يوم الأحد 25 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وسائل إعلام دولية عن وصول المديرة المالية لشركة "هواوي" الصينية منغ وانزهو إلى مطار شنجن، محررة بعد قضائها ثلاث سنوات من الإقامة الجبرية في كندا. ذلك بعد أن عقدت حكومة بلادها مع نظيرتها الكندية صفقة تبادل أسرى، جاءت في إطار تسوية بين واشنطن و"هواوي".
في تقرير جديد لها، تعود صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إلى القضية، لتكشف تفاصيل عملية الاعتقال المتبادل التي جرت بين الصين من جهة والولايات المتحدة وكندا من جهة أخرى، كذلك أطوار عملية التحرير التي جاءت في شكل مبادلة الأسرى المذكورة.
معتقلة مقابل معتقلين
في 2018، وسط الحرب التكنولوجية المحمومة بين الولايات المتحدة وشركة "هواوي"، حول السيطرة على تقنية الجيل الخامس من الإنترنت، قررت مينغ وانزهو، المديرة المالية للشركة الصينية، المرور بمدينة فانكوفر الكندية. وفيما كان من المرتقب أن يقتصر مكوثها هناك لأقل من ساعة، جرى اعتقالها واقتيادها إلى مركز التحقيق.
حسب تقرير "وول ستريت جورنال"، وقت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كانت "هواوي" على وشك إحراز تقدم فيما يخص تطوير معدات الجيل الخامس، وحذر تحليل مسؤولي المخابرات الأمريكية من أن الشركة قد تسيطر على 80٪ من السوق العالمية لتلك المعدات وهو ما خشي أن يمنح الصين أداة مراقبة وإمكانية جمع كل أنواع الأسرار الدفاعية "من مخططات المحطات النووية إلى الخطط العسكرية لحلف شمال الأطلسي".
وتضيف الصحيفة، أنه أثناء اعتقال وانزهو تم الضغط عليها بأسئلة من قبيل "هل باعت هواوي منتجات في إيران من قبل؟"، بينما قام محقق آخر بتفتيش أمتعتها ومصادرة الأجهزة الإلكترونية التي كانت بحوزتها. قبل أن توجه إليها الاتهامات: "لقد ارتكبت عملية احتيال، ونحن نعتقلك، وبعد ذلك ستجري إعادتك إلى الولايات المتحدة". وحينما سألت عن التفاصيل، تعذر المحقق بأنهم هنا "فقط لمساعدة الولايات المتحدة".
وبلغ الخبر أعلى شخصية في هرم السلطة الصينية، الرئيس شي جين بينغ، عند عودته إلى بكين في 6 ديسمبر/كانون الأول، والذي صدم منه واعتبر الاعتقال "عملاً مخادعاً"، حسب ما كشفت مصادر صينية للصحيفة. واستدعي السفير الكندي هناك إلى وزارة الخارجية، حيث أبلغوه بأن "الصين سترد".
وكان رد بكين، بعد يومين من تلك المقابلة، أن اعتقلت بدورها شخصيتين كنديتين، أحدهما رجل الأعمال مايكل سبافور والدبلوماسي مايكل كوفريغ، اللذين وجهت إليهما تهم التخابر وتهديد الأمن القومي للجمهورية الشعبية. وتعرض الرجلان للضغط والترهيب أثناء التحقيق معهما، فيما كان جواب واحد يصد مطالب السفير الكندي بإطلاق سراحهما: "من عقد عقدة، عليه حلها بنفسه".
حل العقدة..
وكلت الحكومة الصينية وشركة "هواوي" أكثر من عشرة محامين لتحرير مينغ وانزهو، لكن ذلك لم يوصلهم إلى الحل المأمول، لأن المدعين الفيدراليين كانوا واثقين في القضية، واشترطوا اعتراف المتهمة بالجريمة كشرط لصفقة تجري قبل دخول المحكمة. بالمقابل، جاهد رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، إلى الطلب من الرئيس الصيني بإطلاق سراح مواطنيه.
وطوال النصف الأول من عام 2019، فشل السيد ترودو في الحصول على مقابلة مع شي جين بينغ، خلالها جرى تجميد العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وكان الرد الصيني على ترودو محبطًا؛ بأنه حسب البروتوكول المعتمد في الصين، حديث رئيس الجمهورية الصينية يجب أن يكون مع رئيس مثله، لا مع رئيس وزراء. بالمقابل شنت الصين حرباً تجارية على كندا، ومنعت الصادرات الكندية نحو أراضيها.
وفي الأخير، نجح ترودو في تبليغ مطالبه إلى بينغ خلال مناسبتين؛ الأولى عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في قمة أوساكا، والثانية جاءت مصادفة إذ وضع تغيب تشيلي عن قمة العشرين المسؤولَين بجانب بعضهما، وانتهز خلالها المسؤول الكندي الفرصة لتمرير مذكرة مطالبة إلى الرئيس الصيني.
وفي هذا السياق، انطلقت لقاءات سرية في بكين وأوتاوا، بين مفاوضين كنديين ونظراء لهم صينيين. كما انطلقت اجتماعات أخرى بقيادة البيت الأبيض، بين الأمريكيين والصينيين، لتخفت بعد حلول جائحة كورونا. وبعد ذلك جرى طرح الصفقة للتفاوض في شكل: سبعة صينيين مقابل سبعة أمريكيين، بالإضافة إلى الكنديين، ما جعلها واحدة من أكبر عمليات تبادل الأسرى منذ الحرب الباردة.
ومع فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات الأمريكية، كانت تلك فرصة لعودة الأمل على الجانبين بالتوصل إلى اتفاق حول مسألة تبادل الأسرى التي شهدت ركوداً وقتها. ومع استمرار الضغط المتبادل، نجح الطرفان في التوصل إلى اتفاق، بموجبه استندت كندا على مادة في قانونها كي ترحل وانزهو إلى الصين، بينما كانت الأخبار تصل من بكين عن توقيع الرئيس مذكرة عفو في حق المعتقلين الكنديين.