تناقلت وسائل الإعلام الدولية صوراً مثيرة للقلق بثّها باحثون في مركز "جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار بولاية كاليفورنيا"، أكّدَت رصد ما يقارب 120 صومعة صواريخ، تشكّل شبكة مترامية الأطراف، يبدو أنها سوف تستخدمها الصين كقواعد إطلاق صواريخ نووية عابرة للقارات.
كما أكد الباحثون بمركز دراسات عدم الانتشار أن بناء الصوامع تم بسرعة مذهلة، إذ قورنت صور الأقمار الصناعية التي التُقطت خلال الأشهر الأربعة الماضية بالصور التي التُقطت خلال مؤخراً، لتتبيّن السرعة "البرقية" التي عملت بها الصين في أثناء تشييدها الصوامع.
وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية الخميس، على لسان روبرت وود السفير الأمريكي في مؤتمر نزع السلاح بجنيف، عن "قلقها البالغ".
وحثّ السفير وود، في أثناء وجوده بمؤتمر نزع السلاح، على خلق قنوات للحوار والتواصل بين القوى المستحوذة على أسلحة نووية، وقال: "من مصلحة الجميع أن تتناقش القوى النووية معاً مباشرة بشأن الحد من المخاطر النووية و(كيفية) تجنُّب سوء التقدير".
نقلة تاريخية
وصفت جريدة واشنطن بوست استحواذ بكين على هذا العدد من الصوامع، المجهزة لإطلاق صواريخ عابرة للقارات تستطيع أن تصل إلى أمريكا في أي لحظة، بأنه "نقلة تاريخية" على حدّ تعبيرها.
وأكدت الجريدة أن "العدد الفعلي للصواريخ الجديدة المخصصة لتلك الصوامع لا يزال غير معروف". ومما يزيد حالة التوتر عدم إفصاح الصين عن أي تفاصيل عن طبيعة ونية تجهيزاتها النووية، واعتمادها سياسات غير شفافة في إدارتها على المستويين الداخلي والخارجي.
وفي أثناء تناقل العالم نبأ الصوامع الصينية الجديدة، أضرم الرئيس الصيني شي جين بينغ النار في الهشيم بتصريحات حازمة في خطاب ألقاه في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي أمام جموع عريضة في بكين. وجاءت تصريحات بينغ بعد يوم واحد فقط من رصد الصوامع النووية، إذ أكد أن بلاده تمضي قدماً في "مسار تاريخي لا عودة فيه"، وأن "عهد الصين التي تتعرض للتنمُّر قد ولّى إلى الأبد".
سرعة تشييد مذهلة ومقلقة
بعد عقد مقارنة لصور الأقمار الصناعية التي التُقطت حديثاً، بمثيلاتها من صور لنفس المواقع خلال الأشهر القليلة الماضية، تَبيَّنت السرعة غير العادية التي سعت الصين بها لإتمام تشييد الصوامع المخيفة، وهو ما يعكس في الوقت ذاته مدى عاجلية الأمر لبكين.
وأقرت شبكة CNN على لسان الباحث جيفري لويس، الخبير في شأن الأسلحة النووية الصيني، بأن الصينيين قد أتموا بناء الصوامع بين ليلة وضحاها، بتعبير مجازي، إذ فحص لويس صور الأقمار الصناعية مع الباحث ديكر إيفيليث مكتشف الصوامع، وقدّرا فترة أعمال بناء الصوامع، غير المكتملة بعد، بنحو ستة أشهر.
وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إلى أن سرعة بكين في تشييد المنشآت الجديدة لم يعد من الممكن إخفاؤها، وأن هذه الخطوة "تسلط الضوء على كيفية انحراف جمهورية الصين الشعبية مرة أخرى عن عقود من (التوافق على) الاستراتيجية النووية القائمة على الحد الأدنى من الردع".
حرب باردة صينية-أمريكية؟
وصف السفير الأمريكي روبرت وود الأسلحة الجديدة التي تسعى الصين لتطويرها بالأمر "المقلق للغاية"، إذ أفاد بأن بينها صواريخ قادرة على بلوغ الولايات المتحدة، وأن انعكاسات ذلك ستكون وخيمة على الأمن والسلم العالميَّين، وأن ذلك سيتسبب حتماً في "تغيير ديناميكيات الاستقرار الاستراتيجي العالمي بالكامل".
ورجع الدبلوماسي وود قلقه البالغ إلى افتقار الصين إلى الشفافية، وأنها "لم تقدّم أي تفاصيل حول ترسانتها النووية". ونفى مزاعم بكين السابقة بأن ما تمتلك من أسلحة يُعتبر "قوة نووية مسؤولة"، وتبتغي أغراضاً دفاعية فقط، فقال إن كل أفعال الصين على أرض الواقع تثبت عكس ذلك.
ويأخذنا الأمر إلى التساؤل أولاً عن أسباب مضيّ بكين قدماً في هذا التسلح المفاجئ والخطير، وفي هذا التوقيت تحديداً.
فمع النظر إلى تحليلات وتقديرات الخبراء الأمريكيين بأن معظم أعمال بناء الصوامع تمت في غضون الأشهر الستة الماضية، يتبين أن الصين أقدمت على هذا الأمر أواخر عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وقُبيل تسلُّم جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض.