نفذت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية في النهاية تهديداتها التي لوّحَت بها سابقاً باستمرار، وفرضت أول حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، منذ الساعات الأولى لإعلان موسكو تنفيذ هجوم عسكري على أوكرانيا.
ومع ارتفاع حدة التصعيد الروسي وعدم استجابة الكرملين للدعوات الغربية بالتراجع والتفاوض، قررت الولايات المتحدة في خطوة غير مسبوقة فرض مزيد من العقوبات، مستهدفةً هذه المرة الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشملت حتى عائلاتهم، لتضمن تآكل الدعم لبوتين.
ولطالما كانت الأضواء الغربية تُسلَّط بفضول على هذه الفئة المعروفة عالمياً بـ"الأوليغارشية الروسية" التي قدّم أعضاؤها طوال سنوات دعماً كبيراً لسياسات بوتين وتوجهاته.
وبينما يضيق الخناق عليهم اليوم نتيجة العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة عليهم، يثار الجدل ساخناً عما إذا كانوا سيستمرون في تأييد الخطوة العسكرية التي نفذها الرئيس الروسي، متجاهلاً تداعيات قراره، بخاصة على المستوى الاقتصادي.
الأوليغارشية الروسية.. أصدقاء بوتين الأثرياء
على الرغم من أن مصطلح الأوليغارشية يعني في الواقع مجموعة صغيرة من الأشخاص تتحكم في نظام سياسي معين، فإنها باتت تُستخدم اليوم للإشارة إلى مجموعة من الروس فاحشي الثراء، الذين برزوا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991.
فبعد تَسلُّم بوريس يلتسين حكم "روسيا الجديدة"، عقب استقالة ميخائيل غورباتشوف من منصب رئيس الاتحاد السوفييتي، أصبحت الدولة ذات نظام رأسمالي. وبسبب عدم جود ملكية خاصة في ظلّ النظام الشيوعي الزائل، شهدت الدولة خصخصة أملاكها في عدة قطاعات وعلى نطاق واسع.
وتَمكَّن في تلك الأثناء مجموعة من الأشخاص المتنفذين من الاستيلاء على هذه الأملاك بطرق مشبوهة، فبرزت منذ ذلك الحين طبقة من الروس فاحشة الثراء، تمتلك وسائل الإعلام وحقول النفط ومصانع الصلب والشركات الهندسية، وتمكنوا في كثير من الأحيان من التهرب من دفع الضرائب، بفضل العلاقات التي تجمعهم مع مسؤولين حكوميين، وبسبب الأموال التي دفعوها للإداريين والمسؤولين طوال سنوات لتغطية هذه التجاوزات.
وفي حديثه عن هذه الطبقة المثيرة للجدل قال المدير التنفيذي للمعهد الأوكراني للمستقبل فيكتور أندروسيف، في حديث إعلامي سابق، إن "الأوليغارشية ليسوا رجال أعمال حقيقيين، بل مجرد أثرياء، لكن الطريقة التي أصبحوا بها أثرياء مختلفة تماماً عما يحدث عادة في دولة رأسمالية فاعلة".
وأضاف: "لم يؤسسوا شركة، بل وضعوا أيديهم على شركات وأعمال مملوكة للدولة".
وقدمت "الأوليغارشية الروسية" في المقابل الدعم المالي للسياسيين الذين توافق توجهاتهم خياراتهم، وكان أبرزهم بوريس يلتسين، الذي تَسلَّم الحكم لاحقاً. وبنفس الطريقة توافر الدعم اليوم لبوتين، حتى إن كثيراً منهم وُصف بـ"محفظة بوتين".
ويعتقد مسؤولون غربيون كذلك أن الأوليغارشية الروسية لها تأثير كبير اليوم في السياسات الروسية وفي قرارات الكرملين، وبالتالي فإنهم على الأرجح وراء القرار الروسي بغزو أوكرانيا، وهو ما يفسر في جانب منه العقوبات الغربية المفروضة عليهم مؤخراً.
وأفادت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان رسمي بأن "النخب المقربة من بوتين تواصل الاستفادة من قربها من الرئيس الروسي لنهب الدولة الروسية، وإثراء أنفسهم، ورفع أفراد عائلاتهم إلى بعض من أعلى مناصب السلطة في البلاد على حساب الشعب الروسي".
أبرز الأوليغارش الروس حول العالم
تتوزع الأوليغارشية الروسية في عدة دول حول العالم، وتمتلك ثروة طائلة استرعت انتباه عديد من الأطراف، الذين يرون فيهم قوة مالية داعمة للرئيس الروسي وتوجهاته.
وبينما غادر روسيا المعارضون منهم لبوتين، اختار البعض الآخر منهم البقاء على مقربة من بوتين في روسيا، ودعمه. وتضمّ هذه الدائرة عديداً من ذوي الخلفيات العسكرية والخدمة السرية الذين قد يكونون أقلّ ميلًا إلى نشر ثرواتهم دولياً.
ومن أبرز أسماء الأوليغارشية الروسية:
رومان أبراموفيتش
يُعَدّ أبراموفيتش الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، أبرز الأوليغارش المؤثرين، ويملك نادي تشيلسي لكرة القدم، وتقدر ثروته بـ14.3 مليار دولار، يعتقد مراقبون أن أغلب أصولها حصل عليه بطرق مشبوهة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ويعتبر من أبرز الداعمين والأصدقاء المقربين لبوتين، الذي كافأه على ولائه بمنحه حكم ولاية شوكوتوكا البعيدة في الشرق.
سيرجي سيرجيفيتش إيفانوف
هو ابن سيرجي بوريسوفيتش إيفانوف، الرئيس التنفيذي لشركة تعدين الألماس الروسية المملوكة للدولة "ألروزا" وعضو مجلس إدارة Gazprombank، ثالث أكبر مؤسسة مالية في روسيا.
ويُعتبر سيرجي، وهو ضمن من شملتهم العقوبات هذا الأسبوع، أحد أقرب حلفاء بوتين، وشغل سابقاً منصب رئيس أركان المكتب التنفيذي الرئاسي ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في روسيا قبل أن يصبح الممثل الرئاسي الخاص لحماية البيئة والنقل. وخدم إلى جانب بوتين، وأصبح في ما بعد عضواً دائماً في مجلس الأمن بالاتحاد الروسي.
إيفان إيغورفيتش سيتشين
هو ابن إيغور إيفانوفيتش سيتشين الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة ونائب رئيس مجلس إدارة شركة "روسنفت"، إحدى أكبر شركات النفط المتداولة علناً في العالم.
وشغل إيفان، الذي شملته أيضاً العقوبات مؤخراً، منصب نائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي من عام 2008 حتى عام 2012. وساعد في تأمين عديد من الصفقات الضخمة في مجال النفط.
أندريه سيرجيفيتش بوتشكوف
هو مدير تنفيذي رفيع المستوى في VTB Bank، ثاني أكبر مؤسسة مالية في روسيا عوقبت هذا الأسبوع. وكان بوتشكوف يرأس سابقاً عديداً من الشركات والصحف الإعلامية ونادياً لكرة القدم.
وتطول في ذلك قائمة الأوليغارشية المعنيين بالعقوبات الأخيرة، لتشمل عديداً من الأسماء التي طالما تصدرت أعمدة الصحف المالية العالمية. وانبرت في تقديم الدعم لبوتين وسياساته رغم محاولة بعضها الأيام الماضية التنصل من دعم قرار الحرب في أوكرانيا.