بعد 6 أعوام من توقيعها، صادق البرلمان التركي بالإجماع مساء الأربعاء، على اتفاقية باريس للمناخ، لتدخل بذلك حيّز التنفيذ، فيما رحّب بالقرار كلٌّ من متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة فخر الدين ألطون.
ويأتي ذلك بعدما وافقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي على مشروع قانون يعتبر اتفاقية باريس للمناخ مناسبة للتصديق عليها.
يُشار إلى أنّ تركيا واحدة من الدول التي أبدت تأييدها لاتفاقية باريس للمناخ عام 2015، إلا أنّها لم تطرحها على برلمانها للتصديق خلال الفترة الماضية، بسبب اعتراضها على الإجحاف الذي كان يطالها في ما يتعلّق بمسألة الالتزامات.
ومؤخراً أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ الحكومة التركية قرّرت طرح الاتفاقية على أجندة البرلمان للتصديق عليها، إثر مستجدات حصلت في الموضوع وتعهدات قُدِّمَت لتركيا.
فماذا يعني تصديق تركيا على اتفاقية باريس للمناخ، وما أبرز ردود الفعل المحلية والدولية على القرار، وما التحديات التي يتعيّن على أنقرة التغلّب عليها لمواجهة مخاطر الانبعاث الكربوني والاحتباس الحراري؟
ما اتفاقية باريس للمناخ؟
جرى التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ في 5 أكتوبر/تشرين الثاني 2015 بمشاركة 195 دولة من بينها تركيا، ودول الاتحاد الأوروبي كافة.
وتعتبر الاتفاقية أول توافق عالمي بشأن المناخ، وجاء الاتفاق عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس عام 2015.
وتهدف اتفاقية باريس إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين مئويتين، وتتضمّن أيضاً السعي إلى خفضه لحد 1.5 درجة مئوية.
ويقع من ضمن أهداف الاتفاق زيادة قدرة الدول على التكيّف مع الآثار السلبية لتغير المناخ وضمان "التدفّق المستمر للتمويل نحو انبعاثات منخفضة من غازات الاحتباس الحراري والتنمية المناخية المستدامة".
وتوافق الموقعون على إعادة النظر في الأهداف المعلنة بعد خمس سنوات، وعلى وضع مساعدات مناخية للدول النامية سنوياً تصل قيمتها كحد أدنى إلي نحو 100 مليار دولار أمريكي، على أن تجري إعادة تقييم هذا المبلغ عام 2025 على أقصى تقدير.
ودخلت الاتفاقية العالمية الأولى، الملزمة قانوناً، حيّز التنفيذ في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد تصديق 55 دولة من الأطراف الموقّعة.
وترمي جهود الأمم المتحدة إلى أن تتمكّن الدول كافة من خفض انبعاثاتها الكربونية إلى الصفر في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050، وذلك من أجل تحقيق هدف الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين بموجب اتفاقية باريس للمناخ.
خطوة مهمة وإيجابية
تواترت ردود الفعل المحلية والدولية ترحيباً وإشادة بتوافق الحكومة التركية مع الجهات الأممية المعنية باتفاقية باريس.
وفي هذا الصدد، صرّحت أصلي باسينلي، المدير العام للصندوق العالمي-التركي لحماية الطبيعة والبيئة، قائلةً: "نحن نرحب بهذه الخطوة نحو أن تصبح تركيا جزءاً من التعاون العالمي في مكافحة تغير المناخ. باستطاعتنا أن نكون من بين الدول التي تقود العالم من خلال إعداد خارطة طريق طموحة وواقعية من شأنها أن تسهم في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة بعد التصديق على اتفاقية باريس".
وشدّدت باسينلي على أهمية وضع خطة قومية بتواريخ محدّدة من أجل تنفيذ الأهداف الموضوعة بالتوافق مع بروتوكول الاتفاقية.
من جانبها رحّبت الأمم المتحدة، الأربعاء، بموافقة البرلمان التركي على مقترح القانون المتعلّق باتفاق باريس للمناخ.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في تصريح لمراسل وكالة الأناضول: "نرحّب بمصادقة تركيا على اتفاق باريس للمناخ".
وأضاف دوجاريك أنّه يتعيّن على جميع الدول زيادة جهودها لتحقيق الأهداف الواردة في الاتفاقية، مؤكّداً ضرورة أن تأخذ دول مجموعة العشرين زمام المبادرة في مكافحة تغير المناخ.
أبرز التحديات.. ماذا بعد المصادقة على الاتفاقية؟
عبّر أوزغور غوربوز، عضو مجلس إدارة جمعية المحيط البيئي التركي، عن استبشاره بقرار الإدارة التركية الجديد، قائلاً: "هذه خطوة مهمة (..)، وبالطبع، لا ينتهي كل شيء بالموافقة على الاتفاقية، فتماشياً مع الأهداف المعلنة، ينبغي الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".
وأردف غوربوز: "يتعين على تركيا أن تصبح محايدة للكربون. وهذا يتطلّب تغييرات هيكلية في العديد من القطاعات، وبخاصة الطاقة. باختصار، لا يزال أمامنا الكثير من العمل".
وفي بيان المساهمة الوطنية الذي قدمته تركيا إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ورد أنّ إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في البلاد، والتي كانت 430 مليون طن في عام 2012، يمكن أن تصل إلى نحو 929 مليون طن بحلول عام 2030، وذلك بالأخذ في الاعتبار تدابير تخفيض الانبعاثات.
وحسب خبراء، فإنّه إذا نفّذت تركيا سياسة مناخية نشطة، فإنّ دخلها القومي سيرتفع بنسبة 7%، ويتعيّن من أجل تحقيق ذلك التوقّف بشكل كامل عن استخدام أنواع الوقود الأحفوري الثلاثة. وبدلاً من ذلك استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
جدير بالذكر أن الحكومة التركية تهدف، ضمن نطاق الخطة الاقتصادية متوسطة المدى للأعوام 2022 إلى 2024، إلى إطلاق مشاريع جديدة للبحث والتطوير لتقنيات متطورة، وذلك في إطار التنمية المستدامة لمكافحة آثار تغيُّر المناخ، وأكّد البرنامج أنّ المشاريع الجديدة تتمّ وفق سياسات الاقتصاد الأخضر، والتي تتجه الدول المتقدمة نحو تنفيذها في مجالات الصناعة والتجارة والنقل والبيئة والطاقة.
ولتنفيذ ذلك الهدف على أكمل وجه، سيُعزَّز الإطار التنظيمي للقطاع المالي لتسهيل التحوّل الأخضر، كما سيُوسَّع نطاق تطبيق سياسات "صفر نفايات"، وتشجيع إصدار السندات والصكوك الخضراء للمصانع والمتاجر، من خلال إعداد دليل يتماشى مع المعايير الدولية من أجل تمويل الاستثمارات الحساسة بيئياً، كما سيجري تطبيق نظام شهادة "المنطقة الصناعية الخضراء" بالتعاون مع منظمة "غرين أويز"، والذي سيسهم في إقبال أصحاب الأعمال ويسرّع وتيرة انتشار مناطق صناعية خضراء ومستدامة داخل تركيا.