في شهر ديسمبر/كانون الأول ظهرت أولى صور الطواقم الطبيّة التي ترتدي معدّات الحماية الشخصية، وتكشف عمّن تظهر عليهم أعراض فيروس جديد سيغيّر وجه العالم.
كان اكتشاف فيروس كورونا في الصين، وبدأت تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لمرضى ينقلون إلى المستشفيات وفق بروتوكولات طبيّة مشدّدة، وأخرى لعاملين صحيّين يحملون مقاييس الحرارة، يفحصون المسافرين في المطارات.
صدمة البدايات
في ذلك الوقت لم يكن مألوفاً بصورة كبيرة المقياس الحراري الجبهي، كما أنّ معدات الوقاية البيضاء التي تعزل الفاحص، تسبّبت بحالة قلق عند شعوب العالم، مع انتشار الفيروس تدريجياً في دول أخرى.
وكان هذا اللباس مقترناً في المخيال الجماعي بالخطر الإشعاعي أو البيولوجي وأفلام الخيال العلمي التي تربط بين هذا اللباس والكوارث التي تهدّد البشريّة، ما جعل المُشاهد يعيش صدمةً نفسيةً سبّبها اللا وعي الذي ربط الصورة بمشهد "الكارثة" التي قد تعصف بالكوكب.
كما تسبّب غياب سياسات صحيّة دولية واضحة وندرة التصريحات الرسمية، -التي كانت متردّدة بخصوص الملفّ- حالةً من الارتباك.
وبدأ المتحدثون، العاملون في الصحّة، يتكلّمون عن الفيروس بلغة العلم والأرقام المؤكَّدة التي تُعتبر نتيجة بحث وتقصٍّ، وتستخدم الأدوات التكنولوجية لتوضيح الرؤية أكثر حول التطوّرات المتسارعة.
لكن هذه التصريحات لم تكن مدعومة بدعم سياسيّ، بل واجهها أحياناً تقزيم لأهمية الأزمة الصحيّة من طرف مسؤولين كبار مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون.
لكن سرعان ما دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر، مؤكّدة أننا أمام جائحة عالميّة، يجب تنسيق المجهودات بين الأمم لمواجهتها.
تواريخ مهمّة في مسيرة الوباء
بالعودة إلى تطوّرات الوباء، هناك تواريخ مهمّة، تتضمّن أهم المنعطفات والأحداث المتعلّقة بجائحة "كوفيد-19"، خلال الأيام الأخيرة من عام 2019 إلى عام 2020.
في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019 اطّلع المكتب القُطْري لمنظمة الصحة العالمية في جمهورية الصين الشعبيّة على بيان إعلامي للجنة الصحة البلدية في مدينة ووهان بشأن حالات "التهاب رئوي فيروسي" في المدينة.
وفي 1 يناير/كانون الثاني 2020 طلبت المنظّمة معلومات من السلطات الصينية عن مجموعة حالات الالتهاب الرئوي اللا نمطي المبلغ عنها في ووهان.
بعدها بيوم كتبَ ممثّل المنظمة في الصين إلى لجنة الصحة الوطنية، ليعرض دعم المنظمة ويكرّر طلب الحصول على مزيد من المعلومات عن مجموعة الحالات.
في 3 يناير/كانون الثاني 2020 قدّم المسؤولون الصينيون معلومات إلى المنظمة عن مجموعة حالات من "الالتهاب الرئوي الفيروسي المجهول السبب" اكتُشفت في ووهان.
وفي اليوم التالي، أي بتاريخ 4 يناير/كانون الثاني 2020، تحدثت المنظمة عن وجود مجموعة من حالات التهاب رئوي -لم تنجم عنها أي وفيات- في ووهان، في مقاطعة هوباي في الصين، وأن التحريّات جارية لتحديد سببها.
أما في 5 يناير/كانون الثاني 2020، فقد نشرت المنظمة معلومات مفصّلة عن مجموعة حالات التهاب رئويّ مجهول السّبب عبر نظام المعلومات عن الأحداث في إطار اللوائح الصحية الدولية (2005) المتاح لجميع الدول الأعضاء.
وقدّم الإشعار المتعلّق بالحدث معلومات عن الحالات ونصَح الدول الأعضاء باتخاذ الاحتياطات اللّازمة للحدّ من مخاطر العدوى التنفسية الحادة.
وفي 9 يناير/كانون الثاني، أفادت المنظمة بأن السلطات الصينيّة اكتشفت أن الحالات ناجمة عن فيروس كورونا مستجد، وعقدت المنظمة أوّل مؤتمر عن بعد مع شبكات الخبراء العالمية، بدءاً من "الشبكة السريرية".
وفي 10 يناير/كانون الثاني 2020 عقد الفريق الاستشاري الاستراتيجي والتقني المُعنى بالمخاطر المُعدية اجتماعه الأول بشأن تفشّي فيروس كورونا المستجد.
حصيلة النشاط الصحي الدولي
حاولت منظمة الصحة العالمية تهدئة المجتمع الدولي من خلال تقديم معلومات صحيّة حول طبيعة الفيروس ومخاطره، وعن تطورات الوباء بشكل دوري.
وعقد المدير العام والمدير التنفيذي لبرنامج المنظمة للطوارئ الصحية خلال عام 2020 نحو 120 جلسة إحاطة إعلامية، كما عقدت 38 جلسة إحاطة وجلسات لإعلام الدول الأعضاء.
والتحق أكثر من 4,7 مليون شخص بالدورات التعليمية المتاحة على منصة المنظمة "OpenWHO"، التي أتاحت 149 دورةً تعليميةً لدعم الاستجابة لجائحة "كوفيد-19"، بما يشمل 22 موضوعاً و44 لغةً.
واجتمع الفريق الاستشاري الاستراتيجي والتقني المعنيّ بالمخاطر المعدية 53 مرّة.
وحتى 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، كانت قائمة المنظمة للقاحات "كوفيد-19" المرشحة تتضمن 52 لقاحاً في مرحلة التقييم السريري و162 لقاحاً في مرحلة التقييم قبل السريري.
الوباء والمسؤولون
بعد أربع سنوات، نرى أن فترة انتشار وباء كورونا شهدت نشاطاً محموماً في أروقة الهيئات الصحية العالمية.
لكن من الواضح، أن الفريقين السياسي والصحي لعدد من الدول المؤثرة في السياسات الصحية العالمية ضاعوا في دهاليز السياسة والطب، وكان لذلك انعكاساته.
كما كان لهذا التخبّط تأثيرٌ سلبيٌّ في الوباء، وعزّز فرضيات المؤامرة لدى الجمهور.
وما زالت هناك محاكمات جارية إلى حدِّ الساعة لبعض المسؤولين حول قرارات اتخذت بخصوص بدء الحجر الصحي والإغلاق من عدمه، وبدا أن السياسيّ لم يستجب أحياناً لتحذيرات الخبراء في الصحة.
ويمكننا القول: إن الجدل والنقاشات حول منشأ الفيروس كان له تأثير بشكل سلبي في مكافحة الوباء وتقليل انعكاساته السلبية.
كيف كانت المقاربات الصحيّة؟
لقد أثبتت طريقة التعامل مع الواقع أنها الطريقة الفضلى مع الوقت، فالدول التي تعاملت مع الفيروس كتهديد حقيقيّ خرجت بأقل الخسائر.
وحاصرت نظريات المؤامرة، وطلبت من مواطنيها احترام العزل المنزلي، وارتداء الكمامة.
كما انخرطت على المستوى الدوليّ في التعاون مع الدول الأخرى، في إطار منظمة الصحة العالميّة، لتقديم إحصائيّات رسميّة حول حالات الإصابة، ومخاطبة الجمهور عبر القنوات الرسمية بتقديم بيانات صحيحة.
وتبنّت حكومات عدة بروتوكولات واضحة من خلال التحديث اليومي حول آخر الأرقام، وتوفير الكمامات على نطاق واسع، ومجانية الخدمات الصحية الخاصة بعلاج "كوفيد 19".
كما اعتمدت دولٌ عدة نظماً إلكترونية، عبر النظام الصحي الرقمي، وفعّلت الرمز الصحيّ الخاص بسلامة الشخص من الفيروس أو العدوى، وأدخلت هذه المعطيات في الدوائر الرسمية.
كما سرّعت الدول من البنية اللوجستية المعلوماتية، ما أحدث حالة من الثقة من طرف الجمهور فيما يخصُّ القنوات الرسمية.