تستمر الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ 14 شهراً / صورة: AA (AA)
تابعنا

أمل رنتيسي - سامي برهوم

عقب إعلان وقف إطلاق النار، سادت أجواء من التفاؤل في قطاع غزة، الذي يشهد إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ كانت الآمال معلقة على اتفاق مماثل يُنهي الحرب ويُعيد آلاف النازحين إلى مناطقهم.

لكن مع الخروقات المستمرة في لبنان وتهديدات الاحتلال الإسرائيلي بـ"حرب أشرس" إذا انهار الاتفاق، رغم أن إسرائيل هي الطرف الذي يرتكب هذه الخروقات، باتت آمال الفلسطينيين في غزة حذرة من أن يكون أي اتفاق مستقبلي "هشاً" أو "شكلياً".

وبدافع التصدي لما وصفتها بـ"التهديدات من حزب الله"، ارتكبت إسرائيل 117 خرقاً لوقف إطلاق النار حتى يوم الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً وإصابة 13 آخرين، وفقاً لإحصاءات وكالة الأناضول استناداً إلى بيانات وزارة الصحة اللبنانية وإعلانات الوكالات اللبنانية الرسمية.

هل ما زال أهالي غزة يعولون على اتفاق مشابه؟

غازي أشرف (28 عاماً) من سكان مدينة غزة، أعرب عن حزنه وتعبه من المعاناة المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون في القطاع منذ اندلاع الحرب، ويأمل في تحقيق وقف إطلاق نار عاجلاً يكون مدخلاً لحل شامل.

ويقول الشاب لـTRT عربي: "تعبنا خلال عام وشهرين من الحرب، وأعتقد أنه حان الوقت لتغيير هذا الواقع والوصول إلى وقف إطلاق نار على غرار الذي حصل في لبنان، الجميع هنا يتمنى حصول هذا الاتفاق حتى لو كان مؤقتاً".

ويضيف: "منذ بداية الحرب، نزحت جنوباً مثل كثير من المواطنين، نحن في غزة منهكون، ووقف إطلاق النار على غرار ما حدث في لبنان قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح".

ويشير أشرف إلى أن حجم الدمار تجاوز كل تصور، مع محو مدن بأكملها مثل رفح وخان يونس وغزة وبيت حانون عن الخريطة.

ويرى أن إعادة الإعمار وعودة الناس إلى بيوتهم ليستا مجرد مطلبين، بل ضرورتان مرتبطتان بوقف إطلاق النار ولا يمكن فصل هذه الملفات بعضها عن بعض. ويؤكد ضرورة أن تكون هناك جهود منظمة لتحقيق ذلك تحت إطار اتفاق وطني يشمل جميع الفصائل الفلسطينية، لضمان وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي.

غازي يرى أن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تركز على تخفيف معاناة الناس بعد سنوات طويلة من الألم والحرمان، مشدداً على أهمية تشكيل حكومة توافق وطني في غزة، ويقول: "الحكومة المقبلة يجب أن تكون قادرة على تحمل مسؤولية إعادة الإعمار وتهيئة ظروف الحياة الكريمة للناس، هذا هو الطريق الوحيد لتجاوز محاولات الاحتلال المستمرة للتهجير والاستيطان".

وحول مدى استدامة أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار، يعرب غازي عن تفاؤله المشوب بالحذر: "جيش الاحتلال لا يؤتمن، يعني حتى وإن حدث وقف إطلاق النار في لبنان فهو قد ارتكب عدة خروقات ولكن في النهاية هناك اتفاق ورعاية دولية لهذا الاتفاق ويجب أن يكون هناك احترام له".

أما حاتم عمر، النازح في منطقة العطار بخان يونس، فيعبِّر عن تطلعه إلى إنهاء الحرب الدائرة على قطاع غزة بعد أن جرى الاتفاق في لبنان. ويقول لـTRT عربي: "كنا نأمل أن تكون نهاية الحرب في لبنان وغزة معاً، لكن شاءت الأقدار أن يذهب لبنان إلى تهدئة ووقف إطلاق نار وأن تبقى غزة تحت النار".

