تحتضن "مدينة إكسبو دبي" في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ "كوب 28"، بهدف قياس التقدم المحرز في العمل المُناخي العالمي، والتفاوض بشأن القضايا المناخية، خصوصاً تلك المتعلقة بالانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحترار العالمي.
وتأتي الدورة الحالية لمؤتمر الأطراف في ختام عامٍ أصبح من المؤكد أنه سيكون العام الأكثر سخونة على الإطلاق، إذ وصلت فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وشهد كثيراً من الأحداث المناخية الشديدة المدمرة الناجمة عن تغير المناخ.
اندلعت خلال العام حرائق الغابات، وسادت الفيضانات وموجات الحر في عديد من بلدان العالم، إضافةً إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي عرقلت نمو أسواق الطاقة، التي تمثلت في التضخم السريع وعدم الاستقرار العالمي مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب إسرائيل على غزة.
مؤتمر الأطراف: محطات رئيسية
تعود بدايات مؤتمر الأطراف إلى عام 1992، إذ عُقدت قمة الأرض في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وكانت نقطة تحوُّل حاسمة في تاريخ العمل المناخي العالمي، إذ فُتح باب التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، التي نصَّت في بندها السابع على تأسيس "مؤتمر الأطراف" (Conference of the Parties) والمعروف اختصاراً بـ(COP)، لتنفيذ التزامات حصر الانبعاثات الغازية، والتعاون على التكيُّف مع آثار تغير المناخ، ومساعدة البلدان النامية المعرَّضة بصفة خاصة لآثار التغير المناخي في تغطية تكاليف التكيُّف مع تلك الآثار الضارة، ويضمُّ المؤتمر حاليّاً 198 طرفاً، هي 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
وشكَّل مؤتمر الأطراف "كوب 21" في باريس عام 2015، نقطة تحول جديدة، إذ توصلت الدول الأطراف في اتفاقية المناخ إلى توقيع "اتفاق باريس"، الذي تعهدت فيه بخفض انبعاثاتها الغازية، والعمل معاً على التكيف مع آثار تغير المناخ.
وتضمن الاتفاق ثلاث نقاط أساسية، هي الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية في نهاية القرن، مقارنةً بفترة ما قبل الحقبة الصناعية، واستعراض التزامات الدول خفض الانبعاثات كلَّ خمس سنوات، وتوفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية.
"كوب 28": أهمية خاصة وطموح عالمي
تكتسب الدورة الحالية من مؤتمر الأطراف المُقام في دولة الإمارات أهمية خاصة، إذ تتضمن الحصيلة العالمية الأولى، التي تقوم الدول بموجبها بتقييم التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس ورسم مسار العمل نحو ذلك، ومراجعة المجالات التي فشلت هذه الدول في تحقيقها.
كما سيناقش المؤتمر قضايا رئيسية تتعلق باتخاذ إجراءات صارمة لخفض انبعاثات غاز الميثان (ثاني أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري)، وسدّ الفجوة في تمويل العمل المناخي، وتسريع الخطى نحو وقف استخدام الوقود الأحفوري.
وتتجه الأنظار خلال "كوب 28" نحو الانتقال الطاقي الحاسم من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، وكانت الأطراف المشاركة في مؤتمر غلاسكو "كوب 26" عام 2021، قد اتفقت على خفض حصة استهلاك الفحم، لكن الطموحات هذا العام تتجه إلى صياغة مماثلة تخص النفط والغاز.
من المقرر أيضاً مناقشة التزامات الدول مضاعفة اعتمادها على الطاقة المتجددة ثلاث مرات مع حلول عام 2030، وهو الأمر الذي دعمته كل من الصين والولايات المتحدة قبل أسبوعين من انطلاق مؤتمر المناخ، إضافةً إلى توافق البلدين على عقد قمة حول غاز الميثان ضماناً لنجاح المؤتمر.
وتُركز نسخة هذا العام من مؤتمر الأطراف -للمرة الأولى- على النظم الغذائية العالمية ودورها في تغير المناخ وانبعاثات غازات الدفيئة، وكذلك تداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي وإنتاج الغذاء بسبب الجفاف.
وفي هذا الإطار، وقعت 134 دولة في اليوم الثاني للمؤتمر على "إعلان كوب 28 بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي"، وهو الأول من نوعه في منظومة عمل مؤتمرات الأطراف، كما أعلنت حشد ما يزيد على 2.5 مليار دولار لدعم الأمن الغذائي في إطار مواجهة تغير المناخ، وعقد شراكة جديدة بين دولة الإمارات ومؤسسة "بيل وميليندا غيتس" لدعم الابتكارات في مجال النظم الغذائية.
سد فجوة التمويل المناخي
ومن المتوقع إحداث طفرة في التمويل المناخي خلال مؤتمر المناخ الذي بدأ أعماله بإنجاز تاريخي مع الإعلان عن تنفيذ صندوق "الخسائر والأضرار" لتعويض الدول الأكثر تأثراً بتداعيات تغير المناخ، وإسهام الإمارات بتمويله بمبلغ 100 مليون دولار، ويعتبر هذا الصندوق أحد مكاسب مؤتمر المناخ "كوب 27" في مصر العام الماضي.
وأعلن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في افتتاح القمة العالمية للعمل المناخي التي تنعقد في نطاق المؤتمر، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، وقد صُمِّم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة، ويهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030.
بدوره، أعلن الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف "كوب 28"، في افتتاح القمة عن إسهام بلاده بمبلغ 200 مليون دولار لصالح صندوق النقد الدولي، بهدف دعم مواجهة التغير المناخي في الدول ذات الدخل المنخفض.
وأشار الجابر، في لقاء مع فرانس برس قبل أيام من بدء المؤتمر، إلى تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم إسهام كبير تعويضاً عن الخسائر والأضرار، وإلى تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول مبلغ 100 مليار دولار، وهو الهدف الذي لم يكتمل بعد، ويتعلق بتقديم الدول الغنية مساعدات مالية.
مؤتمر مناخي على أرض نفطية
أثار تعيين سلطان الجابر، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" رئيساً لمؤتمر المناخ، واستضافة الإمارات هذا المؤتمر، جدلاً واسعاً ومخاوف لدى الناشطين من تضارب مصالح الدولة النفطية مع الأهداف العالمية للحد من الوقود الأحفوري المسؤول عن انبعاث غازات الدفيئة المسبِّبة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وتعتبر الإمارات ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 3.5 مليون برميل يوميّاً في الظروف الطبيعية، وسادس أكبر مصدِّر للنفط ومشتقاته، إضافة إلى ما تملكه من احتياطي كبير من النفط والغاز الطبيعي.
لكن دولة الإمارات، وضمن استراتيجية الطاقة حتى عام 2050 تستهدف مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية، ورفع إسهام الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتَجة في الدولة إلى 50%، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة، الأمر الذي يرسل برسائل إيجابية إلى أطراف المؤتمر، خصوصاً مع التوصل إلى اتفاقيات تمويل تسهم في تعميم خطط الانتقال الطاقي على الدول منخفضة الدخل.
تركيا.. جهود رائدة لتحقيق الحياد المناخي
وتتخذ تركيا خطوات مهمة لتقليل انبعاثاتها الغازية وتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية مع حلول عام 2053، رغم إسهاماتها الضئيلة في الانبعاثات العالمية، التي لا تتجاوز 1%.
وشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة العالمية للعمل المناخي في "مدينة إكسبو دبي" في الأول من ديسمبر/كانون الأول، التي تُعقد في نطاق "كوب 28"، إذ عقد اجتماعاتٍ ثنائية مع رؤساء دول وحكومات بعض البلدان.
ولفت الرئيس أردوغان في كلمته أمام القمة إلى أن تركيا ضاعفت أيضاً هدفها بشأن خفض الانبعاثات مع حلول عام 2030، وفي هذا الإطار من المتوقع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 66.6 مليون طن بحلول نهاية العام الجاري.
وكشف الرئيس أردوغان أن تركيا زادت حصة مصادر الطاقة المتجددة ضمن إجمالي القدرة المركبة إلى 55%، إذ تحتل تركيا في هذا المجال المرتبة الخامسة في أوروبا، والثانية عشرة على مستوى العالم، كما تحتل المرتبة الثانية في أوروبا، والتاسعة عالميّاً، من حيث القدرة المركبة لمحطات الطاقة الكهرومائية.
وتخطط تركيا لزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 69%، وتقود استراتيجية خاصة للاعتماد على الهيدروجين الأخضر، إضافةً إلى إكمال خرائط الطريق المتعلقة بنزع الكربون من قطاعات الصُّلب والألومنيوم والأسمنت والأسمدة، في سياق هدف صافي الانبعاثات الصفرية.
وشدّد الرئيس التركي في كلمته على التزام تركيا أهدافها المناخية، رغم الآثار الكبيرة التي خلفتها كارثة الزلزال في 6 فبراير/شباط الماضي، وقال إن حماية البيئة وإنشاء المباني الصديقة للبيئة من بين أولويات حكومته في إعادة إعمار الولايات المتضررة.
وتعد تركيا واحدة من الدول التي أيَّدت اتفاق باريس للمناخ عام 2015، لكنَّها لم تصدّق عليها إلا في عام 2021، بسبب اعتراضها على الإجحاف الذي كان يطالها في ما يتعلَّق بمسألة الالتزامات.
وتستضيف تركيا الدورة الستين للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مدينة إسطنبول في يناير/كانون الثاني 2024، كما أعلنت أيضاً ترشُّحها لاستضافة الدورة رقم 31 لمؤتمر الأطراف عام 2026.