تمضي إدارة ترمب قُدُماً في خطتها لتشكيل "ناتو عربي"، تُطلِق عليه "التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط". تتعلَّق الخطة بتشكيل تحالف لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ذي تركيز إلزامي على إيران.
يبدو أن "الناتو العربي" مثيرٌ للخلاف في ظلِّ تصريح ترمب الأخير الذي أدلى به يوم الثلاثاء 2 أكتوبر/ تشرين الأول، وقال فيه إن الملك سلمان "لن يكون هناك (في السلطة) خلال أسبوعين" بدون دعم الولايات المتحدة.
قال ترمب: "إنني أحب الملك، الملك سلمان، لكني قلت "أيها الملك، إننا نحميك. ربما لن تكون هناك لأسبوعين بدوننا. عليك أن تدفع من أجل جيشك، عليك أن تدفع".
يزعم الكتاب الذي ألَّفه الصحفي الاستقصائي بوب وودوارد، وعنوانه Fear: Trump in the White House (الخوف: ترمب في البيت الأبيض)، أن إدارة ترمب تفاوضت على اتفاقٍ بقيمة 4 مليارات دولار مع السعودية لتمويل عملياتٍ في سوريا، حسبما ورد في محادثة مُسرَّبة بين ترمب وجون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض في إدارته.
بالرغم من أن الفكرة الداعية إلى تأسيس نظام أمن عربي على نمط منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليست شيئاً جديداً على الآذان، يُرجَّح أن الدافع وراء هذه المساعي مرتبطٌ بحملة إعادة انتخاب ترمب، حسبما شوهد في تعليقاته الأخيرة فيما يتعلَّق بحليفه السعودي.
يأتي هذا تماشياً مع ضغط ترمب على حليفه السعودي لكبح جماح ارتفاع أسعار النفط ودفع الأموال من أجل الحصول على الدعم العسكري.
قالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية: "اتفق جميع المشاركين على الحاجة لمواجهة التهديدات القادمة من إيران والموجهة إلى المنطقة وإلى الولايات المتحدة".
أشار البيان إلى "مناقشاتٍ مثمرة" حول تشكيل "ناتو عربي"، استناداً إلى "مجلس تعاون خليجي متحد"، بدون ذكر الأزمة الخليجية الجارية.
تصعيد الضغط
جاء الاجتماع بعد أيامٍ من مناداة وزير الخارجية السعودي بالإطاحة بالحكومة الإيرانية، مُؤكِّداً على أنه ليس من المُرجَّح أن تتغيَّر الجمهورية الإسلامية من تلقاء نفسها.
قال الجبير في قمة "متحدون ضد إيران النووية"، التي عُقِدَت الثلاثاء 25 سبتمبر/ أيلول في نيويورك: "إذا لم يكن الضغط داخلياً شديداً للغاية، فلا أعتقد أنهم سوف يفتحون الباب".
حضر القمة أيضاً، يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي؛ وجون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة ترمب؛ ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركية وهو أيضاً رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق؛ إضافةً إلى شخصياتٍ مرموقة من الإمارات والبحرين.
أضاف السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة صوته إلى الجوقة، زاعماً أن التهديد الإيراني كان "وجودياً".
استطرد العتيبة قائلاً: "دول الخليج، وإسرائيل، والدول التي تقع في المحيط المباشر هي التي تواجه خطراً مباشراً"، ليبدو تعليقه محاولة لبناء علاقة مع إسرائيل حول مصلحتهم المشتركة في مواجهة مجال النفوذ الإيراني الجيوسياسي.
لا تعترف دول مجلس التعاون الخليجي الحاضرة بإسرائيل اعترافاً رسمياً، غير أنها قد وجدت على ما يبدو خصماً مشتركاً في إيران.
حتى أن العتيبة نفسه التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مايو/ أيار الماضي خلال "لقاءٍ جاء مصادفة"، حيث تناقشا حول الموضوعات المتعلقة بإيران، حسبما نقلت وكالة AP الأميركية.
وقد دعمت البحرين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها علناً في تغريدة نشرها وزير الخارجية البحريني في مايو/ أيار.
قال المبعوث البحريني، الشيخ عبد الله بن راشد بن عبد الله، مؤيداً هذه التغريدة، بعد أن زعم أن إيران كانت مسؤولة عن التحريض على الحراك الجماهيري الكبير في بلاده: "قد يتذكَّر بعضكم تغريدة وزير خارجيتنا قبل أشهر، عندما قال إن كل بلد لديه الحق في الدفاع عن نفسه، بما في ذلك إسرائيل".
