تابعنا
الظرف الحالي ليس سابقة في التاريخ الإيراني، فقد واجهت إيران شغوراً رئاسياً مرتين، الأولى كانت في يونيو/حزيران 1981 حين قرر مجلس الشورى "تنحية أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للبلاد بعد الثورة، لعدم الأهلية السياسية".

بعد ساعات قليلة من تأكيد السلطات الإيرانية وفاة الرئيس الثامن للبلاد إبراهيم رئيسي ومن رافقه من المسؤولين، في حادث تحطم مروحية شمال غربي البلاد، أعلن مجلس صيانة الدستور الإيراني "بموافقة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، تسلُّم النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، صلاحيات ومهام رئيس البلاد".

ووفقاً لوكالة "إرنا" الإيرانية، صرح المتحدث باسم المجلس، هادي طحان نظيف، أن لجنة تتألف من رؤساء السلطة القضائية والتشريعية والنائب الأول لرئيس الجمهورية ستتولى صلاحيات رئيس البلاد، "وخلال 50 يوماً تُتخذ الإجراءات اللازمة لعقد الانتخابات الرئاسية التي بموجبها يتولى رئيس البلد مهامه 4 سنوات".

المسار الدستوري في إيران بعد وفاة من في السلطة

بموجب الدستور الإيراني الذي صدر بعد الثورة الإسلامية في 1979، وخضع لبعض التعديلات عام 1989، فإن رئيس الجمهورية، أعلى مسؤول رسمي في البلاد بعد منصب المرشد الأعلى، وهو رئيس السلطة التنفيذية صاحبة المسؤولية عن تنفيذ الدستور.

وفي حال أصبح هذا المنصب شاغراً في إيران، ينص الدستور على أن من يتولى مهام رئيس الجمهورية، النائب الأول للرئيس، إذ تقول المادة 131 "إنه في حالة وفاة الرئيس أو استقالته أو عزله أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، وكذلك عند انتهاء فترة رئاسة الجمهورية من دون انتخاب رئيس جديد جراء أي نوع من العقبات أو الظروف، يتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية مهام الرئيس وصلاحياته بعد موافقة القيادة العليا لمجلس الثورة".

أما في حال لم يكن لرئيس الجمهورية نائب أو حالت أمور أخرى دون قيامه بواجباته، أو وفاته، تُعين القيادة العليا (المرشد الأعلى للثورة) شخصاً آخر محله.

ووفقاً لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن النائب الأول للرئيس الإيراني "يتولى السلطة 50 يوماً على الأكثر"، وخلال ذلك الوقت يعمل مجلس يضم كل من النائب الأول لرئيس الجمهورية (محمد مخبر)، ورئيس البرلمان (محمد باقر قالیباف)، ورئيس السلطة القضائية (غلام حسين محسني إجئي)، على تحضيرات انتخاب الرئيس الجديد.

وخلال هذه الفترة المؤقتة يكون نائب الرئيس قائماً بالأعمال ولا يكتسب صفة رئيس الجمهورية كاملة، وفي هذا السياق تقول المادة 132 من الدستور الإيراني إن "أي شخص عُين بموجب المادة 131، ليقوم بمهام رئيس الجمهورية لا يمكنه استجواب الوزراء أو حجب الثقة عنهم، ولا أن يتخذ أي خطوة لإجراء تغيير في الدستور أو تنظيم أي استفتاء وطني".

والظرف الحالي ليس سابقة في التاريخ الإيراني، فقد واجهت إيران شغوراً رئاسياً مرتين، الأولى كانت في يونيو/حزيران 1981 حين قرر مجلس الشورى "تنحية أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للبلاد بعد الثورة، لعدم الأهلية السياسية".

أما الثانية فكانت حين اغتيل الرئيس الذي خلفه، محمد علي رجائي، في العام ذاته أيضاً بتفجير حقيبة مفخخة.

من الرئيس الإيراني المؤقت؟

انتُخب الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في 2021، وكان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية بعد 4 سنوات من توليه، ولكن وفقاً للظرف الحالي، سيقوم بأعماله محمد مخبر، الذي اختاره "رئيسي" ليكون نائبه الأول، في العام نفسه من فوزه برئاسة الجمهورية.

وُلد مخبر الذي يكبر الرئيس الراحل بنحو خمس سنوات، في الأول من سبتمبر/أيلول 1955، في مدينة دزفول بخوزستان، جنوب غربي إيران، في عائلة محافظة إذ إن والده هو العلامة عباس مخبر من كبار علماء الشيعة في خوزستان.

