يرجح عدد من المراقبين فوز رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وحزبه "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي، بولاية ثالثة في رئاسة حكومة الهند، التي تشهد انتخاباتها التشريعية في هذه الأثناء، بمشاركة نحو مليار ناخب، وتمر عبر سبع مراحل لاقتراع الحكومة المستقبلية للبلاد.
وانطلقت الانتخابات في الهند يوم الجمعة 19 أبريل/نيسان، وستستمر على مدى 44 يوماً. ويهدد استمرار حكم مودي بتصاعد الخطاب المعادي للمسلمين، واضطهاد هذه الطائفة التي تشكل أقلية في البلد الذي يؤوي 17% من سكان العالم.
حظوظ مودي الوافرة
تعد انتخابات الهند الأكبر في العالم من ناحية عدد المشاركين فيها، إذ يصل تعداد الهنود البالغين السنّ القانونية للمشاركة في الاقتراع، نحو مليار نسمة. وفي كل موعد انتخابي، تكسر الهند رقمها السابق في عدد الناخبين، إذ سُجّل 900 مليون ناخب على القوائم الانتخابية خلال الانتخابات الماضية، شارك 615 مليوناً منهم فعلياً في الاقتراع.
وسيُجرى الاقتراع في جميع أنحاء البلاد على سبع مراحل على مدى ستة أسابيع، وتنتهي في 1 يونيو/حزيران وتظهر النتائج في 4 يونيو/حزيران.
ويعتبر مراقبون رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، وحزبه "باهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الأوفر حظاً في الفوز بهذه الانتخابات. ويتوقع مودي تعزيز أغلبيته البرلمانية بشكل أكبر من تلك التي تحصل عليها في انتخابات 2019، واضعاً نصب عينيه هدف الحصول على 400 مقعد من أصل 514 التي يضمّها البرلمان الهندي.
بحسب استطلاعات رأي أجريت بداية أبريل/نيسان، فإن حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه يحظون بالشعبية الأكبر، محققين نسبة 46% من نيات التصويت، مقارنة بأحزاب المعارضة التي تقف نسبتها عند 34%.
وخلال السنوات الأخيرة، انتقل حزب "بهاراتيا جاناتا" من كونه حزب الملاك والطبقات العليا، إلى الانتشار في الطبقات الشعبية المتوسطة والفقيرة في المجتمع الهندي، وترسيخ وجوده فيها. كما لا يزال زعيمه ناريندرا مودي يحظى بشعبية واسعة بين عموم الأغلبية الهندوسية في البلاد.
بالمقابل، تعاني المعارضة الهندية تفككاً كبيراً، على الرغم من تكتلها في تحالف واسع باسم "التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل"، الذي يضم 28 حزباً سياسياً في الهند بقيادة المؤتمر الوطني الهندي، وهدفه الأساسي إسقاط حكومة مودي.
وحتى قبل الانتخابات، شهد تحالف المعارضة انقسامات كبيرة، حول تقديم المرشحين وتقاسم دوائر التصويت، وهو ما يضعف فرصهم في النجاح في خططهم. ويقول إندراجيت روي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة يورك: "هناك افتقار تام للرؤية وعدم القدرة على العمل معاً".
انتخابات بطعمٍ معادٍ للمسلمين
ومنذ وصوله للحكم عام 2014، بنى حزب "باهاراتيا جاناتا" شعبيته على اضطهاد المسلمين والتحريض ضدهم، في تصورهم العنصري لدولة هندوسية قومية، أو ما يسمى "هيندوتفا".
وتعدُّ الـ"هيندوتفا" معتقداً هندوسياً متطرفاً، نشأ في فترة الاحتلال البريطاني، يعتمد في تطبيقه على مليشيات مسلحة عنيفة تدعى "RSS"، وهي التي تقوم بحملات اضطهاد واسعة للمسلمين بالبلاد، والاعتداء على مقدساتهم. ويعد "باهاراتيا جاناتا"، منذ تأسيسه عام 1980، الواجهة السياسية لهذه الجماعات العنصرية.
وخلال هذه الانتخابات، يقود مودي دعايته على أساس الخطاب المعادي للمسلمين. وفي خطابه أمام تجمّع حاشد في ولاية راجاستان، نهاية الأسبوع الماضي، كرّر مودي خطابه العنصري ضد المسلمين، معتبراً إياهم "متسللين" و"دخلاء" على البلاد.
وقال مودي محرضاً: إن حزب المعارضة يسعى "لمنح المسلمين الأحقية في ثروات الأمة"، فإذا فازت بالانتخابات فإن الثروات "ستُوزع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد. ستُوزع على المتسللين"، فـ"هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشق الأنفس يجب أن تُعطى لمتسللين؟ هل تقبلون بذلك؟".