وبينما لا يزال النطاق الحقيقي للانحياز السعودي غير واضح، زعم مصدرٌ دبلوماسي في منتصف سبتمبر أن السعودية ابتاعت نظام دفاع القبة الحديدية الإسرائيلية كي تدافع عن نفسها من الهجمات الصاروخية التي يشنها المُتمرِّدون الحوثيون.
هل يمكن أن ينجح تحالفٌ جديد بالرغم من فشل مجلس التعاون الخليجي؟
يطرح مُحلِّلون أن الناتو العربي الذي اقترحه ترمب لديه "خلل هيكلي"، ودلَّلوا على ذلك بأن مجلس التعاون الخليجي، الذي يشكل نواة هذه المجموعة، عليه أن يصل إلى تسويةٍ لخلافه مع قطر، العضوة الأخرى في المجلس. ويزيد من تفاقم هذا الوضع مقترحٌ يشير إلى "بند دفاعٍ جماعي" من أجل التحالف، بدون إبداء أي تعليق على كيفية عمله في ظل المناخ الحالي.
يعلق يزيد صايغ، وهو باحث رئيس في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: "تعتبر الفكرة الداعية إلى ناتو عربي غير مقنعة على الإطلاق".
ويضيف: "فشل مجلس التعاون مراراً في الاتفاق على تشكيل قدرات دفاعية مشتركة، بل إن السعودية والإمارات لم تكونا قادرتين على شن حرب منسقة تنسيقاً ملائماً في اليمن، لذا فليس ثمة دليل يشير إلى أنهم قادرون الآن على تنظيم شيء طموح مثل الناتو العربي".
بيد أن مجلس التعاون الخليجي لا يشاطر هذا الرأي. إذ يعتقد ظافر العجمي، وهو عقيدٌ متقاعد في القوة الجوية الكويتية، أن التحالف العسكري المقترح يمكن أن يُوحِّد دول الخليج بمستوىً غير مسبوق.
قال العجمي: "تثبت الهياكل العسكرية حول العالم أنها قادرة على تجاوز جميع الحدود السياسية. مثلما تخلت المملكة المتحدة عن ارتباطها الاقتصادي والسياسي بأوروبا، وظلت جزءاً من الناتو".
عندما سُئِلَ عن التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط من أجل كبح جماح نفوذ إيران في المنطقة، قال الصايغ: "يوجد التحالف فعلياً بين دولٍ عربية محددة والولايات المتحدة، من أجل احتواء إيران، على الأقل بحكم الواقع".
وأضاف: "هل هذا فعلاً من أجل إيران فقط؟ في مرحلةٍ ما، تدور الفكرة حول إبعاد إيران عن بقية دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن في مرحلة أخرى، قد يكون أداةً لنبذ بلاد مثل قطر، التي لا يستطيع السعوديون طردها من مجلس التعاون الخليجي أو من جامعة الدول العربية".
في حين أن للسعودية والإمارات مواقف ثابتة من إيران، يمكن أن يقدم التحالف قائمةً من الخيارات الصعبة أمام الكويت وسلطنة عمان، اللتين حافظتا تاريخياً على علاقات جيدة مع إيران وتعاونٍ مع الجمهورية الإسلامية بين الحين والآخر.
تحدث وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن تطورات الموقف، مؤكداً على أن التحالف ينبغي أن يكون ذا أساس قوي. وتساءل عن كيفية تحقق هذا في الوقت الذي لا تزال فيه دول الخليج في حالة نزاع ممتد.
وقال: "يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في تسوية الأزمة الخليجية".
يبدو هذا ذا صلة بلبِّ الموضوع، في ظل التقارير التي تزعم أن السعودية والإمارات خطَّطا لغزو قطر، إلى أن تدخل وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون.
يمكن كذلك أن يعاني الناتو العربي في ظل الاختلاف حول التهديدات المتصورة، وهو ما قد يشكل تحدياً أمام هذا الاتحاد.
أفاد استطلاع المؤشر العربي بأن السعودية والكويت وحدهما تعتبران إيران البلد الأكثر تهديداً للأمن العربي. فيما تعتبر باقي الدول العربية أن إسرائيل والولايات المتحدة هما الأكثر تهديداً.
علاوة على ذلك، تشير الاستطلاعات إلى أن تصوُّرات التهديد الخارجي للعرب تحتل مكانةً متأخرةً أمام المشكلات القائمة المتعلقة بتحديات البطالة والفقر.