هذه العودة التي أكدتها عدة وكالات أنباء خلال يونيو/حزيران 2022 من بينها رويترز والفرنسية والأناضول، تأتي بعد عشر سنوات من مغادرة الحركة للعاصمة السورية دمشق، على خلفية قمع رئيس النظام بشار الأسد للثورة في البلاد.
وقال مسؤولان بالحركة لم يُكشف عن هويتهما لوكالة رويترز، إن "الطرفين عقدا لقاءات على مستويات قيادية عُليا لتحقيق ذلك، وإن قراراً بالإجماع اتُّخذ لإعادة العلاقة مع سوريا".
كما قال مسؤول رفيع المستوى في الحركة فضّل عدم الكشف عن هُويته، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "الاتصالات مع سوريا في تحسُّن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه". وأشار المسؤول إلى "زيارات عديدة أجراها قادة حماس لسوريا".
وكشف مصدر فلسطيني أيضاً لوكالة الأناضول التركية أن حركة حماس، والنظام السوري، بدآ مرحلة جديدة من العلاقة "ستُكتب فصولها في المرحلة القادمة".
وأضاف المصدر أن تطوُّراً جوهرياً طرأ مؤخراً على صعيد جهود استعادة العلاقة، تَمثَّل بموافقة الطرفين على إعادة فتح قنوات اتصال مباشر، وإجراء حوارات جدية وبنّاءة، تمهيداً لاستعادة العلاقات تدريجياً.
ولفت إلى "جهود مضنية" بذلتها قيادة حزب الله اللبنانية خلال الشهور الماضية، للوساطة بين الطرفين، أفضت إلى "منحها الضوء الأخضر لاتخاذ خطوات عملية، من أجل تقريب وجهات النظر".
ما الأسباب؟
المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب يرى أن "قصة عودة العلاقات بين حماس وسوريا ليست جديدة، وأنه بجهود سابقة من إيران وحزب الله، عقدت لقاءات أكثر من مرة لكنها كانت تصطدم بعدم نضوج الرؤية النهائية للعودة إلى دمشق".
وفي حديثه مع TRT عربي، يعتقد أن الخبر الذي سُرّب على وكالات الأنباء "جاء بعد قراءة متأنية للمشهد وحالة الاصطفافات الجديدة التي تتشكّل".
وفي 3 مارس/آذار 2020، كشف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أن الأمين العامّ لحزب الله اللبناني حسن نصر الله لا يمانع، وجاهز لو طُلب منه أن يؤدّي دوراً يتعلق بالعلاقة مع دمشق.
وأعرب هنية وقتها عن أمانيه الدائمة لسوريا بالاستقرار والأمن ووحدة أراضيها، وهو ما اعتبره البعض عرضاً لإذابة الجليد بين الطرفين.
ورجع الغريب تلك الخطوة إلى أن "استراتيجية حماس تتمثّل في استثمار أي علاقة لخدمة القضية الفلسطينية، وهذا القرار ربما يأتي ترجمة لرغبتها المتكررة في طيّ صفحة الخلاف عبر إرسال رسائل إيجابية في إدانة ضمّ الجولان والقصف الصاروخي الإسرائيلي على سوريا".
سيناريو آخر هو أن حماس قرأت المشهد من جهة أخرى في ظل التحول التدريجي لإقامة عدد من دول المنطقة علاقات مع إسرائيل.
ويعتقد أن "حماس ليست في بحبوحة (أي لا خيارات كثيرة لديها) من علاقاتها العربية والإسلامية في ظل تصاعد حالة التطبيع مع إسرائيل، وسوريا في هذا الاعتبار كانت تشكّل لها أرضية مهمَّة للمقاومة".
وتوصلت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إلى اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل عام 2020 عُرفت باسم "اتفاقيات إبراهام"، وتقدّر تقارير عربية وغربية وعبرية قرب اتخاذ السعودية خطوة مماثلة.
وبيّن الغريب أن "البيئة اليوم قد تكون مختلفة، لكن بهذا القرار حسمت حماس أمرها في العودة إلى محور المقاومة الذي ترأسه إيران"، حسب تقديره.
أما الصحفي السوري مصعب المجبل فيقول: "سياسيّاً، نظام الأسد لن يستفيد من استئناف علاقاته مع حماس التي هجرت سوريا حينما اتخذ النظام قراراً بقتل السوريين لوأد الثورة".
لكن ما جرى هو إيعاز إيراني مباشر إلى الطرفين فرضته ضرورة المرحلة وسط محاولات لتحجيم طهران بالمنطقة العربية حصراً، وفق ما يقول المجبل لـTRT عربي.
وتحدثت تقارير عديدة سابقة عن أن النظام السوري أبقى أبوابه مغلقة بوجه الحركة الإسلامية بسبب موقفها من الأزمة السورية بعد أن استضافها لديه منذ عام 2000 وقدّم لها التسهيلات التي طلبتها، وهو ما لا تنكره حماس.
