محادثات مكثفة ومستمرة.. تَعرَّف مشروع طريق التنمية التركي-العراقي (Others)
تابعنا

في السنوات الأخيرة، أصبح تطوير مشاريع البنى التحتية محوراً رئيسياً للدول التي تتطلّع إلى تعزيز اقتصاداتها وتحسين اتصالها الإقليمي. ومن بين هذه المشاريع الطموحة، يبرز مشروع طريق التنمية التركي-العراقي باعتباره مسعى هامّاً يهدف إلى ربط آسيا بأوروبا بطريق بري وسكة حديد تمرّ بالأراضي العراقية والتركية.

وعلى هامش المؤتمَر الصحفي المشترك الذي عقده مع نظيره البريطاني في أنقرة الأربعاء، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن "طرق التجارة الجديدة أصبحت مهمة بعد التطورات الجيوسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة، بما في ذلك وباء كورونا، والحرب الروسية-الأوكرانية، والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين أو الغرب والصين".

وأشار فيدان إلى أن بلاده تُجرِي محادثات مكثفة مع العراق والإمارات وقطر بشأن مشروع طريق التنمية الممتدّ من محافظة البصرة في الخليج وصولاً إلى شمال العراق ثم تركيا، الذي من شأنه أن يعزّز النموّ الاقتصادي والاستقرار في المنطقة.

محادثات مكثفة

كشف فيدان عن أن مشروع "طريق التنمية" طُرح خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع القادة المشاركين في قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي 9 و10 سبتمبر/أيلول الجاري، مؤكداً في الوقت ذاته أن "العراق والإمارات وتركيا وقطر تُجري محادثات خاصة مكثفة في هذا الصدد".

وفي لقاء جمع بينهم على هامش قمة العشرين، اتفق الرئيس أردوغان مع نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على استكمال الإجراءات الرسمية النهائية لهذا المشروع خلال الأشهر القليلة القادمة على الأقلّ من ناحية صياغتها على الورق ووضعها موضع التنفيذ. وأوضح فيدان أن تركيا أبلغت الجانب العراقي بهذا اللقاء الأوّلي.

وخلال لقائه مع وزير التجارة التركي عمر بولاط بالعاصمة بغداد نهاية أغسطس/آب الماضي، أشاد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتفاعل تركيا الجاد مع مشروع طريق التنمية. كما أشاد السوداني بالدور البارز للشركات التركية في مشاريع التنمية والبنى التحتية في بلاده، مؤكداً أهمية تبادل الزيارات بين البلدين بما يسهم في تطوير العلاقات بمختلف المجالات.

طريق التنمية

في نهاية مايو/أيار الماضي، أعلن العراق عن مشروع بقيمة 17 مليار دولار لربط ميناء الفاو جنوبي العراق -المقرر أن يكون أكبر ميناء في الشرق الأوسط فور اكتماله في 2025- بالحدود مع تركيا عبر مد شبكة سكك حديدية وطرق بطول 1200 كيلومتر، في خطوة تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز عبور باختصار وقت السفر بين آسيا وأوروبا في محاولة لمنافسة قناة السويس.

هذا الطريق الذي يبدأ من البصرة سيدخل تركيا من نقطة اتصال العراق وتركيا وسوريا بعد أن يمرّ عبر مدن العراق المهمة ويستمر إلى أوروبا من ميناء مرسين. ووفقاً للخطة، يُتوقع أن يُنجَز المشروع على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050.

ويوصف هذا المشروع التنموي الذي شُبّه بـ"طريق الحرير الجديد"، بأنه "أساس الاقتصاد المستدام غير النفطي"، إذ يسمح لتركيا بنقل النفط والغاز الطبيعي من العراق إلى الأسواق العالمية. ويهدف العراق من ذلك إلى اختصار مدة السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا، فضلاً عن رغبته في أن يصبح مركزاً للعبور في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن فكرة المشروع قديمة، إذ تعود إلى اتفاق بين السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1842-1918) والإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (1859-1941)، لإنجاز مشروع خط سكك حديدية "برلين-بغداد-البصرة".

لاعب هامّ

بينما يتراجع دور طريق الحرير الصيني، والممرَّين الشمالي عبر الأراضي الروسية والجنوبي عبر قناة السويس، في نقل البضائع إلى أوروبا، بسبب تزايد حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة أو الحرب الأوكرانية أو بُعد المسافة، تزداد أهمية الممرات التجارية التي تشكّل فيها تركيا حلقة الوصل الرئيسية، بما فيها مشروع طريق التنمية الذي سيربط آسيا بأوروبا عبر العراق وتركيا.

وفي مؤتمر صحفي مشترك عقب لقائه مع السوداني في أنقرة في مارس/آذار الماضي، قال أردوغان إن "طريق التنمية لا يُعتبر مشروعاً استراتيجياً مهمّاً لتركيا والعراق فحسب، بل للمنطقة بأسرها"، موضحاً أن ملايين الأشخاص في مناطق واسعة من أوروبا إلى الخليج سيستفيدون من القيمة المضافة التي ستظهر مع إنشاء هذا الطريق.

وفي حديث للأناضول قال مؤسس منصة دراسات الشرق الأوسط وأوراسيا وآسيا والمحيط الهادئ "ODAP" علي سمين: "مع اندلاع الحرب بأوكرانيا فقدت روسيا مكانتها مورّداً موثوقاً للطاقة"، في حين "تراجع الجهات الفاعلة الأوروبية استراتيجياتها لتأمين احتياجاتها من الطاقة".

وأشار سمين إلى أن المشروع من شأنه أن "يساهم في النمو الاقتصادي لتركيا ويعزز قدرتها التنافسية في قطاع الطاقة"، لافتاً إلى الجدل العالمي الذي اندلع حول سُبل إيصال الغاز الطبيعي المسال القطري إلى أوروبا حينما بدأت الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022.

من جهته قال الخبير في شؤون العراق بمركز دراسات الشرق الأوسط "ORSAM" واثق السعدون: "سيرفع مشروع طريق التنمية البلدين إلى دور ريادي متكامل في التجارة العالمية وخطوط نقل الطاقة". وأضاف للأناضول: "بخطوط نقلها المتطورة، ستكون تركيا بوابة العراق إلى أوروبا، وبالتالي سيشكّل البلدان جسراً بين أوروبا وآسيا".

TRT عربي
الأكثر تداولاً