ويُردف: "الآمال الآن معلقة على المفاوضات الجارية التي نرجو أن تُتوَّج بوقف إطلاق النار.. هذا ما ينتظره الجميع لإنهاء دوامة الدمار والمعاناة في القطاع".

وشدد الشاب على أهمية أن تتبع التهدئة خطوات ملموسة نحو إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية في غزة، قائلاً: "نأمل أن تعود الحياة إلى طبيعتها في القطاع من خلال جهود حثيثة لإعادة الإعمار وتأهيل ما دمرته الحرب".

وأعرب عن أمنيته أن تشكل هذه المفاوضات بداية النهاية للحرب، قائلاً: "إن شاء الله، تتكلل الجهود بالنجاح، ليصبح وقف إطلاق النار بوابةً لتحقيق الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها في غزة".

بدورها، تحلم آمال مسعود (33 عاماً)، النازحة من حي الشجاعية، بأن يصبح هناك وقف قريب لإطلاق النار وأن تعود إلى منزلها. وعن هذا تقول لـTRT عربي: "نفسي أشم التراب الذي كنت أجلس عليه، تعبنا نفسياً ومعنوياً بشكل لا يُحتمل".

وتضيف: "المجاعة التي اجتاحت الجميع أدت إلى سوء التغذية، حتى الجروح لم تعد تلتئم مهما أخذنا من مضادات حيوية بسبب ضعف المناعة.. المرضى لا يجدون ما يأكلونه، وكل شيء أصبح باهظ الثمن.. نحن نعيش ظروفاً فوق طاقة البشر".

ترى السيدة أن وقف إطلاق النار يمثل بارقة أمل لإنهاء معاناتها، معربةً عن تطلعها إلى تحقيق هذا الهدف قريباً، وتقول: "نرجو أن يتحقق وقف إطلاق النار قريباً وأن تصل المساعدات إلينا. لقد أنهكنا التعب، ونأمل أن تكون هذه النهاية لصبرنا الطويل، خصوصاً ونحن في العام الثاني من هذه المعاناة".

أما نجود شوقي (43 عاماً) فكانت متشائمة حول حدوث اتفاق يُنهي معاناة السكان في غزة، وفي حديث مليء بالألم واليأس، عبّرت نجود، النازحة في خان يونس، عن معاناتها الكبيرة وعدم ثقتها بإمكانية تحقيق وقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، مشيرةً إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي في عملياته ورفضه الانسحاب من القطاع.

وتقول لـTRT عربي: "من خلال متابعتي للأخبار، لا يبدو أن هناك أملاً في وقف إطلاق نار قريب، فالاحتلال يصر على البقاء في غزة، سواء في المحاور أو المدن، رغم الحصار المفروض على مستشفى كمال عدوان واستهداف مدارس الوكالة التي يلجأ إليها النازحون، بالإضافة إلى استمرار القصف على مناطق أخرى".

وترى نجود أن أي تهدئة مشابهة لما حدث في لبنان لن تكون مجدية، موضحةً: "لا يمكن أن نثق بوقف إطلاق نار شبيه بلبنان. هناك أعلنوا عن هدنة لكنها لم تمنع الاحتلال من مواصلة القصف والاغتيالات. هؤلاء لا أمان لهم، وأنا أرفض أي هدنة إذا لم تكن مشروطة بانسحابهم الكامل من غزة".

وأضافت نجود أن الانسحاب الكامل هو الضمان الوحيد لتحقيق الطمأنينة، قائلةً: "الاحتلال لا يحترم الاتفاقات، والهدنة وحدها لا تكفي. يجب أن ينسحبوا من كل زاوية في غزة، لأن ما يحدث في لبنان يتكرر يومياً هنا.. نحن نعيش هذا الألم بلا توقف".

وعن الوضع الإنساني، أوضحت نجود أن إدخال المساعدات يحتاج إلى ضمانات حقيقية، قائلةً: "وقف إطلاق النار وحده لا يكفي إذا لم تكن هناك حماية تضمن وصول المساعدات إلى من يحتاج إليها، المساعدات من دون حماية تصبح بلا جدوى، ونحن بحاجة إلى آلية واضحة لتأمينها".

