تلقت الرياضة العراقية صدمة جديدة وموجعة برحيل أحد أساطيرها الكروية النجم الأسبق أحمد راضي في أحد مستشفيات العاصمة بغداد، بعد تدهور حالته الصحية بسبب فيروس كورونا.
وتضاعفت أعراض الإصابة على الأسطورة أحمد راضي قبل أن يفارق الحياة عن عمر يناهز 56 عاماً، وهو الذي عُرف بأنه صاحب الهدف المونديالي للعراق في مونديال المكسيك 1986.
وفاة الكابتن العراقي أحدثت ضجة كبيرة في الوسط الشعبي ما أدى إلى نزول المواطنين إلى ساحة التحرير مطالبين بإقالة وزير الصحة وفتح ملفات الفساد وأسباب نقص الأدوية وضياع الميزانية المالية المخصصة لشراء الأجهزة الطبية.
أسباب تدهور الحالة الصحية
شكّل خبر وفاة راضي صدمة كبيرة للجماهير العراقية الذين وصفوا خبر وفاته بالفاجعة للوسط الرياضي، لما يحمله الراحل من تاريخ كبير حافل على جميع الأصعدة المحلية والدولية والقارية كلاعب كرة قدم سّطر للرياضة العراقية والعربية إنجازات مهمة.
بهذا الصدد تحدث مدير عام مستشفى النعمان دكتور صلاح العزي لـTRT عربي قائلاً: "استقبلنا الكابتن أحمد راضي ووضعناه في غرفة خاصة مع عناية مشددة من قبل 3 من أفضل أطباء المستشفى، وكنا نجري له فحوصات مستمرة ونقيّم حالته الصحية".
وأضاف أن راضي "كان في تحسن وبصحة مستقرة، وأوصيناه بالالتزام بالتعليمات الطبية وعدم إزالة جهاز الأوكسجين في جميع الحالات، لأن ذلك سيؤدي إلى المخاطرة بحياته خصوصاً أنه يعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي، لكن الراحل خلعه وقت دخوله للحمامات، وبعد دقائق تدخل الكادر الطبي ورآه ملقى على الأرض".
وتابع العزي، "أتفهم عاطفة الشعب وحرقة قلوبهم على رحيل أسطورة كرة القدم أحمد راضي بسبب كورونا، لكن لا يمكن تحميل إدارة المستشفى مسؤولية وفاته، لأن الأطباء بذلوا كل ما بوسعهم ولم يكونوا مقصرين بحقه إطلاقاً".
ولفت العزي إلى تمنياته "من جميع وسائل الإعلام والجماهير أن تحكّم لغة العقل وتترك العاطفة والقلب، لأن من يتهمنا بالتقصير فإنه يساهم بفقدان الثقة بين الناس والكوادر الطبية".
إشاعات حول تشريح الجثة
خرجت أصوات كثيرة تطالب بتشريح جثة الكابتن أحمد راضي متهمةً الحكومة وأحزابها بتورطها بحادثة وفاته، بل وتصاعدت الإشاعات حول وصية الأسطورة التي تركها في رسالة على أنها مكتوب فيها ضرورة تشريح الجثة حال موته في المستشفى.
وللمزيد من التفاصيل، وبهدف معرفة الحقيقة من مصادرها، تواصل مراسل TRT عربي مع ذوي المرحوم راضي، وبهذا السياق صرّح أحمد الحديثي زوج ابنته، وقال: "نحن عائلة الراحل مصدومون من الاستغلال الإعلامي الذي يحدث على القنوات ومواقع السوشيال ميديا، فهناك تضليل للحقائق من أجل الشهرة واستباق الخبر".
وتابع الحديثي "نستغرب ممن يتحدث باسمنا ونيابة عن أهل بيت راضي، وكل ما قيل حول فتح وصية بخط يده مكتوب فيها متابعة التحقيقات للكشف عن سبب الوفاة، تلفيقات كاذبة، ونحن راضون بقضاء الله وقدره، وندعو الجميع للحفاظ على مبدأ المصداقية واحترام روح الراحل".
وأكد أن "الإشاعات أطلقها محرضون كانوا منزعجين من أداء وخبرة أحمد راضي الذي كان في مهمة رسمية ليتم ترشيحه لمنصب رئاسة الاتحاد العراقي لكرة القدم، فأرادوا أن يخلطوا الأوراق ويشوهوا سمعة الرياضي الوطني الذي ساهم برفع اسم العراق عالياً لسنوات طويلة".
