للمرة الثانية في تاريخه، منذ الحرب العالمية الثانية، يقع أرخبيل جزر سليمان وسط حلقة تنافس دولي منقطع النظير. ذلك بعد أن حوَّل تعارض المصالح بين الغرب والصين المحيط الهادي إلى حلبة صراع، حول مَن يبسط سيادته عليه واشنطن أم بكين.
وتطرح جزر سليمان تحدياً استراتيجياً بالنسبة للغرب في المحيط الهادي، بخاصة بعد التقارب الكبير بين قيادتها والصين، رغم خضوعها الاسمي للتاج البريطاني. حيث تسود مخاوف من نشر بكين قواتها العسكرية على الأرخبيل الواقع شمال شرقي أستراليا.
هذا وأعلنت جزر سليمان، شهر أبريل/نيسان الماضي، توقيعها اتفاقاً أمنياً مع الصين. في أكبر تقارب بيين البلدين منذ عودة ماناسيه سوغافاري لرئاسة وزراء البلاد، الذي يعرف بميله نحو بكين، عوض الحكومة المحلية في مالاتيا التي تحالف تايوان.
اتفاق أمني يؤجج الصراع
وفق نسخة مسرَّبة من وثيقة الاتفاق الأمني، فإنه يشمل بسط الصين قوات شرطة وحفظ أمن على أراضي الأرخبيل. كذلك السماح للسفن الحربية الصينية بالرسو في موانئ البلاد، إضافة إلى إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية صينية هناك.
ودافع رئيس الوزراء سوغافاري عن الخطوة، أمام برلمان البلاد، قائلاً بأنها "لن تؤثر سلباً أو تقوض السلام والوئام في منطقتنا". وطالب الدول الغربية "باحترام المصالح السيادية لجزر سليمان"، مشدداً على أنه "توصلنا إلى اتفاق مع الصين بملء بصيرتنا، وقد استهدينا بمصالحنا الوطنية".
وفي وقت لاحق لذاك، نفى سوغافاري سماح بلاده بتشييد قاعدة صينية على أراضي بلاده، متعهداً بأن ذلك لن يجري "طالما حكومته في السلطة". وأرجع رئيس الوزراء ذلك لكون الحكومة "تدرك التداعيات الأمنية" لتلك الخطوة، كما أن الصين "لو أرادت إقامة قاعدة عسكرية لبحثت إجراء ذلك في بابوا أو الفيجي".
ويحدث تقارب حكومة سوغافاري مع الصين انقساماً كبيراً داخل البلاد، حيث يرجح عدد من الباحثين أسباب أعمال العنف التي شهدتها في نوفمبر/تشرين الثاني إلى ذلك. وسبق أن حذَّر زعيم المعارضة بجزر سليمان، بيتر كينيلوريا الابن، بأن "السياسة الخارجية للبلاد يُتحكّم فيها بشكل كبير من الصين" وأنّ هذا الأمر سيقود البلاد إلى دوامة عنف حيث "لن نشهد مسار تصاعده بل سيباغتنا فجأة بانفجاره".
وجدَّد كينيلوريا تحذيراته عقب توقيع الاتفاق الأمني الأخير، قائلاً بأن: "بعض الناس لن يأخذوا هذا الأمر باستخفاف وسيؤدي ذلك إلى مزيد من التوترات الموجودة بالفعل على المستوى المحلي"، كما "سيؤدي إلى زيادة تأجيج المشاعر ويؤكد مرة أخرى عدم ثقة الناس في الحكومة".
في قلب التنافس الدولي
تلعب الصين في علاقاتها بجزر سليمان بورقة الاستمالة اقتصادياً، الأمر الذي تفسره وعودها هونيارا بمعونات اقتصادية واستثمارات بقيمة 500 مليون دولار، عقب عودة سوغافاري إلى سدة حكم البلاد سنة 2019 ومعه عودة العلاقات الدبلوماسية مع الصين.
وقتها، عبّر دانييل سويداني، رئيس الحكومة المحلية بجزيرة ملايتا حيث النسبة الأكبر من سكان البلاد، عن رفضه التام لتلك الخطوة، قائلاً: "نعارض بشدة استثمارات الحزب الشيوعي الصيني، ونحن على وعي تامّ بمخاطر الوقوع في فخّ الديون الصينية، وقد رأينا من خلال تجربة عدد من الدول كيف وجدت نفسها عالقة في هذا الفخ الذي لا سبيل للخروج منه". في إشارة لفخ الديون الصينية الذي تعاني منه عدة دول فقيرة أخرى.
وتقع جزر سليمان في نقطة استراتيجية على مسارات الشحن البحري، بحيث تمكن السيطرة عليها من بسط النفوذ على هذه المسارات التجارية. كما يمثل، أي وجود العسكري الصيني بها، تهديداً مباشراً لأستراليا، أحد أعضاء حلف "أوكوس" الذي تقوده الولايات المتحدة في المحيط الهادئ. وتنشر أستراليا حوالي 1500 من قواتها في جزر سليمان، والذين يشاركون في عمليات حفظ السلام بالأرخبيل.
وسبق وحذَّرت الولايات المتحدة بأنها سترد إذا ما رخصت حكومة جزر سليمان إقامة قاعدة عسكرية صينية على أراضيها. وقال البيت الأبيض في بيان: "أشار ممثلو جزر سليمان إلى أن الاتفاقية لها تطبيقات محلية فقط، عكس ما خلص إليه الوفد الأمريكي، بأن هناك تداعيات أمنية إقليمية محتملة للاتفاق، بما في ذلك بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها"، وبالتالي "إذا جرى اتخاذ خطوات لإنشاء وجود عسكري دائم بالأمر الواقع (...) فإن الولايات المتحدة سترد وفقاً لذلك".
فيما تسود مخاوف في جزر سليمان من أن تجر الخطوة على البلاد غزواً عسكرية، وفقاً لما تحدَّث عنه رئيس وزرائها ماناسيه سوغافاري: بأنه "بعبارة أخرى نحن مهددون بغزو وهذا أمر خطير "نعامل مثل أطفال في دار حضانة يتجولون وفي أيديهم (مسدسات من طراز) كولتس 45، وبالتالي يجب مراقبتهم".