تابعنا
يأتي التحالف الأمريكي في محاولة لإعادة "الهدوء" إلى البحر الأحمر، وبالخصوص إلى منطقة باب المندب التي يتحكّم فيها الحوثيون.

أعلن وزير الدفاع الأمريكي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن إطلاق مبادرة أمنية متعددة الجنسيّات تحت اسم "حارس الازدهار"، وذلك بهدف حماية التجارة في البحر الأحمر.

ووفق البنتاغون، يشارك في التحالف 20 دولة، فيما تضمَّن الإعلان الأولي للتحالف مشاركة كل من بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل، إلى جانب دولة عربية واحدة هي البحرين، من دون مشاركة دول مؤثرة مثل السعودية ومصر والإمارات.

ويطرح هذا الغياب العربي لدول خليجية نافذة تساؤلات حول مدى قدرة التحالف الدولي في البحر الأحمر على تحقيق أهدافه في "مواجهة" جماعة أنصار الله الحوثيين.

أهداف تأسيس التحالف

في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري أعلنت أكبر شركة شحن بحري في العالم (إم إس سي) تغيير مسارات السفن التابعة لها لتجنب المرور من البحر الأحمر بسبب هجمات جماعة الحوثيين التي تستهدف بشكل رئيسي السفن المملوكة لإسرائيل، أو التي تنقل بضائع باتجاهها.

وهي ليست الوحيدة التي تقدم على هذا القرار، إذ إنّ شركات شحن بحري عدة جمّدت أنشطتها في البحر الأحمر، في ما يبدو خضوعاً للضغط الذي تمارسه جماعة الحوثيين على خلفية الحرب على قطاع غزة.

ويأتي التحالف الأمريكي في محاولة لإعادة "الهدوء" إلى البحر الأحمر، وبالخصوص إلى منطقة باب المندب التي يتحكّم فيها الحوثيون.

وحسب ما أفاد به المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندر كينغ قبل الكشف عن عملية "حارس الازدهار" بأيام، فإنّ بلاده تسعى لتشكيل أوسع تحالف بحري ممكن لحماية السفن في البحر الأحمر، و"إرسال إشارة مهمة إلى الحوثيين بأنه لن يجري التسامح مع مزيدٍ من هجماتهم وتهديدهم للشحن الدولي".

وفي هذا الصّدد يعتقد أحمد ناجي، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أن الولايات المتحدة الأمريكية متخوّفة من توسع التصعيد في البحر الأحمر، نظراً إلى أن الهجمات بدأت أولاً ضدّ السفن المملوكة لإسرائيل، ثم طالت السفن الحربيّة المرافقة للسفن الإسرائيلية، مع توسيع النطاق الجغرافي للهجمات.

وفي حديثه مع TRT عربي يرى ناجي أنّ هدف الإعلان عن عملية "حماية الازدهار" هو "الاحتواء"، ويستدلّ على تحليله هذا بوجود اتصالات دبلوماسية بين واشنطن والحوثيين عبر سلطنة عُمان، بهدف إقناع جماعة الحوثي بخفض التصعيد في البحر الأحمر، لكن الجماعة لا تزال تربط بين وقف الهجمات على غزة وتخفيض تصعيدها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

لماذا تغيب الدول العربية؟

ويرى ناجي صعوبات في إقناع دول مؤثرة بالانضمام بشكل فعال إلى التحالف، مثل السعودية التي تشعر بأن هذه ليست حربها، على اعتبار أن الدول الغربية لم تتفاعل سابقاً بالشكل المطلوب مع عملياتها العسكرية ضد جماعة أنصار الله الحوثيين.

ويلفت الباحث إلى سبب آخر يجعل السعودية غير مندفعة باتجاه الدخول في التحالف، ويتمثل في الوصول إلى مرحلة متقدمة من مفاوضات السلام في اليمن، وبالتالي لا ترغب الرياض في العودة إلى المربع الأول.

ويشير ناجي إلى وجود سفن حربية تتبع دولاً غربية عدة في المنطقة، مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، قبل الإعلان عن العملية الأمنيّة الأخيرة.