انهيار الواقع الصحي
دُفن جثمان الراحل راضي في مقبرة الكرخ غرب بغداد، في مراسم تشييع لم تكن بالمستوى الذي يليق بشخصية كروية قدّمت الكثير لبلادها بسبب جائحة فيروس كورونا. وكان من المفترض نقله قبل ساعات من وفاته إلى العاصمة الأردنية عمّان عبر طائرة طبية خاصة لتلقي العلاج هناك، بعد جهود بذلتها شخصيات رياضية أبرزها وزير الرياضة الحالي عدنان درجال، لكن الموت كان سريعاً للنجم العراقي الكبير وأبى إلا أن يُدفن في بغداد.
كوادرنا الطبية تخاطر بأرواحها للتخفيف من أزمة كورونا، لكن انخفاض مخصصات وزارة الصحة لـ 2.5% من إجمالي ميزانية الدولة عام 2019 يضعنا في موقف صعب لا نستطيع من خلاله توفير أجهزة طبية حديثة.
تعددت أسباب قرار تسفير راضي إلى مستشفيات عمان وأبرزها نقص الأجهزة الطبية وشح الأدوية. وبهذا الصدد أوضح متحدث وزارة الصحة سيف البدر لـ TRT عربي قائلاً: "الانتقادات التي يتم توجيهها للوزارة قاسية، ونحن نبذل جهداً كبيراً، وكوادرنا الطبية تخاطر بأرواحها للتخفيف من أزمة كورونا، لكن انخفاض مخصصات وزارة الصحة لـ 2.5% من إجمالي ميزانية الدولة عام 2019 يضعنا في موقف صعب لا نستطيع من خلاله توفير أجهزة طبية حديثة".
وتابع البدر "الأيام الماضية شهدت تصاعداً غير مسبوق في أعداد الإصابات بكورونا في العراق مما يشير إلى قرب دخول الوضع الوبائي في مرحلة الذروة للتفشي، وما تشكله من خطر كبير على المواطنين وضغط على المنظومة الصحية".
وأشار إلى أن "المنظومة الصحية لم تأخذ من الاهتمام الكثير خلال الحقب الماضية، وأن مستوى التزام بعض المواطنين بالتعليمات ما زال دون المستوى الذي يوازي الموقف الوبائي الخطير الذي يمر بنا، بالتالي نحذر من الآثار الكارثية التي يمكن أن تنشأ عن الاستمرار بالاستهانة أو الاستخفاف بتلك التعليمات، والوزارة تنعى فقيدها الراحل الكابتن الأسطورة أحمد راضي".
ساحة التحرير تطالب بإقالة وزير الصحة
تظاهر العشرات في ساحة التحرير وأمام مبنى وزارة الصحة في منطقة باب المعظم وسط بغداد، وتجمع المحتجون من محبي ومشجعي نادي الزوراء الذي كان الراحل أحد نجومه ورئيسه في الفترة الماضية، وطالبوا بإقالة وزير الصحة الحالي حسن محمد التميمي وتحميله مسؤولية وفاة راضي.
أحمد راضي كان أيقونة وطنية، ويحظى بجماهيرية رياضية واجتماعية كبيرة، ورغم ذلك أهملته وزارة الصحة، فكيف سيكون حال الفقراء والمواطنين البسطاء الذين يتم التضحية بهم في المستشفيات الحكومية.
وحول هذه الاحتجاجات تحدث الناشط المدني صابر الحاتمي لـ TRT عربي وقال: "يشهد العراق ارتفاعاً هائلاً في معدل الإصابات بكورونا، وهذا ما أنتجه تخبط وزارة الصحة التي تعاني من فساد كبير طيلة 17 عاماً، ووفاة راضي كان بسبب فشل وزير الصحة الحالي بإدارة ملف الصحة وانشغاله بالخطابات الإعلامية التي لم تغير شيئاً حتى اللحظة".
وأضاف الحاتمي "أحمد راضي كان أيقونة وطنية، ويحظى بجماهيرية رياضية واجتماعية كبيرة، ورغم ذلك أهملته وزارة الصحة، فكيف سيكون حال الفقراء والمواطنين البسطاء الذين يتم التضحية بهم في المستشفيات الحكومية".
