على الرغم من أن التهديدات أثيرت ضد تركيا منذ أكتوبر/تشرين الأول، وحاولت ألمانيا منعها وعرض الوساطة فيها، فإن الأوروبيين دفعوا في اتجاه إقرار عقوبات فردية على تركيا، بسبب أعمال التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية المتنازع عليها مع اليونان وقبرص.
لم يكن من السهل على قادة الاتحاد الأوروبي اتخاذ هذه الإجراءات التي استغرق النقاش فيها وقتاً طويلاً، لولا الدفع والسعي من بعض رؤساء الدول إلى إقرار عقوبات بحق تركيا، التي تعتبر الجار الكبير وأحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، والبلد الذي يستضيف الملايين من اللاجئين.
وتم التلويح باتخاذ مزيد من الإجراءات في شهر مارس/آذار 2021، إذا واصلت تركيا تحركاتها، في حين أن الجانب التركي لا يزال متمسكاً بحقوقه في شرق المتوسط.
تباين في مواقف قادة الاتحاد الأوروبي
كشفت التصريحات الأخيرة لبعض رؤساء الاتحاد الأوروبي وقادته ومخرجات الجلسة عن عدم انسجام في الرؤى وتباين في المواقف، حيث تدعو أطراف إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، في حين تقوم دول أخرى بدور التحريض وتأليب الرأي.
ورحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الجمعة بكون الاتحاد الأوروبي قد "أظهر قدرته على أن يكون حازماً".
وقال الرئيس الفرنسي في نهاية القمة: "لقد منحنا تركيا فرصة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكننا لاحظنا بالإجماع أن تركيا واصلت أعمالها "الاستفزازية"".
كما أيد وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمنت بون على حسابه على تويتر "تبني المجلس الأوروبي عقوبات"، في مواجهة ما سماه "بالإجراءات والاستفزازات الأحادية للجانب التركي".
ولم يكن موقف فرنسا من أنقرة مفاجئاً بل متوقعاً، حيث شهدت العلاقة بين البلدين توتراً ملحوظاً خاصة في الفترة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى الاختلاف حول عدد من القضايا كالتنقيب في شرق البحر المتوسط وملف قره باغ و ليبيا وغيرها.
ولم تكن فرنسا وحدها من سعت إلى التحريض والدعوة إلى التكتل ضد تركيا، فاليونان قامت بدعم نفس الموقف.
وقال رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميكوتاكيس إن أثينا نجحت في تحويل الخلاف التركي اليوناني إلى خلاف تركي أوروبي حسب تعبيره.
وتمسكت اليونان برفض المفاوضات مع تركيا بشأن شرق المتوسط وبحر إيجة، ودفعت إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين.
في المقابل حاول الطرف الألماني الدعوة إلى مزيد من الحوار مع تركيا، وكانت ألمانيا قد اتخذت في وقت سابق دور الوساطة بين أثينا وأنقرة ودعت إلى المصالحة.
وفي تصريح سابق قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إنه لا بد من ضرورة مواصلة الاتحاد الأوروبي مع تركيا.
وقال أستاذ القانون الدولي العام والعلاقات الدولية، الدكتور سمير صالحة، إنأثينا تطالب بوقف إرسال السلاح الغربي إلى تركيا بسبب سياستها التصعيدية في شرق المتوسط، لكن عواصم أوروبية في مقدمتها برلين قررت رمي الكرة في ملعب حلف شمال الأطلسي ليتعامل هو مع الموضوع.
وفي نفس السياق دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستلوتنبرغ الدول الأوربية إلى التعامل بإيجابية أكثر مع تركيا كجزء مهم من الحلف والعائلة الغربية.
من جانبه أكد وزير خارجية المجر بيتر سيارتو أهمية تركيا كحليف استراتيجي للاتحاد الأوروبي، مندداً بما تقوم به بعض البلدان في خلق العداء معها.
ولم يكن الموقف الإيطالي ببعيد عن ذلك، حيث تجمع الأخيرة بتركيا مصالح كثيرة في مجال الطاقة خاصة، إضافة إلى الدور الذي تلعبه في حلف الناتو.
