ﻳﻘﻴﻢ آلاف النازحين ﻓﻲ الشمال السوري ضمن ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺔ ﻣﻜﺘﻈﺔ مترامية الأطراف، ﺗﻔﺘﻘﺪ الظروف الصحية ومقوﻣﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻩ ﻭﻛﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﺷﺒﻜﺎﺕ الصرﻑ الصحي، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻬﺪﺩ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭ وﺑﺎﺀ كورونا المستجد (كوفيد-19)، في ظل العجز عن ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ وﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ إلى اﻠﻤﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﺗﺪﻣﻴﺮ القطاع ﺍﻟﺼﺤﻲ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ.
معاناة جديدة تثقل كاهل النازحين
ينشغل أبو عبد الله بتثبيت خيمته المهترئة بعد العاصفة المصحوبة بالأمطار التي ضربت المنطقة، من دون أن يشغل باله بإمكانية انتشار فيروس كورونا في مخيمه العشوائي الذي أقيم على عجل على أطراف مدينة أطمة الحدودية بريف إدلب الشمالي، ويقول رداً على سؤال حول الإجراءات الاحترازية التي اتخذها لمواجهة كورونا: "نحن مجبرون على ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﺻﺒﺎحاً ﻭﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻣﺴﺎﺀً ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺎمنا ﻟﻜﺴﺐ ﻗﻮﺕ ﻳﻮمنا، ونعتبر الموت بالوباء أفضل من الموت جوعاً داخل خيامنا، كما أننا بالكاد نستطيع أن نؤمّن المياه ومواد النظافة".
إن كان أبو عبد الله لا يلقي بالاً للوباء الذي يتربص بالمخيمات، فإن الكثير من النازحين ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻣﺨﺎﻭفهم ﻣﻦ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ.
أم حسن نازحة من معرة النعمان إلى مخيم بريف سرمدا، أم لخمسة أطفال تكافح لإبعاد وباء كورونا عن أفراد عائلتها، وتحاول أن تحميهم وفق الإمكانيات المتاحة لديها، وعن ذلك تقول: "أمنع أولادي من اللعب خارج الخيمة، كما أحافظ على نظافتهم بالاستحمام بشكل يومي".
تشير أم حسن إلى أنها تعاني من غلاء أسعار المنظفات، أما المعقمات فهي رفاهية صعبة المنال، كما تعاني من ضجر أولادها من الجلوس الدائم داخل الخيمة بسبب انعدام وسائل التسلية، مما يدفعها إلى إجبارهم على ارتداء الكمامات عند الخروج.
بيئة خصبة لتفشّي الوباء
مدير الصحة في إدلب منذر الخليل يقول لـTRT عربي: "يعيش النازحون ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻌﺪﻭﻯ من وباء كورونا، كما أن ﺭﻃﻮﺑﺔ ﺍﻟﺠﻮ ﻭﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻻﺯﺩﺣﺎﻡ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﻢ ﻭﺷﺢ ﺍﻟﻠﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻔﻴﺮﻭﺱ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻇﻬﺮ، كلها مؤشرات ﺳﺘﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﻴﺮﻭﺱ ﻳﻨﺘﺸﺮ بشكل سريع جداً".
ويضيف الخليل: "ندرك تماماً أن قدرتنا على التعامل مع حدوث انتشار انفجاري للوباء في هذه المنطقة هي قدرة محدودة جداً نتيجة إنهاك القطاع الصحي خلال الفترات الماضية بسبب الاستهدافات المتعمدة من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، إذ خسرنا حوالي 76 منشأة طبية خلال عام واحد في منطقة شمال غربي سوريا، مع وجود شح في الموارد المالية وتراجع الدعم المقدَّم من المانحين بشكل عام ونقص في الموارد البشرية المتاحة نتيجة قتل الكوادر الطبية أو اعتقالهم أو هجرتهم بسبب الظروف الأمنية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إضعاف القطاع الصحي، وقدرته على الاستجابة والتعامل مع الكوارث، إضافة إلى واقع المجتمع الهش والظروف السيئة جداً التي يعيش فيها الناس".
