عرفت البشرية إحدى أبشع المجازر في التاريخ، خلال الحرب التي دارت في البوسنة والهرسك سنة 1995 وراح ضحيتها أكثر من 8 آلاف مسلم أغلبهم من الشيوخ والأطفال، على يد قوات صرب البوسنة.
اتُّهم القائد العسكري الصربي راتكو ميلاديتش بارتكاب المذبحة في مدينة سربرنيتسا وتنفيذه إبادة عرقية جماعية قضت على إثرها المحكمة الجنائية الدولية بضرورة القبض عليه وسجنه، ورصدت قوى دولية جوائز مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومة أو يساعد في القبض عليه.
من يكون سفاح البلقان؟
ولد راتكو ميلاديتش سنة 1942 في قرية تقع في الجنوب الشرقي لمدينة سراييفو، لأب صربي شيوعي تعرض للقتل سنة 1945.
التحق ميلاديتش بمدرسة الصناعة العسكرية ثم انضم إلى الأكاديمية العسكرية ومنها إلى أكاديمية الضباط وبعد تخرجه منها انضم إلى الحزب الشيوعي.
شغل القائد العسكري السابق عدة مناصب وتولى عدة مهمات حربية، حيث جرى تعيينه قائداً لوحدات عسكرية ثم سرعان ما أصبح قائد لواء، ومنها تمت ترقيته ليشغل مهمة مدير إدارة تدريب في منطقة عسكرية.
وبعد فترة وجيزة جرى تعيينه في منصب نائب القائد العام للوحدات العسكرية في مدينة بريشتينا في إقليم كوسوفو، إضافة إلى تعيينه بعد ذلك قائداً لفرق عسكرية ومن ثم تعيينه برتبة لواء.
شارك ميلاديتش في عدة معارك وحروب ارتكب فيها فظائع إنسانية كبيرة، منها الحرب الأهلية في يوغوسلافيا والحرب ضد الكروات، فذاع صيته على إثرها. ولعل أبشع هذه المجازر التي تورط في ارتكابها هي التي حدثت خلال حرب البوسنة بين سنتي 1992 و1995، إلى جانب الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كارادجيتش والذي جرى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة سنة 2019 والرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي توفي في زنزانته في مدينة لاهاي بنوبة قلبية عام 2006 وذلك قبل انتهاء محاكمته.
وُجهت لميلاديتش من طرف محكمة الجنايات الدولية سنة 1995، تهمة ارتكاب إبادة عرقية وجرائم حرب ضد الإنسانية وحمل المسؤولية في حصار سربرنيتسا، المدينة التي عُرفت بأكبر مجزرة في التاريخ.
فتوارى إثر هذا القرار مجرم البلقان عن الأنظار فترة طويلة، وظل مطارداً حتى تاريخ 26 مايو/أيار 2011، حيث اعتقلته وكالة المعلومات الأمنية الصربية (جهاز المخابرات) في مداهمة روتينية في قرية لازاريفو الصربية الصغيرة شمال البلاد، بعد محاولات عديدة طيلة سنوات وتكاثف الجهود الدولية لرصده واعتقاله.
لاقى خبر اعتقال ميلاديتش ترحيباً دولياً كبيراً، حيث اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون "اعتقال راتكو ميلاديتش تطوراً ايجابياً للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولصربيا ولكن الأهم بالنسبة لحكم القانون في صربيا نفسها".
محاكمة ميلاديتش
بعد مرور أسبوع من اعتقاله، مثل للمرة الأولى ميلاديتش أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وإثر إدانته بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وضد الإنسانية، حكمة المحكمة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2017 بالسجن المؤبد على القائد العسكري الصربي وصرح حينها القاضي ألفونس أوريه أن "الجرائم التي ارتكبت تصنف بين الأسوأ في البشرية"، ومعتبراً أن الظروف المخففة التي أشار اإليها الدفاع حينها و من بينها تراجع القدرة العقلية للمتهم "لا وزن لها" في الحكم.
تقدم ميلاديتش بطلب استئناف الحكم، إلا أن الجلسات التي كانت مقررة في مارس/آذار 2020 أُجلت عدة مرات بسبب مشاكل صحية يعاني منها المتهم، وبسبب انتشار جائحة كورونا في الآونة الأخيرة.
حسب محاميه، زعم ميلاديتش، أنه انجر إلى النزاع رغماً عنه منذ بداية حرب البوسنة (1992-1995).وخلال إحدى الجلسات اعتبر القائد العسكري أن المحكمة كانت "فرعاً للقوى الغربية" وأكد أنه لا يزال "هدفاً لحلف شمال الأطلسي" متهماً المدعين بوصفه بعبارات "شيطانية"