أحدث فوز السياسي البريطاني جورج غالاوي بمقعد في الانتخابات الفرعية لمجلس العموم البريطاني ضجة هائلة في الأوساط البريطانية، وسط توقعات بأن يلقي بظلاله على المشهدين السياسي والإعلامي.
وعاد غالاوي (69 عاماً) إلى البرلمان البريطاني للمرة الرابعة خلال 37 عاماً، بعد فوزه بـ40% من أصوات مدينة روتشديل (شمال غرب)، إثر حملة انتخابية ركزت على قطاع غزة ودعمها بوجه الحرب الإسرائيلية.
وفي خطاب النصر، وجه السياسي المخضرم رسالة شديدة اللهجة إلى كير ستارمر زعيم حزب العمال البريطاني -الذي كان ينتمي إليه سابقاً-، وقال إن "الفوز من أجل غزة"، مضيفاً: "ستدفعون ثمناً باهظاً للدور الذي لعبتموه في تمكين المذبحة في غزة وتشجيعها وتغطيتها".
ونجح السياسي المعروف تاريخياً بمواقفه المناهضة للحرب في العراق وأفغانستان، في جذب أصوات الجالية العربية والمسلمة في روتشديل، والتي تشكل 20% من إجمالي الناخبين، وفق تقارير بريطانية.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فوز غالاوي في البرلمان بأنه "يتجاوز مستوى القلق"، داعياً إلى اتباع نهج أكثر صرامة في التعامل الأمني مع الاحتجاجات الداعمة لغزة، كما حذر من مساعي تقويض الديمقراطية في المملكة المتحدة.
ورد غالاوي على سوناك في أكثر من مناسبة، وشدد في إحداها على مناهضته العنف والتطرف، متهماً رئيس الوزراء "باستخدام المسلمين كورقة سياسية أملاً بالفوز في الانتخابات المقبلة"، وتوقع أيضاً أن يكون هناك إجراءات تقيد مزيداً من الحريات للشعب البريطاني في التعبير وحرية التجمع والتظاهر.
"صدمة سياسية"
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية حسام شاكر أن انتخاب غالاوي مثّل صدمة سياسية وإعلامية في بريطانيا بعد فوزه في الانتخابات بشكل تجاوز توقعات الحزبين الرئيسيين (المحافظين والعمال)، وحدثاً مزعجاً للطبقة السياسية والإعلامية المتوافقة مع الخطاب السياسي العام.
ويوضح شاكر في حديثه مع TRT عربي أن ما جرى يمثّل إحراجاً للوسط السياسي البريطاني، إذ بدا سوناك منزعجاً من فوز غالاوي، "وهذا لا يبتعد عن حقيقة أن الأول لم يكن منتخباً لرئاسة الوزراء أو من سبقته ليز تراس، إذ قدما بعد فراغ قيادي بحزب المحافظين الذي دفع بهما من دون عملية انتخابية على مستوى الشارع، بعد أن جاءت آخر انتخابات بالشعبوي بوريس جونسون".
ويضيف أن القيادة الحكومية البريطانية تدرك أنها ليست مُنتخبة وربما التوازنات الانتخابية قد تغيرت بالواقع البريطاني، مشيراً إلى أنه "عندما تجد هذه النخبة سياسياً يظهر بقوة انتخابية من الشارع، فإنه يذكّرها بمأزقها مع الشارع".
ويبيّن خبير الشؤون الأوروبية أن مجلس العموم البريطاني والحياة السياسية البريطانية أصبحت منغلقة على خطاب أحادي فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، وتحديداً القضية الفلسطينية والحرب الأوكرانية والتحالف الأطلسي وتطورات حرب الإبادة في غزة.
وعلى هذا الأساس -وفق شاكر- فإن ظهور شخص معروف بمواقفه مثل غالاوي يؤذن بأنه سيقتحم قبة البرلمان بأحاديث جريئة ولاذعة لم تعتد النخبة السياسية بمجلس العموم سماعها منذ أمد بعيد.
وبذلك تستشرف هذه النخبة موسماً -وإن كان قصيراً- من شأنه أن يحرجها في مواقف عدّة ويسجل عليها نقاطاً، كما يرى شاكر، الذي وصف البرلمان البريطاني بأنه "يعبر عن هزال الحالة البريطانية وانفصالها عن الشارع"، مبيناً أن انتخاب غالاوي يؤشر إلى إمكانية أن يحظى بمقعده في الانتخابات المقبلة مطلع 2025.
ويؤكد شاكر أن النخبة السياسية البريطانية بدت منعزلة ومنفصلة عن نداءات الشعب ولم تذهب إليه انتخابياً رغم كل الأزمات منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن الحياة السياسية البريطانية تبدو "نخبوية منغلقة على ذاتها ولا تشهد إنعاشاً وتجديداً، وتحظى بتواطؤات نخبوية اقتصادياً وإعلامياً".
