تابعنا
بعد إنفاق فرنسا ما يقرب من 1.4 مليار يورو لتنظيف نهر السين، وإعلان بلدية باريس أن النهر مؤهل لمسابقات السباحة خلال الأوليمبياد، شهدت المدينة أمطاراً غزيرة في الأسابيع الماضية، رفعت مستوى التلوث في النهر بعد تدفق مياه الصرف الصحي إليه.

وكشفت نتائج اختبارات أُجريَت في منتصف يونيو/حزيران الماضي أن المياه المقرَّر أن يسبح فيها اللاعبون العالميون في 26 يوليو/تموز الحالي، تحتوى على مستويات مرتفعة من بكتيريا الإشريكية القولونية، والمكورات المعوية، تجاوزت الحدود التى تُعتبر آمنة، وفقاً لما نشره موقع وكالة أسوشيتد برس.

وبحسب الرسوم البيانية المنشورة، كان مستوى تركيز البكتيريا أكبر من ألف وحدة، وهو الحد الأدنى الذي يستخدمه اتحاد الترايثلون الدولي واتحادات السباحة في المياه المفتوحة، إذ تجاوزت 5 آلاف وحدة في بعض الأيام، بحسب مجلس البلدية والمحافظة.

وفي تصريح سابق قال محافظ منطقة باريس مارك غيوم، إن "العينات من نهر السين لا توفي بالمعايير التي سنعتمدها هذا الصيف خلال دورة الألعاب الأولمبية المقررة من 26 يوليو/تموز إلى 11 أغسطس/آب المقبلين".

وبسبب تلك المخاوف صرح المنظمون لدورة الألعاب في 5 يوليو/تموز الجاري بأن السباحة في المياه المفتوحة قد تُقام في نهر مارن كخطة بديلة، وقد يؤجّل المسؤولون جزءاً من منافسات السباحة في أسوأ السيناريوهات.

هل يصلح نهر السين للسباحة؟

وبينما سبحت عمدة باريس آن إيدالغو في نهر السين الأسبوع الماضي، في محاولة لإثبات أنه آمن للمسابقات، ارتدت سترة غطت كامل جسدها، ما ينبئ عن قلقها من مياه النهر، وشارك معها في السباحة رئيس اللجنة المنظمة للأوليمبياد توني إستانج، وقبلها بأيام قليلة سبحت وزيرة الرياضة الفرنسية إميلي أوديا كاستيرا في النهر.

في هذا الصدد استطلعت TRT عربي آراء المواطنين الفرنسيين في العاصمة باريس حول المبالغ التي كلّفها تنظيف نهر السين ومدى صلاحية السباحة فيه، إذ يرى معظمهم أن النهر خطر للسباحة وأن الإنفاق عليه لم يكُن بالجدوى المأمولة.

ويعتقد أحد المستطلعين أنه في كل الأحوال من الجید تنظیف نھر السین، لكن "من المؤكد أن تكلفة 1.4 ملیار يورو مرتفعة قياساً إلى النتائج المتوقعة، وحتى بالنظر إلى ما یمكن أن نستفید منه لاحقاً"، مشيراً إلى أنه "لو كان يُنفَّذ دورياً لكان من الممكن أن تتجنب باريس تكاليف ضخمة في وقت الأوليمبياد من أجل تنظيفه".

يرى شابّ آخر أن الأمر قد يكون مجدياً على المدى الطويل، إذ "من الجيد أن الألعاب الأوليمبية ستتيح فرصة تنظيف نھر السين الذي كان متسخاً جداً لفترة طويلة وله سمعة سيئة، ولكن على المدى القصير، بخصوص الألعاب الأوليمبية، لن يكون ذلك ممكناً، بل إن الأمر يبدو مستحيلاً".

وأشار مواطن آخر التقته TRT عربي في باريس، إلى أن الفيديو الذي أظهر عمدة المدينة تسبح، "لا يعدو إلا أن يكون مجرد آلية للتواصل السياسي، بغية إظهار صورة معينة تبدو بعيدة عن الواقع، إذ فعلت ذلك وهي تعرف جيداً أنه غير صالح للسباحة، لقد فعلت ذلك مرة واحدة، لكنني لا أعتقد أنها ستعيد التجربة".

