بالتزامن مع اتساع الخلاف بين الولايات المتحدة والصين، وصل (الثلاثاء) إلى العاصمة الصينية بكين في زيارة غير معلنة، وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي الأسبق هنري كيسنجر. الذي إلى جانب اجتماعه مع عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، التقى صباح (الخميس) الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وذكرت محطة "CCTV" الرسمية أن شي التقى كيسنجر في دار ضيافة الدولة (دياويوتاى)، وهو مجمّع دبلوماسي في غرب بكين، حيث استُقبل كيسنجر خلال زيارته الأولى للصين عام 1971. وأشار شي في الاجتماع إلى أنه منذ ذلك الحين، زار كيسنجر الصين أكثر من 100 مرة. ورد كيسنجر قائلاً إنه "لشرف عظيم" زيارة الصين، وشكر شي على اختياره لمقابلته في نفس المبنى الذي التقى فيه القادة الصينيين لأول مرة، وفقاً لما أوردته المحطة الصينية.
وبوصفه من أكثر الشخصيات المؤثرة في السياسة الخارجية خلال القرن العشرين، فإن زيارة كيسنجر لها وزن هائل، بالنظر إلى التاريخ المعقَّد بين البلدين. مع التوترات والخلافات التجارية التي تميِّز تفاعلاتهما الأخيرة، يحرص المراقبون على فهم النيات الكامنة وراء هذا الاجتماع. ومن هنا يُطرح السؤال: ماذا يفعل "الثعلب الأمريكي" في "المزرعة الصينية"؟
"الصديق القديم"
رحب الرئيس الصيني شي جينبينغ يوم الخميس، بكيسنجر - مهندس تطبيع العلاقات بين واشنطن وبكين في السبعينيات كوزير للخارجية ومستشار للأمن القومي في إدارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد - ووصفه بأنه "صديق قديم" وسط جهود من جانب بكين وواشنطن لإصلاح العلاقات المتوترة.
تجدر الإشارة إلى أنه في يوليو/تموز 1971، أصبح كيسنجر أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور الصين الشيوعية. فيما مهدت اجتماعاته السرية مع القادة الصينيين الطريق لرحلة "كسر الجليد" التي قام بها الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون في العام التالي، وفقاً لما نقلته "رويترز".
وفي العقود التي تلت ذلك، ازدهرت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين جنباً إلى جنب مع الاعتماد الاقتصادي المتبادل بينهما. ولكن في السنوات الأخيرة ، تدهورت العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم بشكل ملحوظ.
بالنسبة إلى شي، كان وجود كيسنجر بمثابة تذكرة بأوقات عصيبة. حيث قال شي لكيسنجر: "إننا لا ننسى أبداً أصدقاءنا القدامى، ولن ننسى أبداً مساهمتكم التاريخية في تنمية العلاقات الصينية-الأمريكية وتعزيز الصداقة بين الشعبين".
وأضاف شي: "الصين والولايات المتحدة مرة أخرى على مفترق طرق، إلى أين تتجهان؟ وعلى الجانبين اتخاذ قرار مرة أخرى"، وحث كيسنجر والأميركيين المتشابهين في التفكير على "الاستمرار في لعب دور بنّاء في إعادة العلاقات الصينية-الأمريكية إلى المسار الصحيح".
جاءت زيارة كيسنجر المفاجئة في الوقت الذي يزور فيه جون كيري، وزير الخارجية الأسبق والمبعوث الأمريكي الحالي للمناخ، بكين للقاء مسؤولين صينيين، لمناقشة كيفية تعاون البلدين في مواجهة أزمة المناخ. كيري هو الأحدث في سلسلة من كبار المسؤولين الأمريكيين الذين سافروا إلى الصين هذا الصيف، بعد أن أكمل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، رحلة طال انتظارها في يونيو/حزيران، وأتبعتها وزيرة المالية الأمريكية أيضاً بزيارة قبل أيام.
ومع ذلك، أعرب البيت الأبيض عن أسفه (الخميس) لأن هنري كيسنجر تمكن من الحصول على جمهور في بكين أكثر من بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين، بعد أن أجرى الدبلوماسي الكبير السابق محادثات في الصين، وفقاً لما نقلته "رويترز".
