على الرغم من تفشي وباء كورونا الذي أخلّ بموازين الاقتصاد العالمية فإن الاقتصاد التركي على عكس كبرى الاقتصادات العالمية حافظ على نموه، وذلك بفضل الإجراءات التي اتبعتها الحكومة التركية طوال فترة الجائحة وما قبلها من أجل النهوض بمفاصل الاقتصاد الحيوية في البلاد، التي يأتي على رأسها قطاع التصدير، أحد أبرز الركائز التي تعتمد عليها أنقرة لتخفيض عجز الميزان التجاري، فضلاً عن كونه رافداً أساسياً للعملات الأجنبية إلى خزينة الدولة.
ونتاجاً للجهود الحكومية المبذولة في هذا الصدد سجلت الصادرات التركية رقما قياسياً جديداً في النصف الأول من العام الجاري بعد وصولها إلى نحو 105 مليارات دولار أمريكي، وأعلن وزير التجارة التركي محمد موش أن أرقام الصادرات سواء على أساس شهري وربعي ونصفي تعد الأعلى بتاريخ الجمهورية التركية. وأضاف: "مع خطوات عودة الحياة إلى طبيعتها نعتقد أننا سنتجاوز هدف عام 2022 البالغ 198 مليار دولار، وننقل صادراتنا إلى ما يتجاوز 200 مليار دولار أمريكي".
وخلال العقدين الماضيين أولت حكومات العدالة والتنمية المتتابعة أهمية بالغة للشركات العاملة بقطاع التصدير، ولم تكتفِ بتقديم العديد من حزم الدعم المالية والتقنية وحسب، بل حفزتهم وساعدتهم للمشاركة في كبرى المعارض التجارية الإقليمية والدولية لزيادة حصص منتجاتهم بالسوق الدولي والصعود بتركيا إلى الدول العشر الأولى اقتصادياً.
أبرز الصادرات التركية
يتربع قطاع المركبات الذي يشمل سيارات الركاب والمركبات التجارية والحافلات فضلاً عن الجرارات الزراعية والدرجات النارية، على قائمة المنتجات الأكثر تصديراً في الأشهر الـ5 الأولى للعام الجاري، حسب وزارة التجارة التركية، إذ بلغت القيمة الإجمالية للصادرات أكثر من 10.2 مليار دولار أمريكي، مقابل 7.57 مليار لنفس الفترة من العام السابق، محققاً بذلك نمواً بنسبة 34.8%. فيما حققت صادرات قطاع صناعة السيارات في تركيا أرقاماً قياسية جديدة تجاوزت 25 مليار دولار أمريكي إلى 118 بلداً خلال عام 2020.
وإلى جانب قطاع المركبات فإن قطاع الآلات وقطع الغيار والاجهزة وقطاع الصلب قد حققا أرقاماً قياسية جديدة مقارنة بالفترات السابقة، ففي الفترة بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار العام الجاري بلغت صادرات قطاع الآلات والمعدات والأجهزة قرابة 8.5 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت صادرات قطاع الصلب نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، بنسب زيادة بلغت 40% و60.1% على التوالي لنفس الفترة من العام الماضي.
وتعد تركيا من أبرز مُصدِّري المنتجات الزراعية بكل أشكالها وأنواعها الطازجة والمصنعة، إذ تمكنت الشركات التركية من تصدير ألف و982 من منتجاتها إلى 205 دول حول العالم عام 2020 بقيمة إجمالية بلغت نحو 20.7 مليار دولار أمريكي. وتحتل تركيا المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج بعض المنتجات الزراعية مثل البندق والكرز والتين والمشمش والسفرجل، والمرتبة الأولى عالمياً في تصدير دقيق القمح والثانية في تصدير المعكرونة، كما تحتل المرتبة الخامسة في إنتاج الفاكهة والرابعة في إنتاج الخضار.
ومن أبرز السلع التي تصدرها تركيا أيضاً المنسوجات والملابس والمواد الخام والمعادن مثل النحاس والحديد والزئبق والمنجنيز، بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية والمجوهرات والمنتجات البلاستيكية والألمنيوم ومواد البناء والأثاث. وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاع صادرات تركيا من منتجات الصناعات الدفاعية فبلغت نحو 3 مليارات دولار أمريكي نهاية عام 2019، ويتوقع أن ترتفع لتصل إلى نحو 25 مليار دولار أمريكي ضمن رؤية 2023.
