تحت غطاء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة لما يقرب من شهرين، يستغل المستوطنون الإسرائيليون انشغال العالم بالفظائع القادمة من القطاع، ويقومون باقتحام القرى في الضفة الغربية، ويهددون الفلسطينيين ويدمرون منازلهم وسبل عيشهم بهدف تهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم.
وبحسب الأمم المتحدة فإنه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تضاعفت الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد ظهر مستوطنون مسلحون يرتدون الزي العسكري في القرى الفلسطينية وهددوا بقتل أولئك الذين لا يغادرون، كما يقول السكان ونشطاء السلام الإسرائيليون والأمم المتحدة، وفقاً لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال.
وقد دفعت هذه الحوادث أكثر من 1000 فلسطيني من 15 مجتمعاً على الأقل إلى الفرار من منازلهم في الضفة الغربية، وفقاً لمجموعات إسرائيلية ناشطة مثل "بتسيلم" و"السلام الآن"، اللتين تعارضان الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية، فضلاً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وهذا العدد يزيد على ضعف إجمالي النازحين في الضفة الغربية بين بداية عام 2022 و6 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، وفقاً لبتسيلم.
عنف هدفه التهجير
وفقاً لـ"بتسيلم"، جرى تهجير نحو 963 فلسطينيّاً من 16 تجمعاً في الضفة الغربية نتيجة اعتداءات المستوطنين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بينما سجَّل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أرقاماً أعلى للنازحين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويقول إن ألفاً و149 شخصاً من 15 مجتمعاً رعويّاً قد نزحوا بسبب عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي، حسب ما نقلته تايمز أوف إسرائيل.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن المستوطنين هاجموا الفلسطينيين في الماضي، لكن المستوى الحالي من العنف غير مسبوق من حيث الوتيرة والشدة. وقالت درور سادوت، المتحدثة باسم بتسيلم: "في اللحظة التي بدأت فيها الحرب في غزة، عرف المستوطنون أن لديهم فرصة لأنه لم يكن أحد ينظر إليها".
وقالت الأمم المتحدة إن هجمات المستوطنين تضاعفت تقريباً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى متوسط خمس هجمات يومياً، ما أدى إلى استشهاد ثمانية فلسطينيين. وأضافت أنه بقرابة نصف الهجمات، رافقت القوات الإسرائيلية المستوطنين أو دعمتهم، وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.
شهادات حية
خلال حديثها لـوول ستريت جورنال، روت هناء أبو الكباش البالغة من العمر 43 عاماً ما حدث لها عندما اقتحم مستوطن مسلح منزلها في قرية زنوتا في الضفة الغربية المحتلة، وأخبرها أن عليها الرحيل، وعندما أخبرته أبو الكباش "أن هذا منزلي منذ 21 عاماً وأنني لن أغادره"، أمسكها المستوطن من ياقتها وهزها بعنف، ثم رفع سلاحه وغادر. وبعد أيام، في 28 أكتوبر/تشرين الأول، هجرت هي ونحو 250 آخرين من سكان القرية.
وفي خربة الرديم، وهو مجتمع ريفي صغير جنوب الخليل في الضفة الغربية المحتلة، قال عامر أبو عوض إن مستوطنين يرتدون الزي العسكري قد هاجموه وضربوا والده المسن في 13 أكتوبر/تشرين الأول، فقد هددوه بالسلاح وقالوا إن عليه المغادرة في الصباح، وإلا فسينتهي هو وعائلته. في وقت لاحق، تمكن عامر من الفرار مع عائلته المكونة من خمسة أفراد مع قطيع أغنامه إلى بلدة السموع، تاركاً خلفه منزله وأثاثه وبركس مواشيه وحبوباً للأغنام.
ووفقاً لمقطع فيديو نشرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، جاء مستوطن مسلح إلى قرية التواني في تلال جنوب الخليل بعد أقل من أسبوع من بدء العدوان، واقترب من مجموعة من الفلسطينيين العزل الذين كانوا يسيرون بعد صلاة الجمعة وأطلقوا النار عليهم، مصيباً واحداً منهم في البطن من مسافة قريبة. في سوسيا القريبة، قال القرويون إن المستوطنين هددوا بإطلاق النار على السكان إذا لم يخلوا منازلهم خلال 24 ساعة.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، أضرم المستوطنون النار في عدة منازل في خربة الصفاي، وهي قرية تقع على بعد أقل من ميل شرق طوبا. وقال سكان قرية أم الخير المجاورة إلى الغرب لنشطاء حقوق الإنسان إن مستوطنين مسلحين يرتدون الزي العسكري احتجزوا الناس هناك تحت تهديد السلاح وأجبروهم على إدانة حماس ورفع الأعلام الإسرائيلية في القرية، وإلا فسيتم قتلهم.
سياسة تهجير ممنهجة
منذ أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية في عام 1967، أدى بناء المستوطنات الإسرائيلية -التي تعتبرها معظم الدول غير قانونية- إلى تقويض الجهود الرامية لإنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبينما تتركز المستوطنات الإسرائيلية، التي يسكنها نحو 500 ألف إسرائيلي، في 60% من الضفة الغربية التي تديرها السلطات الإسرائيلية بشكل مباشر وتقول إنها شهدت زيادة كبيرة في أعمال العنف منذ بدء الحرب، إذ كثفت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية رداً على ما تقول إنه زيادة في النشاط المسلح في المنطقة.
وتتكشف هذه الحملة العنيفة بكامل قوتها في المناطق الريفية المحيطة بالخليل في جنوب الضفة الغربية. وفي أماكن متعددة، اضطر الفلسطينيون إلى مغادرة منازلهم تحت وطأة هجمات المستوطنين التي يشنونها ليل نهار. فقد أحرق المستوطنون المنازل، وسرقوا الأغنام، وأغلقوا الطرق، وخربوا الممتلكات وأطلقوا النار على السكان الفلسطينيين وضربوهم وهددوهم وفتشوا أجسادهم.
وحتى مدينة الخليل لم تسلم من هذه الحملة، فقد فرض الجيش الإسرائيلي والمستوطنون إغلاقاً على المنطقة المعروفة باسم H2، بحسب مجلة +972.
وفيما يخص مليشيات المستوطنين والسلطات الإسرائيلية فإن العديد من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية بنيت من دون تصاريح وهي غير قانونية. وقد جرى إنشاء بعضها في مناطق أُعلنت فيما بعد مناطق عسكرية أو مواقع أثرية أو محميات طبيعية وجرى هدمها.
وتقول جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية إن الهدف الأسمى لهذه القوانين هو طرد السكان الفلسطينيين قسراً من أجزاء من الضفة الغربية.