وفي نفس الإطار يعلق الأكاديمي والباحث السياسي برهان كور أوغلو في تصريح لـTRT عربي أنه "لا يوجد بديل لتركيا فيما يتعلق بأمن حلف شمال الأطلسي، كما أن لها الحق في التنقيب بشرق المتوسط، لذلك إذا استمر الاتحاد الأوروبي في موقف ثنائي، هناك دول كبيرة من الاتحاد ستتضرر".
وبعد جلسة النقاشات المطولة أعطى القادة الأوروبيون تفويضاً لرئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل لتقديم تقرير لهم في موعد أقصاه مارس/آذار 2021 حول تطور الوضع، كما اقترحوا تمديد العقوبات لتشمل عقوبات أخرى، إذا لزم الأمر، على أنشطة التنقيب التركية في مياه قبرص.
مخرجات قمة دول الاتحاد الأوروبي
في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على أنقرة لوقف التنقيب، دعت وثيقة مخرجات المجلس إلى إعداد قوائم إضافية بشأن الآليات الحالية لمعاقبة المسؤولين الأتراك على النشاط في شرق المتوسط، وكان المجلس قد مدد في الشهر الماضي لمدة عام العقوبات التي تستهدف حالياً شخصين.
كما تمت الاشارة أيضاً إلى ضرورة انسحاب السفينة التركية Oruç Reis من أنشطة الاستكشاف في المنطقة المتنازع عليها.
و حتى الآن تم فرض بعض التدابير التقييدية فقط على عضوين من شركة البترول التركية (TPAO).
وتنص مسودة الاستنتاجات على أن قادة الدول الأوروبية سيطلبون من وزراء خارجيتهم إعداد قوائم عقوبات إضافية.
وتمهد الوثيقة بذلك الطريق لإجراءات تضييق أوسع بحق تركيا، ورغم ذلك فاليونان تدعو إلى أن تتضمن صياغة أكثر صرامة.
كما تضمنت الوثيقة كذلك أن الاتحاد الأوروبي سيسعى للتنسيق بشأن هذه القضايا مع الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل توثيق العلاقات السياسية الخارجية مع واشنطن بعد أن يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني القادم، والتأكيد أن المصلحة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي تكمن في تطوير علاقة تعاونية ومفيدة للطرفين مع تركيا.
و لذلك فإن باب الحوار والمصالحة يبقى مفتوحاً للتوصل إلى حل دبلوماسي يرضي جميع الأطراف وفقاً للقانون الدولي.
الموقف التركي من العقوبات الأوروبية
لم يولِ الجانب التركي أهمية كبرى للعقوبات التي لوح بها قادة الاتحاد الأوروبي عقب جلستهم الأخيرة.
حيث صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "البلدان الحكيمة في الاتحاد الأوروبي أحبطت مخططاً ضد تركيا عبر طرح مواقف إيجابية خلال القمة".
وأضاف الرئيس التركي أن بلاده لم ولن تخطو خطوة من شأنها الإخلال بروح العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي مقالٍ كتبه وزير الدفاع التركي خلوصي لموقع لـTRT قال فيه "إن حل القضايا المعقدة من خلال التعاون والتفاوض على أساس المصالح المتبادلة والإنصاف لطالما كان هدفنا دائماً. لكن من ناحية أخرى، فإن أي محاولة لتحريض الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا، أو تعيين شروط مسبقة للمحادثات، لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية".
وأضاف الوزير التركي تأييد بلاده بشدة لحل جميع هذه الخلافات العالقة مع الجارة اليونان من خلال القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل والحوار والمفاوضات.
وفي تعقيبه على نتائج القمة الأوروبية قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إنه يتعين "على قادة الاتحاد الأوروبي عدم السماح بانسداد العلاقات، إدراكاً لأهميتها الاستراتيجية بين تركيا والاتحاد".
على الرغم من أن بلدان الاتحاد الأوروبي لم تستجب لمساعي فرنسا واليونان التحريضية في فرض عقوبات على تركيا، فإنها لم تمنع في الوقت ذاته حدوث ذلك في المستقبل، وتركت الباب مفتوحاً أمام المفاوضات بين قادة الدول، في انتظار تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وما ستؤول إليه توازنات القوى في المنطقة.