وأردف "هذا يدعونا للمطالبة بإقالة وزير الصحة ويدفعنا للمناشدة المستمرة كي يتم إجراء تحقيق استقصائي بخصوص الأموال التي تصرف على بناء وفتح المستشفيات الأهلية التي يملكها السياسيون وأحزاب السلطة، والذين يهملون المستشفيات الحكومية التي تعاني من فقدانها لأجهزة التنفس والأدوية والمعقمات".
سياسيون وناشطون يعلقون على وفاة راضي
أثار وفاة أسطورة الكرة العراقية أحمد راضي إثر إصابته بفيروس كورونا صدمة لدى العراقيين في ظل ارتفاع عدد حالات الإصابة والوفاة اليومية جراء الوباء، الأمر الذي فتح النار بوجه الحكومة ووزارة الصحة العراقية، وأنعش مطالبات إقالة الوزير حسن التميمي.
حيث دعا السياسي والنائب السابق حيدر الملا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إقالة وزير الصحة لسوء إدارته الأزمة الوبائية، مشدداً على حماية أرواح العراقيين. وقال الملا في تغريدة له على موقع تويتر، "عزيزي دولة الرئيس الكاظمي، التزام السلطة تحقيق نتيجة وليس بذل عناية، والسوء في إدارة الأزمة الوبائية يتحملها وزير الصحة، إقالته أصبحت مسؤولية أخلاقية فأرواح العراقيين ليست رخيصة".
أما الناشط السياسي صفاء رشيد فقد كتب على تويتر "يا سادة يا كرام بكل اختصار أرواحنا بيد هؤلاء الصعاليك المبتذلين، نقدم لكم وزير الصحة الملتزم بالتباعد الاجتماعي خلال افتتاحه مستشفى كرفانات في صلاح الدين. لا يهم عدد الإصابات ولا عدد الموتى. الأهم والمهم هو عدد الصور والتفاعل في الإعلام الذي يكثر من عدد الأصوات في الانتخابات".
ملفات الفساد تفتك بوزارة الصحة
يتعرض الواقع الصحي في العراق لضغوط تحول دون إصلاح وزارة الصحة، والتي تعد واحدة من مراتع الفساد وفقاً لشهادات مسؤولين، في ظل ترد كبير في الواقع الصحي وتراجع حاد في الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين وغياب الأدوية المنقذة من الموت، وغيرها من أوجه الفساد المالي والإداري.
بهذا الصدد صرّح الباحث الاستقصائي أحمد الرفاعي متحدثاً لـTRT عربي قائلاً: "من بين أهم تلك المخالفات وأوجه الفساد التي سجلناها في وزارة الصحة تسجيل فروقات مالية كبيرة لحساب الوزيرة السابقة عديلة حمود، ونقص في الأدوية الأساسية مقابل تكدس أخرى منتهية الصلاحية أو أخرى زائدة عن الحاجة، فضلاً عن نقص الأجهزة الضرورية وعدم صيانة المتعطل منها".
كما أضاف الرفاعي "أجرينا تقريراً مفصلاً يشير إلى نقص في الكوادر الصحية والتمريضية والتلوث في المستشفيات، بالإضافة إلى ملف إتلاف النفايات الصحية الذي أثبت التقرير وجود مخالفات هائلة بشأنه، ما يؤدي إلى تلوث المياه والبيئة المحيطة بالمستشفيات والمراكز الصحية، وهو ما حدث في البصرة وغيرها، والوزير الحالي حسن التميمي لديه علم بهذه التفاصيل لكنه يرضخ لضغوطات سياسية تمنعه من الحديث للرأي العام".
وأثار رحيل الكابتن أحمد راضي جدلاً واسعاً حول أزمة النظام الصحي في العراق الذي يعاني من اختلالات عديدة منذ سنوات نتيجة الفساد وسوء الإدارة، ثم جاء فيروس كورونا ليزيد الأمور تعقيداً على أوضاع المؤسسات الصحية المتهالكة، ويعمق جراح الشعب العراقي الذي يحلم بواقع أفضل، لكنه يصطدم بفساد الأجهزة الحكومية وضياع مقدرات البلاد.