وأكد أحد المواطنين المستطلَعين اعتقاده أن النهر لا يصلح للسباحة قائلاً: "أنا شخصياً ترعرعت في باريس، لكنني لن أسبح أبداً في نهر السين؛ لقد رأينا كيف تخبرنا الوكالات التي تُجرِي الاختبارات بشكل دوري أن النهر غير صالح للسباحة، وفجأة قبل أسبوعین من الأوليمبياد، أصبح صالحاً للسباحة"، مستكملاً: "لذلك، لن أثق أبداً بعمدة باریس آن ھیدالغو، لأنه كان ھناك عدید من فرص الاستثمار التي يجب أن تُصَبّ في أماكن أخرى، بدلاً من تنفيذ استثمارات خاسرة مثل نھر السين".

وترى شابة فرنسية أخرى أنه من الجید أن عمدة باريس استحمت في السین لكي تعطي مثالاً، فقد أوفت بوعدھا في ھذا الصدد، مردفة: "لكن ھذا لیس كل شیء، لأنها لم توفِ بوعدھا بالحصول على خطة بدیلة حال عدم القدرة على السباحة في النھر مع انطلاقة الأوليمبیاد".

"حملة إعلامية"

في السياق نفسه يعتقد مواطن باريسي في مقابلة مع TRT عربي، أن كل هذا "حملة إعلامیة تھدف إلى جذب السیاح إلى القدوم لمشاھدة الألعاب الأوليمبیة وتبریر المبلغ الضخم الذي أُنفقَ على ھذا المشروع، وكان من الممكن استخدامه استخداماً أفضل".

فيما تقول شابة أخرى إن من الجید أن آن ھیدالغو أوفت بوعدھا، "ومن المخیب للآمال بعض الشيء أن رئیسنا إیمانویل ماكرون لم يوفِ بوعده بالسباحة في نھر السین". واستطردت "لكن في سياق آخر، لم تكن فكرة السباحة جيدة بالضرورة، صحیح أن السباحة في نھر السین تحت باریس تبدو جمیلة على الورق، ولكن ألم یكن ذلك أفضل في ظل ظروف أخرى؟".

وتتابع الشابة بأن الأمر مقلق للغایة من الناحية الصحية، وكان من الأسھل فعل ذلك بطریقة أخرى، لافتة إلى أنها تشكّك تماماً في حقیقة أن السباحین والریاضیین سيتنافسون فی نهر السين.

وتعتقد المواطنة الفرنسية من أصول إفريقية أن السین لا یزال غیر صالح للسباحة، ويرى الجميع تلوثه جليّاً، "فھو أخضر للغایة ولا أعرف حتى لماذا ھو ھكذا".

وتتابع: "إننا نتعرض للسرقة من اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبیة بأكملھا على أي حال، أعتقد أنھم لا یریدون أن یخبرونا أنھم أھدروا ملیاراتھم ولم ینجحوا في جعل السین صالحا للسباحة وصحیاً". وتستطرد: "النفقات المخصصة لتنظیف نھر السین كان یمكن أن تُستخدم في شيء آخر، مثل مساعدة المشردین الذین طردتھم الشرطة تعسفیاً من باریس ووضعتھم خارج المدینة".

النهر مغلق للسباحة منذ قرن

ومنذ عام 1923، وُقفت السباحة في نهر السين، بسبب ارتفاع نسب بكتيريا الإشريكية القولونية وأنواع أخرى من البكتيريا المسببة للأمراض المختلفة داخل مياهه، ورغم هذا الإغلاق الطويل أظهرت النتائج التي نشرتها بلدية باريس أن الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران الماضي شهد 4 أيام فقط كانت المياه فيها نظيفة، ما يكفي للسباحة بها وفق المعايير الأوروبية.

وعملت السلطات على تنظيف المياه بهدف خفض التلوث البكتيري بنسبة 75%، ولكن الأمطار الغزيرة الأخيرة رفعت مستويات البكتيريا. ويشكّل تنظيف نهر السين تحدياً كبيراً، إذ تضمّ مدينة باريس نحو 11 مليون نسمة، وتنتشر فيها الصناعات، فضلًا عن أن الأنهار الحضرية ملوثة بشكل شبه حتمي بالنفايات القادمة من المدن المحيطة.

كما تشكّل أنظمة الصرف الصحي المتسربة المتدفقة مصدراً رئيسياً للتلوث في السين، وعلى الرغم من أن تنظيف النهر الذي يمر من العاصمة وعد متكرر من السياسيين الفرنسيين، إذ سبق أن قدّم جاك شيراك، الرئيس الفرنسي الراحل، تعهُّداً مماثلاً عام 1988 عندما كان عمدة باريس، فإن تنظيف النهر الباريسي لم يتحقق قط.

TRT عربي