ثمة تداعيات
ويبدو أن الانتخابات المقبلة في الدول الغربية لن تفرز تغييراً كبيراً، لكون حالة غالاوي أحادية ولها دلالة رمزية، إذ لا تتبلور المؤشرات الانتخابية بالدول الأوروبية بناءً على أولويات السياسات الخارجية وهذه مسألة ستحافظ على ثباتها، كما يعتقد شاكر.
ويشير الخبير في الشأن الأوروبي إلى خروج تيار غالاوي بكثافة مليونية للشوارع في 2002 و2003 تنديداً بالحرب على العراق، ولم ينجح وقتها سوى في حصد مقعد وحيد.
ويؤكد أن ثمة مشكلة بنيوية في تحول كم الجماهير إلى سلوك تصويتي ثابت بالحياة السياسية الغربية إذا تعلق بموقف من السياسة الخارجية، "لذلك لا توجد بدائل في الحياة السياسية البريطانية".
وبناءً على ذلك، يتوقع شاكر صعود بعض الوجوه الناقدة مثل غالاوي وتراجع التصويت لبعض الخيارات السياسية التقليدية مثل حزب العمال، الذي قد تقل حظوظه بدوائر انتخابية معينة بعدما فقد ثقة المسلمين والأقليات به.
ويشير إلى أنه لا توجد بدائل حزبية متماسكة قادرة على إشغال أي فراغ بأي دوائر، بسبب ارتباطه بالبنية الحزبية التقليدية ونظام الحزبين بالحياة السياسية البريطانية، مؤكداً أنه "لا توجد آفاق للانفكاك منها".
ويلفت إلى أنه من المتوقع تآكل شعبية الأحزاب الكبرى التقليدية في الدول الأوروبية الأخرى، مقابل مزيد من الدعم لأحزاب الهوامش وأحزاب أقصى اليمين من دون تغيير حقيقي في البنية السياسية الحالية.
ويرى شاكر أن أحزاب اليمين سيكون لها حظوة كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي صيف هذا العام، لكون السلوك التصويتي فيها يميل لأن يكون احتجاجياً مخالفاً لمؤشرات التصويت في برلمانات الدول الأوروبية.
ويؤكد أن غالاوي جريء للغاية بالنقد، ما سيؤدي إلى مشادات في مجلس العموم وجولات من التسخين الإعلامي والسياسي لا ترغب بها الطبقة السياسية البريطانية، كما أن مواقفه من القضية الفلسطينية وحرب أوكرانيا من شأنها أن تثير زوابع في بريطانيا ولكن لن تمس جوهر الواقع السياسي فيما هو آتٍ.
"ظاهرة نادرة"
بدوره يقول الصحفي المختص في الشؤون الأوروبية زاهي علاوي إن غالاوي من الشخصيات المثيرة للجدل ليس في بريطانيا فحسب وإنما في الغرب، واصفاً إياه بأنه "شكّل ظاهرة نادرة في السياسة الغربية بتمرده على كل ما يعرف بالقيم السياسية الغربية".
ويوضح علاوي في حديثه مع TRT عربي أن هذه القيم اتبعت أساليب دبلوماسية ناعمة عندما يتعلق الأمر بالحروب بالشرق الأوسط ومشاركة الدول الغربية وبخاصة بريطانيا.
ويشير إلى أن عودة غالاوي تشكّل هزة سياسية ونوعاً من الضغط داخل أروقة البرلمان والأحزاب السياسية لكونه من مناصري القضية الفلسطينية ويرفض الحرب على غزة، ويعتبر الحروب الغربية على الدول العربية بمثابة حروب لاستنزافها ولا تراعي مصالح شعوبها.
ويعتقد علاوي أن عودته ستشكل ضغوطاً على الساسة البريطانيين لأنه سيوجِد صوتاً يجب أن يُسمع، مستدلاً بتصويت أكثر من 100 ألف صوت احتجاجي ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
وحول دلالات ما حدث، يوضح علاوي أنها مؤشر على رفض شعبي لسياسة الحكومة الحالية وحزب العمال، والرغبة في رؤية سياسات مختلفة لا تؤيد إسرائيل بشكل أعمى، فضلاً عن المظاهرات الأوروبية الرافضة للدعم اللا متناهي لأوكرانيا على حساب الاقتصادات المحلية والبرامج التنموية.
ويعتقد الصحفي المختص بالشؤون الأوروبية أن عودة غالاوي ستشجع السياسيين المتخوفين من ردود فعل جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، وتشكّل دافعاً لهؤلاء ولناشطين سياسيين لتشكيل أحزاب أو محاولة الترشح للانتخابات المحلية كشخصيات مستقلة رافضة للسياسات العامة ولهذا التأييد والدعم، وقد تكون نواة ومقدمة لحراك جديد داخل أروقة السياسة بالدول الغربية.