يبين الخليل أن 1.2 مليون نسمة هُجِّروا من منطقة جنوب إدلب وبعض أرياف حلب خلال الفترة الماضية باتجاه الحدود منذ أبريل/نيسان 2019، ويذكر أن 60% من هؤلاء الناس استقروا في شمال إدلب و40% استقروا في شمال حلب، أما نسبة إشغال المخيمات الآن فتصل إلى 400% في بعض الأماكن، فبعض الخيم يسكن بها 10 أشخاص أو أكثر من ذلك.
يشير الخليل إلى أن صعوبات هائلة تواجه قطاع الصحة في حال انتشر الفيروس ضمن مناطق شمال غربي سوريا، بخاصة في المخيمات نتيجة الاكتظاظ السكاني الكبير وعدم القدرة على تطبيق العزل المجتمعي وعدم القدرة على تطبيق العزل الطوعي حتى لو ظهرت حالات مشتبه في إصابتها بالفيروس، إذ لا يمكن إجبار المريض على العزل في غرفة بعيدة عن العائلة بسبب الأعداد الكبيرة التي تسكن في الخيمة نفسها.
ويتابع: "ومن الصعوبات الأخرى التي نواجهها هي موضوع قابلية تطبيق إرشادات الوقاية من الإصابة بالفيروس، فمثلاً موضوع الغسيل بالماء والصابون أو بالمطهرات الكحولية لمدة من 20 إلى 40 ثانية على الرغم من أنَّه يعتبر بدهياً وبسيطاً في معظم بلدان العالم، فإنه من الصعب تطبيقه لدينا في ظل عدم توفُّر كميات كافية من مياه الشرب أو مياه الاستخدام العام وبخاصة في مناطق المخيمات، وكذلك موضوع التزام الناس في المنزل وعدم الخروج منه، فإنَّ ذلك سيتطلب منهم تأمين ما يكفي من المواد الغذائية ومياه الشرب وغيرها لفترة أسبوعين على الأقل، وهو أمر أيضاً غير متاح بسبب الفقر وشح المواد الغذائية".
عجز عن المواجهة
اﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﻈﻴﻒ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻓﻲ مخيمات الشمال السوري، ولا ﻳﺰﺍﻝ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻵﻻﻑ ﻳﻌﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ.
مدير اتحاد مخيمات المعرة وسراقب أكرم المصطفى يتحدث إلى TRT عربي عن معاناة النازحين بقوله: "ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ سوء التغذية وتقارُب الخيام وﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﻤﺎﺕ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ وباء كورونا، مما يؤدي إلى وﺟﻮﺩ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﻬﻠﻊ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ".
ويشير المصطفى إلى أن المشكلة تكمن في عدم إمكانية خضوﻉ النازحين ﻷﻱ ﻧﻈﺎﻡ حجر ﺻﺤﻲ لموﺍﺟﻬﺔ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ ﺃﻭ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻨﻈﺎﻓﺘﻬﻢ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﺣﻠّﺖ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﺔ، ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ تعاﻧﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻋﺪﺍﺩ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ وﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﺼﺤﻲ المكشوفة ﻭﺍلافتقار إلى ﺪﻭﺭﺍﺕ المياه".
يؤكد المصطفى قلة الإجراءات الاحترازية التي يقوم بها النازحون بسبب قلة الوعي والتثقيف الصحي، باستثناء البعض الذي اهتم بالنظافة والتزم العزل المجتمعي وعدم الخروج إلا للأعمال الضرورية، فيما يعتقد البعض الآخر أن الوباء لن يصل إلى هذه المنطقة ويقتصر على مناطق سيطرة النظام السوري". مبيناً حاجة المخيمات الماسة إلى حملات توعية صحية تتلاءم وجميع شرائح المجتمع، ناهيك بضرورة توفير اللباس الخاص من كمامات وقفازات، بالإضافة إلى وسائل التعقيم وسلال النظافة، فضلاً عن ضرورة وجود مراكز معزولة بعيدة عن المخيمات للحجر الصحي في حال الشك بوجود إصابة ريثما تظهر نتائج الكشف عن المرض.