لكن وفق اعتقاده فإنّ واشنطن تسعى لإعطاء صبغة دولية وإقليمية بخصوص تحركاتها في البحر الأحمر، بما في ذلك إتاحة المجال أمام الصين للمساهمة في تأمين الملاحة الدولية.

ويرجّح ناجي أن تقتصر العمليات على تعطيل هجمات جماعة أنصار الله من دون أن تتطور إلى الهجوم على مواقعهم في اليمن، لأن الجميع لا يرغب في توسيع التصعيد.

وبالتوازي مع التصريحات الأمريكية التي تحدثت عن الرغبة في توسيع التحالف لحماية البحر الأحمر، حذر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني واشنطن من "المشكلات الهائلة" التي سوف تواجهها في حال أقدمت على تشكيل تحالف دولي، مشيراً إلى سيطرة بلاده على المنطقة وعدم قدرة أي طرف على المناورة فيها، حسب وصفه.

وفي أعقاب إعلان وزير الدفاع الأمريكي عن إطلاق العملية الأمنية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر، كشف قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنغسيري عن تنظيم قوة شعبية قوامها قرابة 55 ألف عنصر، و33 ألف قطعة بحرية، لتنشط ضمن مياه الخليج في المرحلة الأولى، ثم تتوسع للعمل ضمن بحر قزوين.

أهمية مضيق باب المندب

يُعتبر مضيق باب المندب الذي يصل بين المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر ممراً مهمّاً لشحنات النفط من دول الخليج العربي باتجاه أوروبا وآسيا، حيث يمر منه يومياً قرابة 10% من إجمالي النفط المنقول عبر البحر، كما يساهم في ربط البحر المتوسط بشرق آسيا.

ويقول الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية وأمن الطاقة حسن الشاغل إنّ باب المندب له أهمية كبيرة في ما يتعلق بأمن الطاقة، وتهديد سلامة الملاحة فيه سينعكس سلباً على دول الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى.

ويوضح الشاغل لـTRT عربي أنّ الاتحاد الأوروبي بات يعتمد خلال عام 2023 بشكل كبير على الغاز المُسال القادم من دول الخليج العربي وبشكل خاص من قطر والإمارات وسلطنة عُمان، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على النفط الخام القادم من السعودية.

ويضيف الشاغل أن "عدم صلاحية باب المندب لمرور الطاقة سيؤدي إلى زيادة مسافة النقل باتجاه أوروبا، وبالتالي زيادة تكاليف النقل، أي ارتفاع التكلفة على الدول الأوروبية".

ويبيّن الباحث في العلاقات الاقتصادية أنّ ذلك سيكون له أثر غير مباشر في توازن أسواق الطاقة العالمية، لأن تأخر وصول الإمدادات إلى السوق الدولية سيؤدي إلى زيادة أسعار النفط والغاز على المدى الطويل.

ويشير الشاغل إلى أن الأثر لم يظهر في الوقت الراهن لأنه مع نهاية العام يتراجع الطلب عموماً على النفط والطاقة لأن الإنتاج ينخفض، فالشركات تنشغل بتصفية حساباتها.

ويضيف أن باب المندب هو أيضاً معبر لمرور البضائع والسلع عموماً، وبخاصة القادمة من دول شرق آسيا وعلى رأسها الصين باتجاه إفريقيا والدول الأوروبية، وبالتالي سيؤثر استمرار التهديدات في الممر في تدفق السلع والبضائع وارتفاع تكاليف نقلها، لأن تكديسها في مناطق محدّدة بانتظار فرصة لعبورها سيزيد مصاريف التأمين وأجور التخزين.

ومن الطبيعي أن تؤدي إعاقة مرور الطاقة والبضائع من باب المندب إلى خفض حجم العبور من قناة السويس أيضاً، الأمر الذي سيلحق الضرر بالاقتصاد المصري، ويدفع الدول للبحث عن طريق مائي آمن حول إفريقيا مروراً برأس الرجاء الصالح، مما يعني أيضاً حصول انعكاسات سلبية على التجارة الدولية في البحر، لأن السفن ستكون مضطرة إلى استخدام طريق مائي أطول بتكاليف أعلى.

TRT عربي