وقالت الوكالة، إن مراكز التنبؤات طويلة المدى التابعة لها حول العالم، تتوقع بنسبة 50% حدوث ظروف جوية محايدة أو الانتقال إلى ظاهرة "النينيا" خلال الفترة مابين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2024. وبالتالي، انتهاء تأثير ظاهرة "النينيو" التي دامت منذ عام 2020 وعرفت أقصى تأثيرها في عام 2023.
وفي وقت عانت فيه جميع بقاع العالم، من ظروف طقس متطرفة تسببت فيها هذه الظاهرة المناخية، سواء على شكل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، أو الأعاصير والسيول المميتة، يُطرح سؤال إذا ما كانت ستنتهي هذه الظروف بنهاية "النينيو".
"النينيو" بعده "النينيا"
وتحدث ظاهرة "النينيو" عندما يوجد انخفاض في كمية المياه الباردة التي ترتفع إلى سطح البحر بالقرب من أمريكا الجنوبية. يؤدي ذلك إلى زيادة درجات حرارة سطح البحر عبر المحيط الهادي، وبالتالي إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي فوقه وتشكل ما يعرف بـ"القباب الحرارية".
فيما تنتج ظاهرة القبة الحرارية بسبب ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العليا، وهو ما يؤدي إلى حبس الهواء الساخن المتصاعد من البحار والمحيطات في الطبقات السفلى على شكل قباب عالية الحرارة، ومنها نتجت موجات القيظ الشديد الحاصلة.
وسبق أن حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بلاغها عن شهر يوليو/تموز 2023، من أن النصف الشمالي للعالم يختنق تحت وقع أحوال طقس متطرفة ذلك الصيف. وقالت المنظمة إن أجزاء واسعة من شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وآسيا وجنوب الولايات المتحدة الأمريكية تقع تحت "القباب الحرارية".
وفي تصريح وقتها للصحفيين، قال جون نيرن، المستشار رفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في الوكالة العالمية، إن "عدد موجات الحرّ المتزامنة في نصف الكرة الشمالي زاد ستة أضعاف منذ الثمانينيات، ولا مؤشّر على أنّ هذا المنحى سيتراجع". وأضاف الخبير المناخي: "شدّة هذه الظواهر ستستمرّ في الازدياد، وعلى العالم أن يستعد لموجات حر أكثر شدة".
اليوم، وفي بيانها الحديث، ذكرت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، بأنه بعد انتهاء "النينيو"، هناك احتمالات متزايدة تصل إلى 60%، لحدوث ظاهرة "النينيا" بين شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول، وترتفع هذه الاحتمالات إلى 70% مابين شهري أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني. مع فرص لإعادة تطوير ظاهرة "النينيو" بشكل ضئيل خلال هذا الوقت.
وعادة تتوالى ظاهرتا "النينيو" و"النينيا" في دورة تعرف باسم "التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو" (ENSO)، والتي تسبب التغيرات الطبيعية الأكثر أهمية في النظام المناخي على نطاق موسمي وسنوي. إذ تعد "النينيا" المرحلة الثانية الباردة من الدورة، فتؤدي إلى تبريد الغلاف الجوي.
وقال كو باريت، نائب الأمين العام للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية، في بيان إن "نهاية ظاهرة النينيو لا تعني توقفاً طويل المدى في تغير المناخ، إذ سيستمر كوكبنا في الاحترار بسبب الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما ستستمر درجات حرارة سطح البحر المرتفعة بشكل استثنائي في لعب دور مهم خلال الأشهر المقبلة".
ويحدث تتابع "النينيو" و"النينيا" كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر عادة لمدة ما بين 9 و12 شهراً، ولكنها قد تدوم لعدة سنوات في كل مرة تحدث فيها.
هل سنشهد استمرار أحوال الطقس غير العادية؟
وأدت ظاهرة "النينيو" طوال السنوات الثلاث الماضية إلى أحوال طقس قاسية وغير اعتيادية، وصلت ذروتها في صيف 2023. إذ تسببت إحدى القباب الحرارية الكبرى فوق منطقة البحر الأبيض المتوسط، في حدوث موجة حرارة مميتة في جنوب أوروبا، والتي أطلق عليها اسم "خارون".
وعاشت دول حوض البحر الأبيض المتوسط ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة خلال الصيف، قاربت في العاصمة أثينا عتبة 48 درجة مئوية وتجاوزت في العاصمة روما عتبة 42 درجة مئوية، شهر يوليو/تموز 2023.
وحذرت الوكالة الدولية للأرصاد الجوية، في بلاغ وقتها، من زيادة مخاطر النوبات القلبية والوفيات، التي قد تتسبب فيها درجات الحرارة المرتفعة بالليل. إذ قال كبير مستشاري الحرارة الشديدة في المنظمة، جون نيرن :"إن ارتفاع درجات الحرارة ليلاً يشكل خطورة خاصة على صحة الإنسان، لأن الجسم غير قادر على التعافي من الحرارة المستمرة، وهذا يؤدي إلى زيادة حالات النوبات القلبية والوفاة".
ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة، توفي 60 ألف شخص إضافي بسبب درجات الحرارة الشديدة في أوروبا صيف 2022، على الرغم من خطط الإنذار المبكر والعمل الصحي القوية في القارة.
فيما يطرح إعلان المنظمة انتهاء ظاهرة "النينيو"، ودخول دورته الباردة "النينيا"، أسئلة حول ما إذا كان العالم سيتنفس الصعداء بالتخلص من ظروف الطقس المتطرفة المرتبطة بها.
وفي هذا الصدد، يجيب المختص في قضايا البيئة زاهر هاشم، في تصريحات لـTRT عربي، بأنه: "على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته ظاهرة النينيو في العامين الماضي والحالي، بتغيير أنماط الطقس وظهور حالات مناخية متطرفة، إلا أن الاحترار الناتج عن هذه الظاهرة ذو تأثير قصير الأمد، ومن غير المتوقع أن يؤثر على الأهداف العالمية المتمثلة بوقف ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية في هذا القرن عند درجتين مئويتين والسعي الطموح نحو 1.5 درجة".
وبالتالي، يخلص هاشم إلى أنه: "مالم يجرِ وقف انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة بشكل مباشر عن تغير المناخ، فإن هذه الآثار السلبية والظواهر المناخية المتطرفة ستستمر حتى مع الانتقال إلى ظروف محايدة أو ظروف النينيا".