مع قرب يوم 3 أبريل/نيسان، تاريخ إجراء الانتخابات العامة في صربيا، يزداد التوتر بين بلغراد ودول الجوار المستقلَّة عنها، لرفض تلك الدول أن تكون أراضيها مسرحاً لسباق سياسي ملغوم بالنعرات القومية.
واعتبر كل من كوسوفو ومونتينيغرو أن عزم السلطات الصربية على إجراء تلك الانتخابات في أراضيها تهديد لسيادتها. على الجهة الأخرى اتهمت بلغراد نظيرتَيها، بريشتينا وبودغوريتسا، بعدم احترام الحقوق المدنية للأقليات الصربية هناك، وحرمانهم من ممارستها.
ويعرف الشارع الكوسوفي والمونتينيغري غلياناً كبيراً إزاء هذه القرارات، إذ خرج المواطنون الصرب في مظاهرات تندّد بها. وأعربت الجهات الراعية لمحادثات السلام بين صربيا وكوسوفو عن أسف لهذه التطورات، متهمة إياها بعرقلة سير العملية الدبلوماسية.
توتر حول الانتخابات الصربية
تعهَّد الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش بفرض "إجراءات تقييدية قاسية" على جارتيه كوسوفو ومونتينيغرو. ردّاً على ما سماه برفضهما السماح للمواطنين الصرب بالتصويت في بلادهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية الصربية، المزمع إجراؤها في 3 أبريل/نيسان القادم.
ولم يحدد فوسيتش طبيعة هذه الإجراءات، لكنه قال في تجمُّع انتخابي لحزبه "التقدمي الصربي" في بلدة كيكيندا يوم الاثنين، إنهم "سيحصلون على إجابة من أشخاص جادِّين ومسؤولين"، وسيكون لذلك "عواقب بعيدة المدى".
أثارت هذه القضية خلافاً سياسياً في مونتينيغرو، حيث اتهم تكتل "الجبهة الديمقراطية" الموالية للصرب، الذي يشارك في الائتلاف الحاكم، حكومة البلاد بانتهاك حقّ المواطنين الصرب في التصويت، وحذّر من أن قرارها سيؤدّي إلى تدهور علاقاتها مع صربيا. وحثّ زعيم الجبهة أندريا مانديتش، رئيس الوزراء زدرافكو كريفوكابيتش على "تحديد موعد جلسة للحكومة وتغيير هذا القرار المخزي".
في كوسوفو كذلك هزَّ رفض حكومة البلاد إجراء الانتخاباتِ الشارعَ في المدن والبلدات ذات الأغلبية الصربية، حيث خرج مئات منهم يوم الجمعة في مظاهرات تندّد بالقرار، رافعين لافتات كُتب عليها "نريد حقوقنا الإنسانية" و"كورتي لن يبعدنا عن كوسوفو"، في إشارة إلى رئيس الحكومة الكوسوفي.
مخاوف تدهور الأوضاع
في ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، أعرب عدد من الدول الغربية عن مخاوفها من تدهور الأوضاع في منطقة البلقان الغربي، وانزلاقه في مسار قد يجدد العنف هناك، مع هشاشة التوازنات السياسية داخله وجمود تقدُّم محدثات السلام بين عدد من أطرافه.
وعبَّرت مجموعة "كوينت" الراعية لمحادثات السلام بين كوسوفو وصربيا، التي تقودها الولايات المتحدة برفقة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، عن أسفها بشأن قرار الحكومة الكوسوفية، معتبرةً أن "حكومة كوسوفو فشلت في إظهار التزامها مبدأ حماية الحقوق المدنية والسياسية لجميع مواطنيها، بمن فيهم أفراد الأقليات"، وأن هذا الموقف "لا يتماشى مع قيمنا ومبادئنا وسوف يقوّض تطلعاتها الأوروبية".
وأردفت في بيان أصدرته الخارجية الأمريكية: "نعترف بأن من حق حكومة كوسوفو أن تقرر السماح أو عدم السماح بتيسير التصويت في انتخابات بلد آخر. وبينما نقدر استعداد صربيا للحل، فإننا نشعر بخيبة أمل كبيرة لأننا نحيط علماً بقرار حكومة كوسوفو رفض الاقتراح البنَّاء الذي قدَّمَته اللجنة الخماسية (لمجموعة كوينت)".
وحثت المجموعة كلاً من كوسوفو وصربيا على ضبط النفس وخفض التوترات، قائلةً: "نكرّر دعوتنا القوية لكوسوفو وصربيا إلى الامتناع عن أي أعمال وخطابات تزيد التوترات وقد تؤدِّي إلى حوادث".
لماذا يرفضون الانتخابات؟
ورفضت كوسوفو السماح بفتح مراكز اقتراع صربية في أراضيها لإجراء انتخابات، فيما سمحت مونتينيغرو لحاملي جوازات السفر الصربية بالتصويت في السفارة الصربية في العاصمة بودغوريتشا وفي القنصلية الصربية في بلدة هرسك نوفي، وفي المقابل رفضت يوم الاثنين 21 مارس/آذار الجاري، طلباً صربياً بفتح ثلاثة مراكز اقتراع إضافية في بلدات بيران.
واعتبر كل من كوسوفو ومونتينيغرو فتح مراكز تصويت صربية على أراضيها انتهاكاً لسيادتها، وقال رئيس الوزراء الكوسوفي ألبين كورتي في رسالة إلى مكتب الاتحاد الأوروبي ببلاده: "لا نريد أن نمنع حق التصويت لمواطني جمهوريتنا مزدوجي الجنسية، لكن في الوقت نفسه لا يمكننا التصرف بشكل ينتهك شرعية ودستورية البلاد".
وقال رئيس الوزراء المونتينيغري زدرافكو كريفوكابيتش إن حكومته "لم تُستشَرْ" بشأن القرار الصربي بفتح مراكز تصويت إضافية في أراضيه، وإن صربيا "لم توضح سبب حاجتها إلى مراكز اقتراع إضافية".
وفي يناير/كانون الثاني وافق برلمان كوسوفو على قرار يدعو الحكومة إلى منع صربيا من إجراء انتخابات في البلاد على الإطلاق. وذكر هذا القرار بأن الانتخابات الصربية السابقة التي أُجريَت في كوسوفو "تنتهك السيادة والنظام الدستوري لجمهورية كوسوفو، وتتعارض مع الدستور، وقوانين جمهورية كوسوفو، فضلاً عن الأعراف والممارسات الدولية".
ووضعت كوسوفو ثلاثة خيارات لإجراء تلك الانتخابات: أن تطلب صربيا رسمياً فتح مراكز الاقتراع، أو أن يصوّت صرب كوسوفو بالبريد، أو في مكتب تمثيل صربيا في كوسوفو. وقد رفضت صربيا جميع هذه الخيارات لما تتضمنه من اعتراف باستقلال البلاد، وهو ما لا تزال بلغراد متصلبة بشأنه.