وقبل هذا، في يناير/كانون الثاني الماضي، دشن مودي حملته الانتخابية بتدشين معبد "راما" الذي بني على أنقاض مسجد "بابري" التاريخي، في أكثر خطوة استفزازاً لمشاعر الأقلية المسلمة بالبلاد.
وفي حديث سابق لـTRT عربي، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي الباكستاني حذيفة فريد، أن تدشين معبد "راما" يرتبط بشكل وثيق بالانتخابات العامة، التي تُعتبر انتخابات حاسمة في التاريخ الهندي. وقال فريد: "إنها رسالة للناخب الهندوسي ومحاولة لاستمالته عبر إراقة دماء المسلمين والتعدي على مساجدهم ومقدساتهم".
استمرار دعم الهند للاحتلال الإسرائيلي
وأسس وصول مودي للحكم لحقبة جديدة في العلاقات الهندية مع الاحتلال الإسرائيلي، تدعم فيها نيوديلهي سياسات تل آبيب الإجرامية في حق الفلسطينيين، وأقام البلدان شركات اقتصادية وعسكرية واسعة.
وعقب هجوم "طوفان الأقصى" المباغت، كان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أول المعلنين عن دعمه لإسرائيل من بين زعماء العالم. وقال مودي في بيان له: "أفكارنا وصلواتنا مع الضحايا وعائلاتهم، نحن نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة".
ولم يقتصر دعم الهند لإسرائيل على حديث رئيس الوزراء ذي التوجهات اليمينية، بل تعدّاه إلى طلب حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، حظر كل أشكال التضامن مع غزة وملاحقة المتضامنين قضائياً بتهم "الإضرار بالوطن". وبالتوازي مع ذلك، شنّت اللجان الإلكترونية الهندية هجمات تضليلية، من أجل تزييف ما يجري في فلسطين، وغسل صورة العدوان الإسرائيلي، وفق مراقبين.
ومن الناحية الاقتصادية، تشهد الشراكات الاقتصادية بين الهند وإسرائيل، قفزة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وعرف حجم معاملاتها، في ما بين 2022 و2023، انتقالاً من 1.6 مليار دولار، حجم معاملات، إلى 5.5 مليار دولار، وارتفعت الصادرات الهندية نحو تل أبيب بنسبة 77%.
وفي العام نفسه، صدّرت الهند نحو إسرائيل ما يعادل 7.89 مليار دولار من المنتجات. فيما صدّرت إسرائيل نحو الهند ما يقدر بـ2.13 مليار دولار. وفي عام 2021، زادت صادرات إسرائيل إلى الهند بمعدل سنوي مقداره 9.12%، من 292 مليون دولار في عام 1995 إلى 2.82 مليار دولار.
وفي خضمّ هذا النمو الاطرادي للعلاقات الاقتصادية الهندية-الإسرائيلية، يأتي مشروع الممر التجاري البري، من الهند نحو أوروبا، مروراً بإسرائيل.
وأُعلن عن هذا الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، خلال قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في الهند، سبتمبر/أيلول الماضي، ويُنظر إليه على أنه طريق التوابل الحديث، وبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ويحظى بدعم دول أخرى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحسب محللين، فإن العنصرية وكراهية الإسلام لطالما لعبت دور الرابط بين الهند وإسرائيل. وحسب مقال لـ"ميدل إيست آي"، ففي عهد مودي اكتمل تحول الهند من صديق متردد لإسرائيل إلى حليف وثيق، وذلك أنه عندما حوّل الهند إلى دولة قومية هندوسية، نظر إلى نتنياهو على أنه زعيم تجب محاكاته، رئيس لا يخجل من بناء دولة عسكرية وقومية عرقية.
وهو ما يؤكده كتاب الصحفي الهندي آزاد عيسى "أوطان معادية"، حين يوضح أن قصة الهند وإسرائيل هي "رابطة مقدسة وعنيفة"، لأن الهند أصبحت معادية لأقلياتها المسلمة في ظل الحكومة الحالية، وخصوصاً شعب كشمير، وهو ما فعلته إسرائيل منذ البداية مع الفلسطينيين.
ومن هذا المنطلق، يرى عيسى أن أيديولوجيا الهندوتفا والصهيونية، كقوميتين دينيتين، لها جاذبية متبادَلة اليوم ومتوازية، إذ ينتهي هذا التقارب إلى علاقات وطيدة بين الهند وإسرائيل.