اغتالت إسرائيل، يوم الثلاثاء، ثلاثة شبان فلسطينيين داخل مستشفى ابن سينا بمدينة جنين بالضفة الغربية. وحسب ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية، فإن الشهداء هم الشقيقان محمد وباسل أيمن الغزاوي، إضافة إلى محمد وليد جلامنة، الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى قبل استشهادهم.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية إن "نحو 10 جنود من أفراد القوة الخاصة الإسرائيلية، الذين تنكروا بالزي المدني بلباس أطباء وممرضين ولباس نسوي فلسطيني، تسللوا إلى المستشفى فُرادى واتجهوا إلى الطابق الثالث، واغتالوا الشبان باستخدام مسدسات مزودة بكاتم صوت".
وأظهرت مقاطع فيديو وثقت العملية، مسلحين يلبسون لباساً مدنية وملامحهم تشبه الفلسطينيين، يتجولون في ردهات المستشفى. وذكرت كتائب القسام أن الشهيد محمد وليد جلامنة "قيادي في الحركة وناطق إعلامي باسمها، فيما محمد أيمن الغزاوي أحد مؤسسي كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامية".
وتعيد عملية الاغتيال هذه إلى الأنظار، الدور الذي يلعبه جهاز المستعربين في الجيش الإسرائيلي، الذي يتكون من مقاتلين لهم ملامح فلسطينية ويتحدثون العربية، ما يساعدهم في التنكر، والتغلغل داخل المجتمعات المحلية في الضفة وغزة من أجل تنفيذ عمليات تجسس واعتقالات واغتيالات بحق فلسطينيين.
إسرائيليون في زي عربي!
يعد المستعربون وحدة قوات خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي، ويمتازون بقدرتهم على التسلل إلى داخل التجمعات الشعبية الفلسطينية، وتنفيذ مهامهم الاستخباراتية، بما في ذلك جمع المعلومات وتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات.
ويساعدهم في التسلل وتنفيذ هذه العمليات تنكرُهم في هيئات تشبه الفلسطينيين، مع إتقانهم الغة العربية ومعرفتهم الثقافة الشعبية الفلسطينية والدين الإسلامي، بالإضافة إلى أنهم يُختارون من المجندين ذوي الملامح العربية.
وقبل زرعهم في أوساط المجتمع الفلسطيني، يُدرَّب هؤلاء المجندون في جهاز المستعربين على إتقان اللهجات الفلسطينية ومعرفة العبادات الإسلامية والعادات والتقاليد المحلية. هذا بالإضافة إلى تدريبهم على معرفة الأزقة والحواري في المدن والبلدات التي يعملون بها، وكأنهم تربوا فيها.
وحسب أمير بوخبوط، المراسل العسكري لموقع "والا" الإسرائيلي، فإن "المستعربين يخرجون لمهمتهم يستقلون سيارات بلوحات فلسطينية، ويرتدون ملابس فلسطينيين، ويحوزون ما فيه الكفاية والكفاءة من اللهجة المحلية المحكية، مع الاستعداد الدائم لأي مفاجآت غير متوقعة".
ويضيف بوخبوط: "وهم يتمتعون بمعرفتهم المتاجر، والعائلات المحلية، والشخصيات التي تهيمن على المخيم، والمزاج العام في الشارع، بما في ذلك مَن تزوج يوم أمس (...) ويعتمد اللباس الذي يرتدونه على الظروف السائدة والممارسة المطلوبة، وفي لحظة الحقيقة يجري الكشف عن السلاح المستخدم، بحيث يكون جاهزاً لإطلاق النار".
تأسيسهم وعملهم
وحسب الباحث الإسرائيلي عوفر أدارت، فإن فكرة تأسيس وحدة المستعربين ظهرت في بداية خمسينيات القرن الماضي، على يد ضابط في جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يدعى شموئيل موريا. وفي 1953 أقام موريا وحدة المستعربين السرية، وتكونت في البداية من عشرة مقاتلين، جرى تشكيلها من يهود مهاجرين من دول عربية، اجتازوا تدريبات مكثفة، وأُقحموا في البلدات العربية داخل فلسطين.
وقتها، وحسب الباحث الإسرائيلي، لم يتوقف عمل هؤلاء المستعربين على تنفيذ مهمة خاصة ثم يعودون إلى قواعدهم العسكرية، وإنما يبقون مقيمين في البلدات العربية، بما في ذلك تكوين عائلة عربية كاملة، وكان مظهرهم الخارجي مقبولاً على البيئة العربية، كي يستطيعوا الانصهار بينهم دون إثارة أي شبهات، حتى إن بعضهم انقطع عن عائلاتهم اليهودية فترات زمنية طويلة.
وتشير مصادر أخرى إلى أن تأسيس المستعربين يعود إلى قبل هذا التاريخ، وكانوا في الأصل جزءاً مما يسمى بـ "البلماح اليهودي"، وهي فرقة النخبة من مليشيا "الهاغاناه"، التي أصبحت فيما بعد نواة الجيش الإسرائيلي، وجرى تأسيسها نتيجة للتعاون بين الحركة الصهيونية وسلطات الانتداب البريطاني في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية، إذ احتاج البريطانيون إلى عملاء مخابرات لاختراق السكان المحليين في بلاد الشام ومواجهة التقدم الألماني.
وعقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أصبح الاحتلال الإسرائيلي يعتمد أكثر على المستعربين، وبرز دورهم في قمع التحركات المقاومة للشعب الفلسطيني. وتحتوي مجموعة من ألوية الجيش الإسرائيلي على مستعربين، ومن بينها وحدة "شمشون" (الوحدة 367) التي تعمل في الجنوب بالقرب من حدود غزة، ووحدة "ياماس" المرتبطة بشرطة الحدود الإسرائيلية وتعمل بشكل رئيسي في القدس المحتلة، ووحدة "جدعونيم" (الوحدة 33)، وهي قوة من الشرطة الإسرائيلية تعمل داخل إسرائيل.
اليوم، وحسب المراسل العسكري لـ"والا"، يبدأ عمل المستعربين "بمجرد وصول ما تسمى المعلومة الذهبية إلى جهاز الأمن العام (الشاباك) حول مكان إخفاء المسلحين الفلسطينيين في قلب معسكر اللاجئين". وعقب ذاك "يجري تحديد سريع للقوة الخاصة المكلفة وإرسالها أولاً إلى المهمة، لمواصلة العملية، تمهيداً لإفساح الطريق للقوات القتالية الأخرى".
ويضيف المراسل أنه "فور معرفة المستعربين مكان المطلوبين الفلسطينيين يدخل جنود الاحتلال بمركباتهم العسكرية المصفحة، وبصحبتهم وحدات تكنولوجية لجمع المعلومات الاستخبارية، مع العلم أن المستعربين جرت العادة أن يدخلوا المخيم تحت ستار شاحنات لتوزيع الطعام أو خضراوات، ويجمعون وثائق من كاميرات الشوارع، التي شاهدنا معظمها على شبكات التواصل الاجتماعي، كما حصل في نابلس وجنين".
وتتعدد المهام االتي يُستخدم المستعربون فيها، وعلى رأسها اعتقال وتصفية الفدائيين وقادة المقاومة الفلسطينية. كما يستخدمون في قمع احتجاجات الفلسطينيين، إذ يتسللون وسط المتظاهرين وينفذون الاعتقالات.