وبينما صرح البيت الأبيض بأنه كان على علم بالرحلة لكنها كانت زيارة خاصة قام بها مواطن، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: "من المؤسف أن يتمكن مواطن عادي من لقاء وزير الدفاع وإجراء اتصالات ولا تستطيع الولايات المتحدة ذلك".
وأضاف كيربي أن مسؤولي الإدارة "يتطلعون إلى الاستماع إلى الوزير كيسنجر عندما يعود، لسماع ما سمعه، وما تعلمه، وما رآه".
وبينما تتصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم بسبب مجموعة من القضايا، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وتايوان والقيود التجارية، حاولت واشنطن إعادة إنشاء قنوات اتصال حول هذه القضايا وغيرها من خلال الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى الأخيرة، لتحقيق نوع من الاستقرار في العلاقة بين البلدين وسط جو من التفاؤل الحذر من كلا الجانبين بأن استئناف الحوارات الرسمية يمكن أن يبني أساساً لتحسين العلاقات.
ما هدف زيارة "الثعلب العجوز"؟
على الرغم من عمره الذي تجاوز القرن، يواصل كيسنجر، الملقب بثعلب السياسة الأمريكية وعرّاب دبلوماسيتها، زيارة الصين بانتظام منذ أن ترك منصبه.
ورأت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية في زيارة الدبلوماسي السابق محاولةً للمساعدة في إذابة التوترات الجليدية بين بكين وواشنطن. وقالت إن الصين تراهن على هذه الزيارة من أجل إحياء الزخم الإيجابي، لا سيما مع استمرار التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن كيسنجر لم يمثل الولايات المتحدة في زيارته لبكين أو اجتماعه مع وزير خارجية الصين وانغ يي، العام الماضي، فإن وانغ تحدث بتوهج عن كيسنجر، وقال إنه "صديق قديم"، وأشاد بـ"دوره الذي لا بديل له" في مواصلة تطوير العلاقات بين البلدين.
وقال وانغ، وفقاً لوزارة الخارجية الصينية، إن "السياسات الأمريكية تجاه الصين تتطلب حكمة دبلوماسية على غرار كيسنجر وشجاعة سياسية على غرار نيكسون".
وبينما رفضت الحكومة الصينية في وقت سابق الموافقة على عقد اجتماع مع وزير الدفاع الأمريكي، التقى كيسنجر (الثلاثاء) وزير الدفاع الصيني المدرج على قائمة العقوبات في الولايات المتحدة الأمريكية، لي شانغفو، في بكين. وقالت وزارة الدفاع الصينية، في البيان الذي نشرته عقب الاجتماع، إن كيسنجر قال إنه في بكين "كصديق للصين".
وذكر البيان أيضاً أنه "يجب على الولايات المتحدة والصين القضاء على سوء التفاهم والتعايش السلمي وتجنب المواجهة"، وأضاف: "لقد أثبت التاريخ والممارسة مراراً وتكراراً أنه لا يمكن للولايات المتحدة ولا للصين التعامل كخصمَين". فيما أعرب وزير الدفاع الصيني عن أمله في أن تتمكن الصين وأمريكا من العمل معاً "لتعزيز العلاقة بين البلدين والجيشين".
ونقل البيان الصيني عن كيسنجر قوله: "إذا خاض البلدان حرباً، فلن تؤدي إلى أي نتائج ذات مغزى للشعبين". ورد كيسنجر بأن على الولايات المتحدة والصين القضاء على سوء التفاهم، حسبما ذكرت وكالة "شينخوا" الصينية.
وقال كيسنجر، وفقاً للرواية الصينية: "لقد أثبت التاريخ والممارسة مراراً وتكراراً أنه لا يمكن للولايات المتحدة أو الصين تحمل تكلفة المعاملة كمعارضَين".
يُذكر أن وزير الخارجية الأمريكي حاول في أثناء زيارته بكين في يونيو/حزيران الحصول على اتفاق لاستئناف الاتصالات العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة والصين. لكنه قال إن بكين رفضت الفكرة على الرغم من الحوادث الوشيكة الخطيرة التي حدثت مؤخراً.