بين حينٍ وآخر تحدث جلبة في منصات التواصل الاجتماعي تتعلق بسياسة الوصول وتعزيز محتوى على حساب محتوى آخر، الأمر الذي يطرح تساؤلات جمّة حول السر وراء عمل هذه المنصات.
تُعتبر الخوارزميات هي المتحكم الأول والأخير في سياسة ظهور المحتوى أو حجبه أو التضييق عليه.
تُعَدّ الخوارزميات العصب الأساسي للثورة التكنولوجية التي نشاهدها الآن عموماً وفي تطبيقات الذكاء الصناعي على وجه الخصوص. وهي عبارة عن مجموعة من التعليمات البرمجية والخطوات المحددة والمتسلسلة التي ينفذها الحاسوب من أجل تحقيق مهمة معينة أو حلّ مشكلة محددة.
وهي أيضاً العصب الأساسي الذي بُنيت عليه منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وهي بمثابة منجم الذهب الذي لا ينضب بالنسبة إلى هذه المنصات لما تدره من أرباح خيالية.
ووفقاً لما ذكرته منصة "فيرفايد ماركت ريسيرش" (Verified Market Research) بلغ حجم التداول في سوق الخوارزميات العالمية نحو 11.7 مليار دولار أمريكي في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى زهاء 26.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028.
في مارس/آذار الفائت أثار قرار اتخذته شركة تويتر، جاء الإعلان عنه على لسان مالك الشركة إيلون ماسك، اهتماماً كبيراً لدى الشركات البرمجية والمهتمين والمستخدمين للتطبيق.
إذ أعلن ماسك أن خوارزميات تويتر ستكون موضوعة في مستودعين على خوادم شركة GitHub "غيت هاب" المملوكة لشركة مايكروسوفت، وستكون متاحة للجميع ضمن ما يُعرف بشبكة "مفتوح المصدر".
قرار ماسك.. خطوة في طريق الشفافية أم إرضاء لغروره؟
بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان من عام 2022، اتخذ ماسك خطوات أفضت بالأخير إلى استحواذه على شركة تويتر، ومنذ اليوم الأول وعد ماسك مستخدمي المنصة بأنه سيجري تغيرات تقود إلى مزيد من الحرية.
في الإعلان الأخير وضع ماسك في مستودع GitHub جميع خوارزميات قسم التوصيات، أي في الخانة المعروفة داخل التطبيق باسم (لك) أو (For You) لمستخدمي النسخة الإنجليزية من التطبيق.
وقالت الشركة في بيان: "هدفنا من هذا الإجراء تحقيق أعلى درجة ممكنة من الشفافية، مع استبعاد أي رمز برمجي من شأنه المساس بسلامة المستخدم وخصوصيته، مع المحافظة على حماية منصتنا من الجهات السيئة، كتلك التي تقوّض جهودنا في مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال والتلاعب بهم".
على صعيد آخر، وحسب صحيفة إندبندنت، فإن فكرة تعديل الخوارزميات وجعلها مفتوحة المصدر جاءت بعد الخيبة التي أصيب بها إيلون ماسك عقب نَيل تغريدة له إعجابات أقلّ بكثير من تغريدة الرئيس بايدن -بنفس الموضوع- رغم أن ماسك لديه أضعاف متابعي الرئيس الأمريكي.
وجاء بالتقرير خلال مباراة في الدوري الأمريكي التي واجه فيها فريق "فيلادلفيا إيغلز" فريق "كانساس سيتي تشيفز"، إذ قام بايدن بتغريد مقطع فيديو للسيدة الأولى (جيل بايدن) وهي تدعم "إيغلز"، فيما أظهر ماسك أيضاً دعمه لنفس الفريق في تغريدة حُذفَت لاحقاً.
تغريدة الرئيس بايدن حصدت نحو 29 مليون تفاعل، فيما حصل منشور ماسك على نحو 9 ملايين فقط، وفقاً لما ذكره موقع "بلاتفورمر".
بعد ذلك توجه ماسك إلى مقر المكتب الرئيسي للشركة في سان فرانسيسكو، وأمر المهندسين بإجراء تغييرات على النظام الأساسي لضمان مشاركة تغريداته بشكل أفضل.
