تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة حول أحداث 1915 التي وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل عامين بـ"الإبادة" ضد الأرمن، في مخالفة لتقاليد أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة الراسخة في الامتناع عن استخدام المصطلح.
ورغم إجماع الخبراء والمؤرخين في الغرب الغرب على عدم وجود دليل أن العثمانيين كان لديهم خطة أو نية لإبادة الأرمن، فإن البيت الأبيض نشر بياناً على موقعه الإلكتروني وقال بايدن فيه: "كل عام في مثل هذا اليوم (24أبريل/نيسان) نتذكر أرواح كل من ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني، ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى".
الرئيس الأمريكي لا يملك الحق القانوني في الحكم على المسائل التاريخية، وتصريحاته عن "الإبادة" المزعومة للأرمن لا قيمة لها
ويرى خبراء ومؤرخون غربيون ممَّن أجروا أبحاثاً حول مزاعم الأرمن المتعلقة بأحداث عام1915، أن هذه المزاعم تستند إلى إنكار وتشويه للحقائق، ولا تعتمد على أدلة ملموسة.
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عام 1915على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات، لكن بحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح "الإبادة الجماعية" أو "العرقية"، يعني تدميراً كلياً أو جزئياً لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.
وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق "الإبادة الجماعية" على تلك الأحداث بل تصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيداً عن الصراع السياسي وحل القضية بمنظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني التخلي عن النظرة الأحادية إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لكل طرف.
كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول تلك الأحداث في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكاً ومن الأرمن وخبراء دوليين.
مؤرخ روسي: ادعاءات الأرمن تلفيق
قال المؤرخ الروسي أوليغ كوزنيتسوف، إن ادعاءات الأرمن بشأن أحداث 1915 "ليست إلا تلفيقاً"، وإنهم يدركون عدم إمكانية إثبات صحة مصطلح "الإبادة الجماعية" بالوثائق التاريخية والقانونية.
وكوزنيتسوف مؤرخ روسي في رصيده سجل حافل من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، وهو مؤلف كتاب "تاريخ الإرهاب الأرمني الدولي في القرن العشرين".
ولفت المؤرخ إلى أن الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى لجأت إلى اتخاذ تدابير مختلفة لحماية جيوشها، مستشهداً بقيام روسيا القيصرية بنفي الألمان واليهود. وأوضح قائلاً: "كل ذلك جرى من أجل الحيلولة دون الانتقال إلى صفوف العدو وضمان أمن الجيش، فهذا الأمر جزء من السياسة العسكرية"، لافتاً إلى أن العصابات الأرمنية في تلك الفترة كانت تقوم بأنشطة ضد الدولة العثمانية.
وأضاف: "بطبيعة الحال تم نقل الأرمن إلى مناطق بعيدة عن خطوط الحرب، حيث أُرسل الكثير منهم إلى شمال العراق والمنطقة التي تعرف بلبنان اليوم".
ولفت إلى أن العديد من طلاب الدراسات العليا من الأرمن كتبوا أُطروحات في الجامعات الروسية، لكنهم لم يتمكنوا من إثبات وقوع إبادة جماعية.
وأضاف: "الأرمن يدركون عدم إمكانية إثبات صحة هذا المصطلح الدعائي (الإبادة) بواسطة الوثائق التاريخية والقانونية، ولذلك فإن ادعاءات الإبادة الأرمنية المزعومة ليست إلا تلفيقاً".
وذكر كوزنيتسوف أن "الإرهاب إنما هو أيديولوجيا الفكر القومي الأرمني"، وتابع موضحاً: "الإرهاب موجود في صميم دولة أرمينيا، فالأرمن نقلوا الإرهاب إلى سياسة الدولة".
ولفت المؤرخ الروسي إلى أن الحزب الثوري الأرمني (الطاشناق) تأسس في تبليسي (في جورجيا) عام1890، وأردف: "روسيا كانت دائماً تقف وراء الإرهاب الأرمني".
مؤرخ فرنسي: لم تحدث مذابح ممنهجة
أكد المؤرخ الفرنسي ماكسيم غوان أنه لا يمكن تصنيف أحداث عام 1915 على أنها "إبادة جماعية"، وأشار إلى أنه لم تحدث مذابح جماعية ممنهجة ضد الأرمن.
وكشف غوان أن 350 ألف مواطن عثماني من الأرمن تم إعفاؤهم من التهجير، مشيراً إلى كون قرار تهجير الأرمن في الأساس قراراً معقولاً مستنداً إلى أسباب متعلقة بالأمن القومي يدل على أن ما حدث لم يكن إبادة جماعية.
وأوضح "غوان" أن من الدلائل القوية على عدم حدوث إبادة جماعية ممنهجة، وجود أوامر واضحة أصدرتها الحكومة المركزية لحماية المواطنين الأرمن، ومعاقبة المتهمين المتورطين بالأحداث التي وقعت في الفترة من 1915 إلى 1917.
ولفت إلى أنه بدأ أبحاثه حول أحداث 1915 في 2006 -2007 وأنه كتب رسالته للدكتوراة حول الموضوع في الفترة من 2011 إلى 2019.