الاتحاد الأوروبي
استمرت العلاقات التجارية في الازدياد بشكل ملحوظ بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي على الرغم من تراجع العلاقات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة بسبب الاختلاف في وجهات النظر في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، فبلغت حصة دول الاتحاد الأوروبي من الصادرات التركية نحو 41.3% العام الماضي، فيما وصلت إلى نحو 44 مليار دولار أمريكي في النصف الأولى من العام الجاري.
ويستمر الاتحاد الأوروبي في كونه الشريك التجاري الأهم لتركيا فتحتل تركيا المرتبة السادسة في ترتيب الدول المصدِّرة للاتحاد الأوروبي بحصة بلغت 3.7% من إجمالي واردات دول الاتحاد الأوروبي، وفيما بلغ حجم التبادل الاقتصادي بين الطرفين 143 مليار دولار أمريكي نهاية العام الماضي بلغت الصادرات التركية إلى دول الاتحاد قرابة 69 مليار دولار أمريكي، وتتصدر ألمانيا قائمة الدول الأكثر استيراداً للمنتجات والسلع التركية.
وفي السياق ذاته تكتسب المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا زخماً كبيراً مؤخراً من أجل تحديث شروط اتفاقية الاتحاد الجمركي التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الأول 1996، التي من شأنها أن ترفع حجم التجارة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ، خصوصاً بعد دخول المنتجات الزراعية وقطاع الخدمات والتجارة الإلكترونية ضمن قائمة المنتجات التي تشملها الاتفاقية، إذ أشار وزير التجارة التركي محمد موش إلى وجود جو إيجابي ورغبة كبيرة في تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وإذا أخذنا قطاع السيارات مثالاً فقد بلغت حصة السوق الأوروبي 75.4% من إجمالي صادرات السيارات التركية العام الماضي، وحافظت دول أوروبية على صدارة قوائم البلاد الأكثر استيراداً لسيارات الركاب المُصنَّعة في تركيا، فحلت فرنسا بالمرتبة الأولى بقيمة تجاوزت ملياراً و641 مليون دولار، وإيطاليا في المرتبة الثانية بقيمة 877 مليوناً و798 ألف دولار أمريكي.
دول الجوار
زادت صادرات تركيا إلى جيرانها في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران من العام الجاري بنسبة 36.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وبلغت نحو 9.1 مليار دولار أمريكي. صدرت الشركات التركية منتجات بقيمة 9 مليارات و140 مليوناً و56 ألف دولار أمريكي إلى العراق وإيران واليونان وجورجيا وسوريا وبلغاريا في الأشهر الـ6 الأولى من هذا العام، فيما بلغت الصادرات إلى البلدان المذكورة 6 مليارات و695 مليوناً و978 دولاراً أمريكياً في نفس الفترة من العام السابق.
وحلت العراق في المرتبة الأولى بقائمة دول الجوار الأكثر استيراداً للمنتجات التركية في الأشهر الـ6 الأولى من العام الجاري بمبلغ إجمالي وصل إلى 3 مليارات و904 ملايين و997 ألف دولار أمريكي، تبعتها بلغاريا بالمرتبة الثانية بمبلغ مليار 629 مليوناً و416 ألف دولار أمريكي، ثم اليونان بمليار و265 مليوناً و673 ألف دولار أمريكي، وإيران بـ997 مليوناً و238 ألف دولار أمريكي، وسوريا بـ689 مليوناً و926 ألف دولار أمريكي، وفي المرتبة الأخيرة حلت جورجيا بـ652 مليوناً و802 ألف دولار أمريكي.
وفي الفترة المذكورة زادت الصادرات إلى جميع البلدان على أساس سنوي وسجلت أعلى زيادة في الصادرات إلى سوريا بنسبة 67% واليونان بنسبة 60.6% وإيران بنسبة 51.7%. وجاء قطاع "المواد والمنتجات الكيماوية" على قائمة المنتجات الأكثر تصديراً إلى دول الجوار، فصُدِّرت منتجات بقيمة مليار و546 مليوناً و340 ألف دولار أمريكي، تلاه قطاع "الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومنتجاتها" بقيمة مليار و101 مليون و876 ألف دولار أمريكي، ثم "الصلب" بـ760 مليوناً و921 ألف دولار أمريكي.