بعد ذلك بيومين أُجريَت تغييرات شاسعة على الخوارزميات ومُنح حساب ماسك استثناءً يتيح لِتغريداته احتمالية الظهور أكثر من غيره بألف ضعف!
ويتماشى ما ذهب إليه التقرير مع الادعاءات الأخيرة من المستخدمين بأن صفحاتهم امتلأت بمشاركات من ماسك.
التعديل على الخوارزميات وتأثيره في المستخدم
جرت تعديلات تويتر الأخيرة فقط على القسم المسمى بِقسم التوصيات، أي خانة "لك"، أمَّا باقي الأقسام فلم يجرِ فيها أي تعديل.
بالعودة إلى موضوع التغييرات، فحسب مدونة الشركة، تتكون خوارزمية التوصيات من ثلاث مراحل رئيسية، في البدء يُجمَع "أفضل التغريدات من مصادر توصية مختلفة"، ثم تُصنَّف تلك التغريدات باستخدام "نموذج التعلم الآلي".
يقوم النموذج بتصفية التغريدات من الأشخاص الذين قمت بحظرهم، أو التغريدات التي رأيتها بالفعل، أو التغريدات ذات المحتوى السيئ، قبل وضعها في جدولك الزمني.
في الخطوة الأولى يتم جلب نحو 1500 تغريدة ووضعها حسب التسلسل الزمني لقسم "لك"، 50% من التغريدات تأتي من الأشخاص الذين تتابعهم (الذين يطلق عليهم "داخل الشبكة")، و50% من التغريدات من "حسابات خارج الشبكة، أي لا تتابعها.
كل هذا يجري من خلال شبكة عصبية قوامها 48 مليون متغير (رمز برمجي) يتم تدريبها باستمرار على تفاعلات التغريدات لتحسين التفاعل الإيجابي (مثل الإعجابات والتغريدات والردود)".
أمّا المستخدم، فقد حلّل مبرمجون عدة السطور البرمجية لِقسم التوصيات في مستودع GitHub وتوصلوا إلى التالي:
الإعجاب بحساب يزيد ظهور المحتوى، إن كل إعجاب يمنح التغريدة تعزيزاً بمقدار 30 نقطة، أما إعادة التغريد فـ20 نقطة، أما الردود فلكل ردّ نقطة واحدة فقط.
التغريدات التي تحوي صوراً ومقاطع فيديو تحصل على تعزيز 20 نقطة إضافية، أما الروابط فتؤذي التغريدات ولا تضمن وصولها إلى عدد كافٍ.
الحساب الموثَّق بالعلامة الزرقاء يعطي أفضلية في الظهور.
يُعَدّ التدقيق الإملائي المزدوج أمراً ضروريّاً للوصول إلى جمهور أوسع على تويتر، بخاصة إذا لم يكُن حساب المستخدم موثقاً.
ومن الأمور التي تؤثّر سلباً فيلى وصول المستخدم إلى عدد كبير من المتابعين، الأشياء التي اعتبرها تويتر سلبية، بما في ذلك الحظر أو الكتم أو الإبلاغ عن إساءة الاستخدام أو البريد العشوائي وإلغاء المتابعين (وإن كان بدرجة أقلّ).
كذلك التغريد بغير اللغة الإنجليزية أضعف انتشاراً من باقي اللغات، اللغات غير المفهومة من النظام تكون شبه مدفونة.
أيضاً التغريدة المسيئة يتم تقليل انتشارها بنسبة 90% (لا تعريف محدداً حول التغريدة المسيئة حتى الآن).
ليس ذلك وحسب، بل خصّص تويتر في مستودع الخوارزميات مكاناً يمكن من خلاله للمستخدمين إرسال اقتراحاتهم حول تطوير قسم التوصيات، وقال ماسك: "تويتر سيحدّث خوارزمية التوصيات الخاصة به بناءً على اقتراحات المستخدمين كل 24-48 ساعة".
تُعتبر الخطوة التي أقدمت عليها تويتر بخصوص تحديث خوارزمياتها وجعلها أكثر شفافية من ذي قبل سابقة في عالم منصات التواصل الاجتماعي. ورغم بعض الشكوك التي صاحبت هذه الخطوة فإنها تفتح المجال لمزيد من الشافية وتحفز المنصات الأخرى للحذو حذوها، خصوصاً إذا أدّت إلى تعزيز ثقة المستخدمين.