وبين المؤرخ الفرنسي أنه كتب الرسالة بعد مطالعة وتدقيق آلاف الوثائق والتسجيلات الصوتية، وأنه حول الرسالة إلى كتاب بعنوان "العلاقات بين فرنسا واللجان الثورية الأرمنية في الفترة من 1918 إلى 1923".
ووصف غوان تقرير البرلمان الفرنسي الذي يشرعن المزاعم الأرمنية حول أحداث 1915بأنه "صادم".
مؤرخ أوزبكي: "أحداث 1915 أكبر كذبة"
قال المؤرخ والباحث الأوزبكي شهرت بارلاس، إن مزاعم الأرمن بخصوص أحداث عام 1915، تعتبر "أكبر كذبة" في القرن العشرين.
وأضاف في حديث مع وكالة الأناضول، أنه أجرى بحوثاً ودراسات منذ 29 عاماً، حول أنشطة عصابات "الطاشناق" الأرمنية في مناطق مختلفة من العالم، مثل آسيا الوسطى، والقوفاز والأناضول، وله في هذا الشأن 8 كتب، و 4 أفلام وثائقية، والكثير من المقالات.
وبين أنه أجرى دراسات حول فعاليات عصابات "الطاشناق" الأرمينية حول العالم، في وثائق الأرشيف الخاصة بمكتبات عدد من الدول مثل روسيا، وتركيا، وأذربيجان، وأوزبكستان، وأنه لم يجد في أي منها ما يؤكد صحة الادعاءات الأرمنية.
وأوضح أن كل الوثائق التاريخية التي اطلع عليها تظهر أن الأرمن لم يتعرضوا للقتل بتاريخ 24 أبريل/نيسان عام 1915.
وأردف أن هذا التاريخ يتضمن فقط إصدار أمر بالقبض على عناصر عصابات "الهنتشاق" و"الطاشناق" الأرمنية الإرهابية، المتهمين بالهجوم على الجيش العثماني من الخلف خلال الحرب العالمية الأولى.
جورجيا ورفض الاعتراف بالإبادة
فند رئيس الأكاديمية الجورجية للعلوم السياسية والعلاقات الدولية سيمون كوبادزي، مزاعم الأرمن حول أحداث عام 1915، ممتدحاً قرار بلاده بعدم الاعتراف برواية "الإبادة الجماعية" الكاذبة.
وقال كوبادزي: "لا يمكن اعتبار أحداث عام 1915 التاريخية إبادة جماعية، فادعاءات الأرمن الكاذبة لتغيير الحقائق، بغرض الحصول على اعتراف بأن ما حدث في 1915 كان تطهيراً عرقياً بحقهم، لن تنجح أبداً".
وأردف: "لقد دعت الحكومة التركية مراراً وتكراراً الجالية الأرمنية في كل دول العالم، للتحقيق في أرشيف الدولة العثمانية للوصول إلى الحقائق، بخصوص ما حصل قبل 106أعوام مضت، وسط تجاهل تام من قبلهم".
وأوضح كوبادزي أنه ينبغي النظر إلى أحداث عام 1915 من منظور أوسع يحاكي واقع الحرب، الذي كانت تعيشه الدولة العثمانية آنذاك، مع الحركات الانفصالية الأرمنية. وأشار إلى أن ما حدث عام 1915 كان صراعاً وقع في أثناء الحرب، ولا أحد هنا ينوي ارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الأرمني.
برفيسور أمريكي: الأرمن يتجاهلون مجازرهم
قال البروفيسور الأمريكي، ميشيل غونتر، إن العصابات الأرمنية نفذت قبيل أحداث 1915 حركات تمرد وصلت إلى حد القيام بالمجازر، إلا أن الأرمن يتجاهلون ذكرها لعدم إلحاق الضرر بالصورة التي تدعي براءتهم.
ولفت إلى أن "أحداث 1915 تحمل المآسي لكلا الطرفين التركي والأرمني، لذلك لا يمكن وصفها بالإبادة العرقية للأرمن، حيث قُتل خلال هذه المرحلة الكثير من الأتراك على أيدي العصابات الأرمنية".
وأوضح أن الأرمن استغلوا ضعف الدولة العثمانية نتيجة الحروب التي خاضتها، وبدؤوا بتنفيذ هجمات ضدها منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بنحو 50 عاماً.
وأشار في هذا السياق إلى أن العصابات الأرمنية نفذت محاولة اغتيال ضد السلطان عبد الحميد الثاني، بتاريخ 21 يوليو/تموز 1905، موضحاً أن الكثير من الدول في يومنا تستغل أحداث 1915 كأداة سياسية، مؤكداً أن الجانب التركي دعا في أكثر من مناسبة لإنشاء لجنة تاريخية مشتركة للبحث في أحداث 1915، إلا أن الجانب الأرمني لا يستجيب للدعوة.
وتعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914، فيما عمدت العصابات الأرمينية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلتها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة العثمانية في 24 أبريل/نيسان من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام.
وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في27 مايو/أيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.