تابعنا
يُعدّ التقدّم في العمر أحد العوامل الرئيسية التي تزيد خطر الإصابة بأمراض الخرف، وهو ما يؤدي إلى مضاعفة الأعباء على الأفراد والأسر على حدّ سواء، وينعكس بالنتيجة على الأمن الصحي عالمياً وبشكل تدريجي.

عادة ما يثير مصطلح الخرف قلقاً عند ذكره بسبب فقدان قدرة الإنسان على الإدراك والتفكير، فمن الناحية الإكلينيكية، يُعرف الخرف على أنّه متلازمة سريرية تتميز بتدهور تدريجي في الوظائف الإدراكية، وهذا بدوره يؤثر في الذاكرة والتفكير والسلوك والمزاج.

ويُعدّ التقدّم في العمر أحد العوامل الرئيسية التي تزيد خطر الإصابة بأمراض الخرف، وهو ما يؤدي إلى مضاعفة الأعباء على الأفراد والأسر على حدّ سواء، وينعكس بالنتيجة على الأمن الصحي عالمياً وبشكل تدريجي.

فعلى سبيل المثال، بلغت التكلفة الاقتصادية الناجمة عن مرض خرف العقل لعام 2019 نحو 1.3 تريليون دولار أمريكي على المستوى الدولي، ويعزى 50% من قيمة هذه التكاليف إلى الرعاية التي يقدمها المربّون غير الرسميين من الأهل والأصدقاء إلى المرضى، إذ يبلغ متوسط الوقت الذي يقدّمونه في الرعاية 5 ساعات يومياً.

ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية عن الخرف الصادر 15 من آذار 2023، يعاني أكثر من 55 مليون إنسان حول العالم خرف العقل، يعيش أكثر من 60%؜ منهم في البلاد ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

ويشير التقرير إلى أنّه يُسجّل قرابة 10 ملايين حالة جديدة كل عام، كما أوضح أنّ خرف العقل يعدّ السابع في قائمة الأسباب الرئيسية للوفاة، إضافة إلى أنّه من أبرز أسباب الاعتماد على الآخرين بين فئة كبار السن عالمياً.

ما أهمية نمط الحياة؟

نظراً للمخاطر العديدة الناجمة عن هذا المرض على المستوى الفردي والعالمي، وفي ظل غياب العلاج الدوائي لهذا المرض إلى يومنا هذا، وضع العلماء جلّ تركيزهم على استراتيجيات الوقاية التي من شأنها أن تؤخّر من بداية المرض.

ويعدّ التعديل في نمط الحياة من أبرز هذه الاستراتيجيات. فقد أظهرت الدراسات الاستقصائية أنّ نمط الحياة الصحي الذي يشمل تناول نظام غذائي صحي وممارسة الأنشطة البدنية والترفيهية، يمكن أن يقلل خطر الإصابة بتشوّه الإدراك في سن الشيخوخة.

وبالرجوع إلى الأدلة والإرشادات المتعلقة بالفوائد الصحية لعوامل نمط الحياة الموصى به للوقاية من أمراض الخرف، نجد أنّ هناك 5 سلوكيات صحية لنمط الحياة هذا:

أولاً: اتّباع نظام غذائي يدعى "Mind"، وهو نظام يعتمد على إدراج نظام البحر المتوسط الغذائي إلى نمط الحياة بهدف تأخير التآكل العصبي، وتتنوع الحمية من ورقيات خضراء وخضار وما قد يحتويه طبق السلطة، إضافة إلى الورقيات التي تُطبخ، كما يشمل النظام أنواع التوت والمكسرات وزيت الزيتون والأسماك والدواجن.

ثانياً: الأنشطة الإدراكية، وهي الأنشطة التي تحتاج استخدام العقل والذكاء لمعالجة المعلومات وفهمها، كالتركيز والتفكير والتخطيط وحل المشكلات واتخاذ القرارات.

ثالثاً: الامتناع عن التدخين والمشروبات الكحولية.

رابعاً: ممارسة الأنشطة الرياضية المتوسطة أو الشديدة، فوفقاً للمبادئ الأمريكية للنشاط البدني للبالغين، ينصح بممارسة الأنشطة المعتدلة كالمشي السريع وركوب الدراجة الهوائية لمدة 150 دقيقة في الأسبوع على الأقل أو 75 دقيقة من الأنشطة الشديدة كالجري السريع وممارسة التمارين الرياضية الشاقة والمشاركة في الرياضات التي تتطلب جهداً كبيراً مثل كرة السلة وكرة القدم.

