مع صعود نجم الجسد النحيف، مدعوماً بنمط الحياة العملية المتسارع، على حساب الجسد الممتلئ، الذي كان رمزاً للصحة والخصوبة والثراء، وسبباً في انتشار مجموعة من الأمراض المرتبطة بالسمنة، ظهرت موضات أو "تقليعات" للنحافة وصلت إلى حدّ الهوس، وساهمت في إصابة الكثيرات من أتباعها بأمراض اضطرابات الأكل حتى الوفاة أحياناً.
الساعة الرملية
منذ بداية القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر، كانت النساء من الطبقة الأرستقراطية يرتدين "الكورسية"، فأصبح "الساعة الرملية"، هو الجسد النموذجي الذي تسعى إليه النساء كافة من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
صُنع "الكورسية" من قماش قوي البنية، مع حشوات من المعدن، وكان يثبّت مِن الأمام بخطافات، ويُغلق الظهر بأربطة قابلة للتعديل، ويعمل على اعتصار الخصر والبطن لإظهار الصدر والأرداف بصورة أكبر.
وكان من تأثيرات ارتدائه الشائعة، الإغماء المتكرر خاصة بين الشابات. غالباً ما يكون "الكورسية" مربوطاً بإحكام لدرجة أنهن لا يأخذن كفايتهن من الهواء، ولمساعدتهن على التعافي، كان المحيطون يخففون من قوة ضغط الأربطة، ليتمكنّ من التنفس.
أما على المدى الطويل فكان "الكورسية" يتسبب في تشوهات في العمود الفقري، ويشكل خطراً كبيراً على الضلوع والأعضاء الداخلية.
وأُطلق فيما بعد على الفتق الفجائي الناجم عن المشدات أو الكورسيهات شديدة الضيق اسم "متلازمة سومرنج" تكريماً للطبيب وعالم التشريح "فون سومرنج" الذي حذّر من ارتداء تلك "الكورسيهات" شديدة الضيق.
الجمال النائم
في عام 1966، ظهر نظام غذائي متطرف للحصول على جسم نحيف للغاية يجمع بين التخدير والجوع.
الفرضية التي اتّبعها النظام بسيطة، " كلما زاد نومك، قلّ تناولك للطعام"، ويوصي النظام بالنوم لفترات طويلة بشكل غير طبيعي وغالباً بمساعدة المهدئات، كطريقة لتجنّب إغراء الطعام.
في شكله الأقل تطرفاً، يدعو النظام الغذائي فقط إلى الحصول على راحة ليلية أفضل كل ليلة بالإضافة إلى الأكل الصحي والتمارين الرياضية لمدة 4 ساعات قبل النوم.
وباعتماد الصورة الأكثر تطرفاً من النظام الذي أُطلق عليه "سليبينج بيوتي" أو "الجمال النائم"، تصل ساعات النوم إلى 20 ساعة يومياً من خلال استخدام المهدئات والحبوب المنومة، وهي عقاقير يمكن أن تصبح مسببة للإدمان بدرجة عالية ولديها احتمالية عالية لجرعات زائدة.
عادت تلك الحمية للانتشار مؤخراً بعد توقفها لسنوات نتيجة آثارها الجانبية الخطيرة ومنها الإدمان، حيث يشجّع النساء بعضهن البعض على تناول المسكنات مثل "زاناكس" للنوم لمدة 10 ساعات على الأقل لتجنب تناول الطعام.
الهيروين الأنيق
في تسعينيات القرن الماضي ساد مظهر أُطلق عليه "هيروين تشيك" أو "الهيروين الأنيق"، حيث ظهرت على أغلفة المجلات وعروض الأزياء عارضات بأجساد هزيلة وبشرة شاحبة، وفي بعض الأحيان لإكمال الصورة كدمات ودوائر مظلمة حول العين وشعر أشعث والشفاه باللون الأحمر الفاقع. تتدلى ملابسهن على أجسادهن الضعيفة.
كان المظهر يُعطي انطباعاً بالتمرّد على فرضيات قواعد الجمال، لكنه أثار الكثيرين لتبني ذلك المظهر المتطرّف خاصة من النساء، حتى وإن كان الثمن تناول مخدر الهيروين للحصول على النحافة المطلوبة والوجه الشاحب.
ومع تزايد الإقبال والمبيعات شجع بعض بيوت الأزياء العالمية بشكل مبطّن على تناول الهيروين وإضفاء البهجة على الإدمان من أجل بيع الملابس، حتى توفّي مصور الأزياء ديفيد سورينتي عام 1997، الذي اعتنق "هيروين شيك" مظهراً له، من جرعة زائدة. وكان موته المبكر عن عمر لا يتعدى الـ21 عاماً بمثابة الخط الفاصل بين الفن والحياة الحقيقية.
اضطرابات الأكل
اضطرابات الأكل هي أمراض تؤثر على علاقة الشخص بالطعام وصورة الجسم. الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الأكل لديهم أفكار مفرطة عن الطعام، ووزن الجسم أو شكله، وكيفية التحكم في تناولهم للطعام.
تؤثر اضطرابات الأكل على أكثر من 70 مليون شخص على مستوى العالم، ويُعدّ فقدان الشهية العصبي، أحد أشكال اضطرابات الأكل وهو أكثر شيوعاً عند النساء، حيث يصبح القلق بشأن تناول الطعام أو الإحساس بالذنب عقب تناول أطعمة معينة هو المسيطر على حياتهن، فيسعين باستمرار لفقدان الوزن أو المحافظة عليه من خلال اتباع نظام غذائي شديد أو الجوع أو الإفراط في ممارسة الرياضة.
المتهم الأول.. رسائل إعلامية زائفة
تمارس وسائل الإعلام قدراً كبيراً من الضغط على الإناث لتبني معيار اجتماعي و ثقافي معين للجمال، وهو ما يمكن أن يؤدي حتما إلى ضعف الجسم واضطرابات الأكل.
أصبحت النحافة جزءاً أساسياً، مما يعنيه أن تكون جميلاً وفقاً لمعايير اليوم. وأصبحت عارضات الأزياء والممثلات أكثر نحافة بمرور الوقت فبات عدم الرضا عن صورة الجسد لدى المشاهدات أكثر شيوعاً، خاصة مع الصور والرسائل الإعلامية المستمرة التي تشير إلى أننا يجب أن نكون نحيفين إذا أردنا أن نكون سعداء وناجحين في الحياة.
مما يجعل الكثيرات يجاهدن للوصول إلى تلك الصورة الزائفة من الجمال وتحقيق معايير غالباً ما تكون غير قابلة للتحقيق، خاصة مع تقدّم النساء في العمر.
ومع المحاولات المستديمة، تترك تلك الصورة شعوراً لدى النساء بالسلبية تجاه أجسادهن ومن المحتمل أن يواجهن مشاكل أكثر خطورة مثل القلق والاكتئاب والهوس بفقدان الوزن واحتمال أكبر للإصابة باضطراب الأكل.
التصالح مع الجسد
يمكن أن تؤثر نظرة الشخص إلى جسده على الاختيارات الغذائية وما يستتبع ذلك من الشعور بالرضا والسعادة. ولأجل هذه الغاية هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها على الجانب النفسي والعملي، منها قبول الجسد بكل سلبياته وإيجابياته، واستبدال الأوصاف الإيجابية بتلك السلبية، أي البحث عن مكامن الجمال الطبيعي في الجسد، والتوقف عن مقارنة الجسد بجسد الآخرين، وبدلاً من التركيز على تقييد النظام الغذائي لفقدان الوزن أو ممارسة التمارين الرياضية فقط لحرق السعرات الحرارية، يمكن التركيز على تغذية الجسم وتحريكه وإعطائه تجارب ممتعة مثل ممارسة رياضة جديدة، أو رقصة مختلفة أو المشي بطريقة سريعة أو أي محفز إيجابي حركي يمنح شعوراً جيداً ويساعد في الحصول على علاقة صحية بالجسم.