وفي طفولته أتم الدراسة الابتدائية في دزفول مسقط رأسه بعدها انتقل إلى مدينة الأهواز بالمحافظة نفسها وأنهى فيها المرحلة الإعدادية، ثم حصل على الدكتوراه في القانون الدولي، بعد حصوله على درجتي الماجستير والدكتوراه في إدارة التخطيط، وحصل على البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الشهيد بهشتي بالعاصمة طهران.

وبعد تخرجه، في ثمانينيات القرن الماضي، عمل ضابطاً في الهيئة الطبية التابعة للحرس الثوري، ثم رئيساً تنفيذياً لشركة دزفول للاتصالات بمسقط رأسه في التسعينيات، قبل أن يُعين نائب حاكم محافظة خوزستان. وبعدها تولى رئاسة بنك سينا (قطاع خاص)، وشغل هذا المنصب لمدة عشر سنوات تقريباً.

لم يكن مخبر معروفاً، حتى ذاك الوقت، رغم ما تقلده من مناصب حكومية وإدارية، لكنه ذاع صيته عندما انتقل إلى المؤسسات المقربة من مكتب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي تصف صحيفة "واشنطن بوست" علاقاته معه بالوثيقة.

وبدأت حياته السياسية حين عينه خامنئي في 2007 رئيساً لمؤسسة "ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام" والتي تعني بالعربية "لجنة تنفيذ أمر الإمام" والمسؤولة عن إدارة الأموال والممتلكات المصادرة من نظام الشاه محمد رضى بهلوي.

وتعد واحدة من المؤسسات الاقتصادية العملاقة التي تتبع للقيادة العليا، ولها نشاطات خيرية، إذ تمتلك اللجنة مجموعة من كبرى الشركات والمصانع والمراكز المالية والاقتصادية، قدرتها وكالة "رويترز" قبل 9 سنوات في تقرير لها، بـ95 مليار دولار.

وظل مخبر في هذا المنصب، 14 عاماً، حتى توليه موقع نائب الرئيس في أغسطس/آب 2021.

جهود اقتصادية وحضور لافت

لفتت تقارير إعلامية محلية إلى تركيز مخبر على الشأن الاقتصادي والبحث عن حلول للمشكلات الاقتصادية جراء العقوبات الأمريكية، التي تتعرض لها إيران منذ 2018، وذلك منذ توليه رئاسة لجنة تنفيذ أمر الإمام.

ووصفت تقارير إعلامية باللغة الفارسية مجهوداته بأنها "إدارة شعبية وجهادية وثورية بعيدة عن الفئوية السياسية"، مشيرة إلى أنه من "أنجح المسؤولين" الإيرانيين خلال هذه السنوات.

كما توسعت في عهده مهام اللجنة ونشطت في قطاعات عدة بما فيها الصحة، وأنتجت أول مشروع لقاح محلي مضاد لفيروس كورونا (كوفيد-19) تحت عنوان "كوو إيران بركت".

كما ساهم مخبر في المجال الاقتصادي والسياسي أكاديمياً من خلال عدة مؤلفات، أبرزها، كبار الاقتصاديين في العالم (2013)، أعذار تبرر العقوبة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (2014)، مقاربة للتنمية الاقتصادية والعدالة (2015)، النمو الاقتصادي المتسارع في إيران (2016).

من ناحية أخرى كان نائب الرئيس الراحل حاضراً بشكل ميداني لمتابعة عديد من المسائل الداخلية والخارجية، وزار العديد من الدول ووقّع اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات، ووفق مصادر لوكالة رويترز كان مخبر من فريق المسؤولين الإيرانيين الذي يضم اثنين من كبار مسؤولي الحرس الثوري ومسؤولاً في المجلس الأعلى للأمن القومي، زاروا موسكو في 2021 لتزويد الجيش الروسي بصواريخ أرض-أرض والطائرات المسيرة.

ولم يسلم مخبر هو أيضاً من العقوبات الغربية، ففي عام 2010، فرض الاتحاد الأوروبي عليه مع سبعة إيرانيين آخرين عقوبات بسبب ما زعموه عن "الضلوع في أنشطة نووية وأنشطة للصواريخ الباليستية"، وبعد عامين أزالوا اسمه من القائمة.

أما في 2013، فقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية مؤسسة ستاد و37 شركة تشرف عليها، في قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات الأمريكية.

وقبل 6 أشهر من توليه منصب نائب الرئيس، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مخبر بزعم ما وصفته بـ"دوره المالي في الفساد المنهجي وسوء الإدارة" في إيران.

TRT عربي
الأكثر تداولاً