بل إن النظام السوري تَجنَّب إدانة اتفاقات التطبيع العربية الأخيرة مع إسرائيل التي وصفتها حماس بـ"الخيانة للقضية الفلسطينية".
لكن في سوريا ما بعد الثورة، يأخذ الأسد بعين الاعتبار آراء ومواقف داعميه الأساسيين، إيران وحزب الله. لذلك يعتقد المجبل أن الخطوة كانت إيرانية بالأساس، وأن طهران استبقت التحالف الإسرائيلي-العربي الجديد ضدّها، برمي ورقة استئناف حماس علاقاتها مع الأسد في هذا التوقيت الحساس.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 20 يونيو 2022 إن إسرائيل تبني "تحالفاً للدفاع الجوي في الشرق الأوسط" بقيادة الولايات المتحدة، مضيفاً أن التحالف أحبط بالفعل محاولات لشنّ هجمات إيرانية، وقد يستمدّ مزيداً من القوة من زيارة الرئيس جو بايدن الشهر المقبل.
ومع اقترابها في السنوات الأخيرة من الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة التي تشاركها مخاوفها بشأن إيران، عرضت إسرائيل عليها التعاون في مجال الدفاع. وفي العلن أبدت الدول العربية تردُّداً إزاء هذه الفكرة.
ولم تذكر التصريحات أسماء أي شركاء آخرين في التحالف، ولم تذكر تفاصيل أخرى عن الهجمات التي أُحبِطَت.
ومع تصاعد التوتر بشأن برنامج طهران النووي في السنوات الأخيرة تعرضت السعودية والإمارات وأجزاء من العراق لضربات جوية بطائرات مُسيَّرة أو ضربات صاروخية أعلنت فصائل مدعومة من إيران مسؤوليتها عنها أو اتُّهمت بتنفيذها.
وتقول إيران، العدو اللدود لإسرائيل والمنافسة الإقليمية لقوى عربية، إن أي إجراءات عسكرية تتخذها هي إجراءات دفاعية.
وأضاف غانتس: "آمل أن نتخذ خطوة أخرى إلى الأمام في هذا الجانب (من التعاون الإقليمي) خلال زيارة الرئيس بايدن المهمة". وخلال زيارته في الفترة من 13 إلى 16 يوليو/تموز، سيتوقف بايدن في إسرائيل ويتجه بعد ذلك إلى السعودية حيث يلتقي زعماء عرباً.
وترى طهران أنها "أصبحت لقمة سائغة لقلع نفوذها بالمنطقة العربية، لذلك أرادت إرسال رسالة مباشرة إلى تل أبيب حول ربط وكلائها في المنطقة من جديد"، وفق تقدير المجبل.
وأوضح أن ذلك قد يصل إلى فتح غرفة عمليات عسكرية لما يسمى محور المقاومة بإشراف الحرس الثوري الإيراني، "ولا أستبعد أن تكون سوريا مركزه"، وتابع: "كما أن طهران تدرك أن الدول العربية بصدد إنشاء ناتو عربي سيكون على رأس أولوياته مجابهة إيران وتقليم أظافرها بالمنطقة".
وفي 24 يونيو قال ملك الأردن عبد الله الثاني إنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وأردف في مقابلة أجرتها معه قناة "سي إن بي سي": "تعمل المملكة بنشاط مع الناتو وتعتبر نفسها شريكاً في الحلف، بعد أن قاتلت جنباً إلى جنب مع قوات الناتو لعقود".
وعبّر عن رغبته في رؤية "مزيد من بلدان المنطقة تدخل هذا المزيج". وقال إن الرؤية وبيان مهمة مثل هذا التحالف العسكري يجب أن "تكون واضحة جدّاً، وأن يكون دوره محدَّداً جيداً، وإلا فإنه يربك الجميع".
وبيّن المجبل أن تلك الخطوة دفعت طهران إلى استدعاء رئيس النظام السوري بشار الأسد إليها في 8 مايو/أيار 2022، لإطلاعه على استراتيجيتها الجديدة في مراكز قوتها بأربع دول عربية (العراق واليمن وسوريا ولبنان).
وأردف: "من هنا فإن حماس الداخل حصراً المقربة من طهران، ستكسب دعماً لوجستياً وسياسياً لاحقاً عبر النظام السوري نتيجة العلاقة المتجذرة منذ عام 1999 بينهما برغبة إيرانية مطلقة".
بذلك تكون إيران أعادت لُحمة حلفائها إلى سابق عهدها، لكونها الورقة الأكثر تأثيراً في المعادلة الجديدة التي تُرسم للمنطقة.
وأخيراً أكد المجبل أن "اقتراب حماس مع النظام السوري يُعَدّ ضربة لمشروع تطبيع الدول العربية مع الأسد"، بخاصة في خضمّ تحالفها مع أمريكا وإسرائيل ضد المحور الإيراني، وهذا ما يؤكد أن "هوى هذا النظام إيراني لا عربي"، حسب تقدير المجبل.