وفي دراسة صدرت عن المعهد الوطني للصحة والمعهد الوطني للشيخوخة NIH وNational Institute on Aging بعنوان: "النمط الحياتي الصحي ومخاطر الخرف (الزهايمر)" أجراها الباحثون على مجموعة من المشاركين، وُجد أنّ المشاركين الذين يتّبعون عاملاً واحداً أو أقلّ من عوامل نمط الحياة الصحية معرّضون إلى خطر الإصابة بالزهايمر أكثر بنسبة 37% من أولئك الذين يطبّقون من ثلاثة إلى أربعة عوامل، وأكثر بنسبة 60% من أولئك الذين يحرصون على تطبيق من أربعة إلى خمسة عوامل من عوامل نمط الحياة الصحية، وهذا يؤكّد الدور الكبير لنمط الحياة في الوقاية من أمراض الخرف.

النظام الغذائي ومخاطر الخرف

معرفة الأطعمة والعناصر الغذائية التي يجب على الفرد أن يتناولها وتلك التي يجب أن يمتنع عنها لتعزيز الحماية العصبية مسألة بالغة الأهميّة، ويعدّ تحديد الأطعمة التي يجب التقليل منها أو الامتناع عنها أمراً حرجاً بعض الشيء.

فبعض منتجات الحيوانات والأطعمة المصنّعة التي تحتوي على ملح ودهون وسكريّات مضافة مرتبطة بخطر الخرف وزيادته.

وأشارت دراسة حديثة إلى أنّ الالتزام بالنظام الغذائي الغربي، وهو نظام غذائي حديث عكف على استبدال الأغذية الصحية والخضراوات باللحوم الحمراء واللحوم المصنّعة والأطعمة سريعة التحضير، يزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، بينما يعزز كل من النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط والنظام الكيتوجيني ومكملات أوميغا-3 والبروبيوتيك الحماية العصبية.

إذ يحتوي النظام الغذائي الغربي على الأطعمة الحارّة والأطعمة المصنعة التي غالباً ما تحتوي على نسب منخفضة من الفيتامينات والمعادن والألياف الموجودة بشكل طبيعي، وبدلاً من ذلك، تحتوي على الحبوب المكررة والدهون المشبعة المضافة والدهون المعالجة بشكل كبير والسكريات واللحوم الحمراء ومنتجات الألبان والأطعمة المقلية.

وحسب تصنيف "نوفا"، وهو نظام تصنيف للأغذية يستند إلى طبيعة ومدى وغرض معالجة الأغذية الصناعية، تُصنَّف بعض الأغذية على أنّها شديدة التصنيع، وتساهم هذه الأطعمة بأكثر من 60٪ من الطاقة في النظام الغذائي الأمريكي.

ويؤدي التصنيع إلى تغيير الدهون الصحية الموجودة بشكل طبيعي، التي قد تكون مفيدة للحفاظ على الإدراك مع التقدم في العمر، ومن جهة أخرى، قد يزيد استهلاك الدهون المتحولة الموجودة في الأطعمة المصنّعة والوجبات السريعة من خطر الإصابة بمرض الزهايمر.

بالإضافة إلى الدهون المتحوّلة، يعمد المصنّعون في الأغلب إلى إضافة السكر والصوديوم، وقد تبيّن أنّ استهلاك السكّر المضاف الشائع في الأطعمة شديدة التصنيع والمشروبات بشكل خاص مرتبط أيضاً بانخفاض القدرة الإدراكية.

في السياق ذاته، اقترح الباحثون مؤخراً أنّ النظم الغذائية الغنيّة بالجلوكوز والفركتوز وشراب الذرة عالي الفركتوز والكربوهيدرات ذات الجلايسيميك العالي والملح يمكن أن تؤدّي إلى ضمور الدماغ وفقدان الخلايا العصبية والإصابة بالزهايمر في نهاية المطاف.

فتناول كميات كبيرة من الملح قد يؤدي، حسب الخبراء، إلى ارتفاع ضغط الدم إلى جانب دوره بالاضمحلال العصبي، فيسهم الصوديوم في اضطراب الأوعية الدموية ويؤثر سلباً في وظائف الإدراك.

استناداً إلى الدراسات، يُتوقّع أنّ تقليل تناول السكريات البسيطة والملح والحفاظ على مستويات مناسبة من الترطيب قد يقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر.

وتشير معظم الدراسات إلى دور نمط الحياة السليم في الوقاية العصبية والحفاظ على الوظيفة الإدراكية وربما الوقاية من الخرف؛ ولهذا، فإنّ مسؤولية الأفراد الأساسية هي وقاية أنفسهم وذويهم من أخطار الإصابة والالتزام بأنماط وسلوكيات سليمة وصحية، والامتناع بالمقابل عن الأنماط السلوكية الضارّة للحفاظ على الصحة العقليّة وإبقاء الدماغ نشطاً لأطول فترة ممكنة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً