الحاضر"، مستشهداً بتجربة معسكرات اللجوء في جزيرة موريا باليونان.

ويرى الأوس أن الاتفاق الجديد "سيعمّق المشكلة على الحدود الأوروبية الخارجية بدلاً من حلها"، لافتاً إلى أن هذه الاتفاقيات "غير مقبولة من النواحي القانونية والإنسانية والأخلاقية".

وتحتاج هذه التعديلات الجديدة إلى تصديق البرلمان والمجلس الأوروبيّين، لكن ذلك يعتبر أمراً شكليّاً نظراً للإجماع الكبير الذي حظيت به التعديلات في اجتماعات وزراء داخلية الدول الأعضاء في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وتأتي التعديلات بسبب رغبة الحكومات الأوروبية في حسم القضية قبل الانتخابات الأوروبية عام 2024، وذلك بهدف قطع الطريق على الأحزاب اليمينية الشعبوية والمتطرّفة التي تستخدم ورقة اللجوء لكسب أصوات الناخبين.

وحول الضغوطات التي تمارسها الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية على الحكومات الأوروبية، يؤكد الأوس أن الاتفاق الذي يأتي على حساب حقوق الإنسان واللاجئين "يكشف كيف تميل أوروبا أكثر نحو اليمين لدرجة أن بعض الأحزاب التقليدية الكبيرة باتت تجنح نحو سياسة الأحزاب اليمينية الشعبوية بخصوص سياسة اللجوء".

وبعد موافقة الدول الأعضاء على النظام الجديد، من المقرّر أن تُضفي المفوضية الأوروبية والبرلمان والمجلس في ربيع العام الحالي الشرعية على هذا النظام.

وحول الإجراءات التي تنوي المنظمة اتخاذها بعد إضفاء الشرعية على النظام الجديد، يقول الأوس إن المنظمة "مُصرّة على مواصلة جميع جهود حماية اللاجئين، وذلك ليس فقط من خلال توثيق كل ما يحدث على الحدود، بل أيضاً من خلال توفير السند القانوني للاجئين وتمثيلهم أمام أعلى المحاكم".

ارتفاع كبير في الأعداد

وتأتي هذه القرارات الجديدة في وقت تواظب فيه السلطات الأوروبية على تقديم أرقام مرتفعة جدّاً في أعداد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا.

ووفق آخر أرقام وكالة اللجوء الأوروبية (EUAA)، فإن القارة سجّلت منذ بداية يناير/كانون الثاني وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، 937 ألف طلب لجوء، ما يعني زيادة بنسبة 22% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق عليه.

أما ألمانيا، التي تأتي في مقدّمة البلدان الأوروبية التي يقصدها اللاجئون، فقد سجلت في الفترة ذاتها 326 ألف طلب، ما يعني زيادة بنسبة 52%، مقارنة بعام 2022، وأن 27% من طلبات اللجوء التي قُدّمت إلى الاتحاد الأوروبي جاءت من نصيب ألمانيا، فيما تأتي فرنسا وإيطاليا في المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً