تابعنا
خلقت عارضة الأزياء المشهورة بيلا حديد الحدث في مهرجان كان للسنيما، عندما ظهرت يوم الجمعة وهي تتجول في شوارع المدينة الفرنسية بفستان محوك من قماش الكوفية، دلالة على تشبثها بأصولها الفلسطينية ودفاعاً عن حقوق شعبها الذي يتعرض لإبادة جماعية.

وكتبت مجلّة Vogue المختصّة في الأزياء والموضة أن حديد ارتدت هذا الفستان، الذي صمّمه الأمريكي من أصول إيرانية هوشيدار مُرتضائي، تكريماً لموروثها الفلسطيني.

ويُذكر أن عارضة الأزياء بيلا حديد وشقيقتها جيجي قد تعرضتا لانتقادات كثيرة، بل وتهديدات بالقتل، إزاء مواقفهما المدافعة عن القضية الفلسطينية.

وأصبحت الكوفية الفلسطينية تعرف انتشاراً عالمياً واسعاً، لدرجة أن منتجيها أصبحوا يواجهون صعوبة في تلبية الطلب الذي ارتفع تزامناً مع التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في ظل العدوان الإسرائيلي الجاري، وباعتبار الكوفية رمزاً لنضال ذلك الشعب وتوقه إلى الحرية.

أكثر من مجرّد وشاح

ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرج مئات الآلاف حول العالم في مَسيرات حاشدة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، كما يخوض مثل أعدادهم من الطلاب في الجامعات الأمريكية والأوروبية، نضالاً لنصرة القضية الفلسطينية، ووسط كل هذا ظلت الكوفية الفلسطينية حاضرة دائماً.

وفي تصريحات لـTRT عربي، أوضح توم مارتان، الناطق باسم حركة "فلسطين ستنتصر" في فرنسا، أن "أكثر من كونها رمزاً للنضال الفلسطيني، أصبحت الكوفية أيقونة للنضالات ضد الإمبريالية والاستعمار في جميع أنحاء العالم، إذ يجري ارتداؤها في كل مكان لتأكيد أن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر هو جزء لا يتجزأ من النضال الأكبر من أجل تحرير الجميع".

وفي شكلها التقليدي، الكوفية هي غطاء رأس الفلاحين في فلسطين، إذ يجري تثبيتها عادة بواسطة عقال يكون في الغالب أسود اللون. هذا قبل يبدأ الفدائيون في استخدامها لإخفاء هويتهم، ويلبسها الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ الستينيات رمزاً لمقاومة الشعب الفلسطيني.

ويمثل نمط تطريز الكوفية المكونات الأساسية للثقافة الفلسطينية: شبكة صيد السمك تشير إلى البحر الأبيض المتوسط، والخطوط الحدودية السميكة تمثل طرق التجارة، والخطوط المتموجة تمثل أوراق الزيتون، التي ترمز إلى المرونة والقوة.

وقالت الكاتبة والناشطة الكولومبية ستيفاني مالدونادو بيريز، في تصريحات لـTRT عربي: "بالنسبة إليّ، الكوفية الفلسطينية هي رمز للكرامة المنسوجة من العمل ونقاء الشجاعة والمقاومة، إنها تشبه شبكة الصيادين. لديها تلك الدقة وذلك الإتقان".

وهو ما أكّدته أيضاً -وهذه المرة من إيطاليا- الشاعرة والباحثة في القانون الدولي ديزيري دي ماركو، بقولها لـTRT عربي: "بالإضافة إلى التعبير عن القرب والتضامن مع الشعب الفلسطيني، فإن ارتداء الكوفية بالنسبة إليّ يعني عدم نسيان فلسطين رغم وتيرة الأيام المزدحمة. يعني الشعور بتأثير قوة وصمود الفلسطينيين عليّ ومن ثم إظهار ذلك للعالم".

قطعة من غزّة

ومن جانبها تحكي إسراء ناصري، طالبة الطب المغربية التي تبلغ من العمر 21 سنة، قصّة فريدة تربطها بكوفيّتها، إذ كانت تلك الكوفية هديّة من صديقة فلسطينية من غزة، تواجه اليوم مع أهلها ويلات المجازر التي يرتكبها الاحتلال في القطاع.

وفي حديثها لـTRT عربي قالت إسراء: "كوفيتي هدية من صديقتي الفلسطينية هالة، التي أهدتها إليّ قائلة بلكنتها الغزاوية: هذه الكوفية من غزة، البسيها واحملي معك البلاد".

واسترسلت معربة عن قلقها قائلة: "هالة اليوم في غزة، نحن لا نتحدث إلا أحياناً قليلة، أكاد أموت قلقاً على سلامتها، وكلما نظرت إلى كوفيتي تذكرت كلامها، وأتمنى لو كنت قادرة على حمل البلاد التي فيها هالة لأضعها في مكان آمن".

وفعلاً، كانت تلك الكوفية قطعة من فلسطين، كما تؤكد إسراء، إذ "أحياناً وأنا أرتديها أكاد أشم روائح المتوسط، وأرى بحّاراً جسوراً يرمي شباكه السوداء من جانب سور عكا، أو أتخيل تلك الحاجّة الفلسطينية في ثوبها المطرز جالسة تحوك لي هذه الكوفية".

وتخلص الشابة المغربية في نهاية سردها قصتها إلى القول: "هذا ما تمثله لي الكوفية، تاريخ عظيم لشعب عظيم وحكايات إنسانية تناضل كل يوم كي تكتمل، ونحن نشارك في صياغتها بإيماننا ومجادلتنا اليومية، كي لا ننسى أن فلسطيننا ستضل حرة من النهر إلى البحر".

إقبال عالميّ على الكوفية!

وبدوره أوضح أحمد محسن، الكاتب والمترجم المصري المقيم بالعاصمة الكولومبية بوغوتا، أنه "للحديث عن حضور الكوفية يستحضرني مشهد مظاهرات الفاتح في مايو/أيار، التي دعا لها الرئيس غوستافو بيترو لإبراز الدعم الشعبي لحكومته، وعلى الرغم من أن هدف المَسيرة لم يكن التضامن مع فلسطين، فإنّ الآلاف من الكولومبيين خرجوا رافعين الرايات الفلسطينية ومعتمرين الكوفيات".

وبالتالي، حسب ما أورده محسن لـTRT عربي، فإن "الكوفية أصبحت تأخذ رمزية التحرر والانعتاق لكل شعوب العالم المضطهدة"، ما أسهم في انتشارها "لدرجة أنك وأنت تتناول وجبة الفطور في أحد المطاعم ببغوتا، من الطبيعي جداً أن تجد شخصاً أو شخصين يرتديان الكوفية".

وأضاف المتحدث بأنه "على مدار الشهور تضاعف الإقبال على الكوفية هنا في كولومبيا، لدرجة أن أصدقاءنا الفلسطينيين-الكولومبيين (من أصحاب المتاجر المختصة في بيع الأزياء الفلسطينية) أصبحوا يجدون صعوبة في تلبية هذا الطلب المتزايد، فقد كانت مخزوناتهم تنفد بسرعة فيطلبون شحنات جديدة من مصنع في رام الله يسمى شماغ البسام الأصلي، أو يبحثون عن مورّدين في أوروبا لتصل الشحنات بشكل أسرع".

وختم محسن تصريحه بالقول: "وعندما كانت الشحنات الجديدة تصل، كنت أتكلف إبلاغ الكولومبيين عن مكان وجودها فيسرعون للاقتناء (...) بل وأنا عن نفسي أهديت أكثر من عشرين كوفية لفنانين وكتاب وشعراء كولومبيين في محافل عامة، عرفاناً وشكراً لعمل أولئك الفنانين في التعريف بالقضية الفلسطينية والتنديد بالإبادة الحاصلة".

وليست هذه الصعوبة في التزود بالكوفية حكراً على متاجر كولومبيا، بل يواجه المصنّعون المحليون لهذا الوشاح مشكلات في الاستجابة للطلب الدولي الكبير عليه. ويزيد تلك المشكلات الحصار الذي يفرضه الاحتلال على هؤلاء المصنّعين، سواء في تصدير منتجاتهم أو استيراد قطع غيار لآلات الحياكة.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن المتحدث باسم مصنع الحرباوي، نائل القسيس، وهو مصنع عائليّ للكوفية بمدينة الخليل، قوله: "كانت عائلتنا تحوك الكوفية على نفس النول منذ الخمسينيات من القرن الماضي، على الرغم من أنه يتعطل بانتظام، ويجب إرساله إلى الحداد المحلي لإصلاحه بسبب صعوبة استيراد قطع الغيار".

وأضاف القسيس أن الطلب تزايد بشكل قياسي على المصنع العائلي الصغير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ أصبحوا يوردون أكثر من 5 آلاف كوفية كل 12 ساعة، وهم يواجهون صعوبات في الاستمرار على هذا النسق من الإنتاج والاستجابة لتزايد الطلب.

بالمقابل، أعرب الصانع الفلسطيني عن مشاعر مضطربة تعتريه بسبب هذا الوضع، فقد أصبح المصنع يحقق أرباحاً كبيرة بسبب هذا الظرف الأليم الذي تعيشه غزة، إذ يقول: "نحن عاطفيون للغاية. يؤلمنا أن نشعر بأننا نكسب أموالاً إضافية بسبب الحرب... بالطبع نحن شركة، لكن هدفنا ليس فقط كسب المال، فالأمر يتعلق أكثر بالحفاظ على هذا الرمز الوطني".

TRT عربي
الأكثر تداولاً