تصاعدت المخاوف من أن العدوان الإسرائيلي والحرب على غزة قد تمتد إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط يوم الأربعاء بعد أن وقع انفجاران في حشد إيراني أودى بحياة ما لا يقل عن 103 أشخاص، في أعقاب غارة في لبنان أسفرت عن اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري.
وعلى الرغم من توجيه الولايات المتحدة أصابع الاتهام نحو تنظيم داعش الإرهابي الذي تبنى التفجيرات في وقت لاحق الخميس، فإن إيران اتهمت إسرائيل بالوقوف وراء هذا الهجوم المروّع الذي ضرب حشداً من الناس في مدينة كرمان جنوبي شرق إيران، بينما حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إسرائيل بأنها ستدفع ثمن جريمة كرمان غالياً.
وبينما تسود ردود الفعل الدولية تخوفات من اتساع رقعة الحرب بعد توعد إيران بالرد وما سبقه من تهديد زعيم حزب الله حسن نصر الله بالرد "بلا سقوف وقواعد" رداً على اغتيال العاروري، فإن الهجمات المتصاعدة على القوات الأمريكية في العراق وهجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر تزيد من تراكم غيوم الحرب فوق الشرق الأوسط الذي قد يدخل بأي لحظة نزاعاً إقليمياً واسعاً.
موجة تصعيد خطير
القلق الأولي من إمكانية اندلاع حرب إقليمية بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها من عدوان إسرائيلي غاشم على غزة أسفر عن مقتل أكثر من 22 ألف فلسطيني جلهم من النساء والأطفال، لم يتجسد على الفور حتى وسط تبادلات محدودة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان على الجبهة الشمالية لإسرائيل. لكن يبدو أن وتيرة الهجمات والتصعيد في الأيام الأخيرة تكتسب زخماً مميتاً، ما يزيد المخاوف من تصاعد التوترات، بحسب شبكة سي إن إن.
لكن اغتيال أحد كبار قادة حركة حماس في لبنان يوم الثلاثاء، ومقتل العشرات من الأشخاص في انفجارين غامضين في إيران يوم الأربعاء، هدّد بجعل الشرق الأوسط -والولايات المتحدة- أقرب إلى شفا حرب إقليمية. وهو الأمر الذي حاولت إدارة بايدن تجنّبه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التصعيد إلى تورط الرئيس جو بايدن بشكل أعمق في الشرق الأوسط مع اشتداد موسم الحملات الانتخابية لعام 2024 ودفع حملته للتركيز على القضايا المحلية. وقال مسؤولون إن احتمال نشوب صراع أوسع نطاقاً يتزايد في أعقاب سلسلة من المواجهات في العراق ولبنان وإيران خلال الأيام القليلة الماضية. وقد أقنعت هذه الأمور البعض في الإدارة بأن الحرب في غزة قد تصاعدت رسمياً إلى ما هو أبعد من حدود القطاع، وهو السيناريو الذي حاولت الولايات المتحدة تجنّبه لعدة أشهر.
من المستفيد من التصعيد؟
وبينما يصر المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون واللبنانيون، وكذلك الإيرانيون، على أن قلة من الأطراف تريد أن تصبح حرب إسرائيل في غزة صراعاً أوسع نطاقاً يجتاح الشرق الأوسط، إلا أن من يقف وراء التفجيرات الأخيرة في إيران من الواضح أنه على استعداد للمخاطرة بإشعال حرب إقليمية، بحسب ما نقلته الغارديان.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن المقولة التقليدية في واشنطن وتل أبيب كانت هي أن إيران لا تريد الصراع مع إسرائيل وداعميها الغربيين على الأقل ليس الآن، وذلك على الرغم مما قد تسبب "شركاؤها الإقليميون"، حزب الله في لبنان، وقوات الحوثيين في اليمن، في إحداث الألم لإسرائيل تضامناً مع المعاناة في غزة، لكن صواريخ حزب الله عبر الحدود ومضايقات الحوثيين للشحن البحري كانت محسوبة، فقد استهدفت أقل من العتبة المطلوبة لإشعال حرب إقليمية شاملة.
وبالحديث عن إسرائيل، فهي لا تريد التورّط في صراع مباشر مع إيران. وقد خاضت اشتباكات مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، لكنها لم تظهر أي رغبة في محاربة إيران بشكل مباشر.
ووفقاً لتقرير الغارديان، هناك عنصر آخر شديد التقلب في هذه الفوضى القابلة للاشتعال وهي السياسة الإسرائيلية. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يعد الإسرائيليون على الحدود الشمالية مستعدين للتسامح مع حزب الله، لكن الولايات المتحدة تدخلت مرتين في أعقاب الهجوم الذي شنّته حماس في أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، ثم تدخلت مرة أخرى في وقت قريب من عيد الميلاد، لمنع هجوم إسرائيلي وقائي على حزب الله وترسانته التي تقدر بأكثر من 120 ألف صاروخ. ولكن من الواضح أنه عندما يتعلق الأمر بغزة أو لبنان، فإن المخاوف السياسية الداخلية سوف تتفوق على الضغوط الأمريكية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بينما قالت الإيكونوميست إن ضعف نتنياهو ومحاولاته اليائسة للبقاء في منصبه، دفعته لاسترضاء المتطرفين في ائتلافه والناخبين الإسرائيليين، في حين اختبر صبر أمريكا. وهذا من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية في غزة، ويمنع إسرائيل من التعامل مع مخاوفها الأمنية الأوسع في لبنان.
واشنطن تستعد
بحسب بوليتكو، يعكف مسؤولو إدارة بايدن على وضع خطط للولايات المتحدة للرد على ما يشعرون بقلق متزايد من أنه قد يتوسع من حرب في غزة إلى صراع إقليمي أوسع وطويل الأمد. ووصف أربعة مسؤولين مطلعين على الأمر، بما في ذلك مسؤول كبير في الإدارة محادثات داخلية حول السيناريوهات التي يمكن أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وأشار المسؤولون الذين لم يُكشف عن هويتهم، إلى أن الجيش الأمريكي يقوم بصياغة خطط للرد على المسلحين الحوثيين الذين يهاجمون السفن التجارية في البحر الأحمر،
ووفقاً لثلاثة مسؤولين أمريكيين لديهم معرفة مباشرة بالمناقشات، يقوم الجيش الأمريكي بصياغة خطط للرد على المسلحين الحوثيين الذين يهاجمون السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو خيار سبق أن قدمه الجيش. وفي الوقت نفسه، يتوصل مسؤولو المخابرات إلى طرق لتوقع ودرء الهجمات المحتملة على الولايات المتحدة من القوات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، بحسب أحد المسؤولين.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الولايات المتحدة قد حثّت منذ أشهر، خلف الكواليس، طهران على إقناع الحلفاء بتقليص هجماتهم. لكن المسؤولين يقولون إنهم لم يروا أي علامة على أن الجماعات بدأت في تقليل استهدافها، ويشعرون بالقلق من أن العنف سيتصاعد في الأيام المقبلة.