الاستجابة للوباء بإمكانيات محدودة
بعد استشعار خطر تفشي فيروس كورونا، اتخذت الجهات القائمة على الشمال السوري إجراءات عدة للوقاية من الإصابة بهذا المرض المعدي، ومنها تعليق الدراسة وإطلاق حملات توعية لتعرفة الناس بطبيعة الفيروس وكيفية انتقاله والاحتياطات الواجب اتخاذها، إضافة إلى تعقيم المرافق العامة والخدمية وبعض المخيمات.
بدأت ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﺻﺤﺔ ﺇﺩﻟﺐ ﺣﻤﻠﺔ ﺗﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﺤﺮَّﺭ، ﻟﻠﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻤﺮﺽ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ ﻭﻃﺮﻕ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻭﻃﺮﻕ ﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ، إذ جرﺖ ﺯﻳﺎﺭﺓ بعض ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ رﻳﻒ ﺇﺩﻟﺐ الشمالي ﺑﻬﺪﻑ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺣﻮﻝ ﺟﺎﺋﺤﺔ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ، ﻭﺃﻛﺪﺕ ﺍﻟﻤﺪﻳﺮﻳﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﺷﺮﻁ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻟﻤﻨﻊ ﻭﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻴﺮﻭﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺨﻄﺮ.
ساهم أيضاً الدفاع المدني في حملات التوعية والتعقيم داخل المراكز الحيوية والمخيمات في الشمال السوري.
منير مصطفى نائب المدير العام بالدفاع المدني السوري يتحدث إلى TRT عربي بقوله: "أﻃﻠﻘﺖ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺇﺩﻟﺐ ﺣﻤﻠﺔً ﻟﺘﻌﻘﻴﻢ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ، مشيراً إلى أن "ﺣﻤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﻢ ﺍﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﺍﻟﻤﺸﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ ﻭﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺃﻭﺿﺢ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺘﺸﻤﻞ ﺍﻟﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎً، بحيث يغطي ﻛﻞ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻤوﺟوﺪ ﻓﻴﻬﺎ".
ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﻢ ﺗﺰﺍﻣﻨﺖ ﻣﻊ ﺣﻤﻠﺔ "ﺧﻠﻴﻚ بالبيت" التي أطلقها ناشطون في محافظة إدلب، وهي ﺩﻋﻮﺓ ﻟﻠﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﻲ.
كذلك منظمة بنفسج أطلقت تدريبات خاصة باستجابة الكورونا شملت عشرات المسعفين المختصين للتعامل مع الحالات المحتملة وتأمين المصابين وآليات التعقيم.
الطبيب وسيم باكير المنسق الطبي الميداني لمنظمة بنفسج يتحدث إلىTRT عربي قائلاً: "دُرِّب 15 ممرضاً و20 مسعفاً من منظومة إسعاف بنفسج، جرى اختيارهم من مراكز إسعاف تتبع المنظمة موزَّعين بين حلب وإدلب، وهي اعزاز وإدلب وجسر الشغور وأرمناز ودارة عزة، وجرى تعريف المتدربين بالأمراض المعدية وطرق مكافحتها، ومرض كورونا والتعريف بالعامل المسبب وخصائصه وأعراضه وطرق الوقاية منه، إضافة إلى الاحتياطات القياسية الدولية للوقاية من الفيروس، ومفهوم التنظيف البيئي وآليات تطبيقه".
ﻣﺄﺳﺎﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗُﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ معاناة النازحين في مخيمات الشمال السوري، فقد تركوا أرزاقهم وفروا من الموت، لتتحول جائحة كورونا إلى كابوس آخر يجثم على صدورهم، ويشارك البرد والفقر والبراميل المتفجرة في قتلهم والتنكيل بهم.