وشددت السيدة على أن الأمن والاستقرار شرطان أساسيان لعودة الحياة إلى طبيعتها، قائلةً: "إذا تحقق وقف إطلاق النار، يجب أن يتوفر الأمن والأمان للنازحين والمواطنين في القطاع، حياتنا اليومية أصبحت معاناة لا تنتهي، خصوصاً هنا في خان يونس، البرد ينهش أجسادنا، ونحن نفتقر لأبسط مقومات الحياة. لا يمكن أن تستمر هذه الأوضاع، نحن بحاجة إلى حل جذري يُعيد إلينا حياتنا وكرامتنا".

إلى أين وصلت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة؟

وتكثف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل تسلم إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي توعد بـ"جحيم" في الشرق الأوسط في حال لم تحدث صفقة تعيد المحتجزين في غزة.

وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، قال مصدران من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إن مسؤولين بالحركة أجروا محادثات مع مسؤولين أمنيين مصريين، في مسعى جديد لوقف إطلاق النار، وفق ما نقلته وكالة رويترز. فيما قال مسؤولان إسرائيليان إنه من المنتظر أن يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اجتماعاً لمجلس الوزراء الأمني ​​بشأن هذه المسألة.

والاثنين قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إن وفدين من حركتي حماس وفتح يتشاوران في العاصمة القاهرة لـ"التوصل إلى فهم مشترك بشأن إدارة غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية".

وهذه أول زيارة يجريها مسؤولون من حماس للقاهرة منذ أعلنت الولايات المتحدة، يوم الأربعاء الماضي، أنها ستعاود إحياء الجهود بالتعاون مع قطر ومصر وتركيا للتفاوض على وقف إطلاق النار في القطاع، الذي من شأنه أن يشمل صفقة رهائن.

في حين سبق أن قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، إنه يعتقد أن فرص وقف إطلاق النار والاتفاق على إطلاق سراح المحتجزين في غزة أصبحت الآن أكثر ترجيحاً بعد اتفاق لبنان.

وأضاف: "أعتقد أننا قد تكون لدينا فرصة لإحراز تقدم، لكنني لن أتوقع بالضبط متى سيحدث ذلك.. لقد اقتربنا كثيراً من ذلك ولم نعبر خط النهاية بعد (لم نتوصل إلى اتفاق)".

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهد قطاع غزة هدنة واحدة فقط بوساطة مصرية-قطرية-أمريكية، لمدة 4 أيام، بدءاً من 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مُددت في اليوم الأخير لمدة يومين، ومرة ثانية لمدة يوم، لتنتهي في 1 ديسمبر/كانون الأول 2023.

ووفق تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز عقب اتفاق لبنان، توقع محللون للصحيفة أنه من غير المرجح أن يُتوصَّل إلى اتفاق، معتبرين أن "إسرائيل وحماس ما زالتا بعيدتين جداً عن الاتفاق مقارنةً بإسرائيل وحزب الله في لبنان".

وقالت الصحيفة: "كان وقف إطلاق النار في لبنان ممكناً جزئياً لأن حزب الله، الذي أضعفته الاغتيالات والخسائر العسكرية، فقد نفوذه في المفاوضات. وعلى الجانب الإسرائيلي، كان بإمكان نتنياهو تقديم تنازلات لأن اتفاق لبنان لن يُضعف قبضته على السلطة داخلياً".

وتابعت: "أما في غزة، فإن الأمر أصعب بكثير؛ فحماس تحتفظ بنحو 100 رهينة، مما يمنحها ورقة ضغط كبيرة. وعلى الجانب الآخر، لا يستطيع نتنياهو التوصل إلى تسوية مع حماس خشية انهيار ائتلافه الحاكم، مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة".

وتتعثر جولات المفاوضات غير المباشرة بين تل أبيب وحماس، جراء إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على مواصلة الحرب على القطاع، وتمسكه بمحوري فيلادلفيا ونتساريم جنوب ووسط القطاع، فيما تطالب حماس بانسحاب إسرائيلي كامل من غزة وعودة النازحين دون تقييد.

TRT عربي