فقد لبنان أهمّ أعمدته الفنية، الملحن إلياس الرحباني، يوم الاثنين 04 يناير/كانون الثاني، عن عمر يناهز 83 عاماً، وانتشرت أخبار تفيد بإصابته بفيروس كورونا الذي كان سبباً في وفاته.
مسيرة حافلة بالعطاء الفني
وُلد إلياس الرحباني في عائلة فنية، حيث كان الشقيق الصغير للأخوين الراحلين عاصي ومنصور الرحباني اللذين أشرفا على تنشئته الموسيقية، فكان أول ما أخذه منهما عشقه وحبه للموسيقى.
وتلقى التعليم الموسيقي في البيانو والهارموني والتأليف الموسيقي في الأكاديمية اللبنانية وفي المعهد الوطني للموسيقى، كما تلقى دروساً خاصة طيلة عشر سنوات، تحت إشراف أستاذين فرنسيين.
وقدم الرحباني للساحة الفنية أكثر من 2500 أغنية ومعزوفة، وألّف موسيقى تصويرية لنحو 25 فيلماً، فغنى له أشهر الفنانين والمطربين في العالم العربي مثل فيروز ووديع الصافي وصباح وماجدة الرومي وغيرهم.
امتدت مسيرته الفنية طيلة أكثر من ستين عاماً، تنوعت فيها ألحانه بين الرومانسية والكلاسيكية والشعبية والساخرة وحتى موسيقى للأطفال والموسيقى الأجنبية، فكان الموسيقي والملحن والموزع وكاتب الأغاني وقائد الأوركسترا.
ومن المثير في مسيرة الرحباني الفنية شدة إصراره ونجاحه رغم ما تَعرَّض له من صعوبات، فرغم الحادث الذي تعرض له وتسبب في إصابة إصبعه التي منعته من العزف وأدت إلى تخلي الأستاذ عنه، تَوجَّه إلياس إلى تأليف المقطوعات التي عرفتها أهمّ المسارح العالمية واشتهر بها عمالقة الفن في العالم العربي.
فاعتبره الكثيرون من نجوم الساحة الفنية، عبقري التلحين الذي أثرى الموسيقى العربية خلال القرن العشرين.
وغنت له المطربة اللبنانية فيروز أشهر أغانيها، وكان أولها "أوضة منسية" و"حنا السكران" و"يا لور حبك" و"يا طير الوروار" و"بيني وبينك"، التي لاقت نجاحاً وانتشاراً كبيرَين.
كما لحن للفنانة اللبنانية صباح "كيف حالك يا أسمر؟" و"شفته بالقناطر" و"يا هلي يابا"، وامتدت ألحانه إلى أشهر الفنانين والمغنّين، وحازت على إعجاب كثيرين.
وقام الرحباني بإنتاج وتأليف عدة مسرحيات، منها "وادي شمسين" و"سفرة الأحلام" و"إيلا".
وحصل بذلك إلياس الرحباني على عديد من الجوائز، منها جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية، وجائزة عن مقطوعة "الحرب انتهت" من مهرجان أثينا سنة 1970، وشهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلامي بالبندقية في السبعينيات، أما سنة 2000 فكرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدرجة الدكتوراه الفخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.
لم يتوقف الرحباني عن العزف وتأليف السمفونيات حتى في أصعب الأوقات وأحلكها، إذ شارك في موسيقى مسلسل"أربع مجانين وبس"سنة 1982، أي خلال الحرب الأهلية بلبنان.
ولم يَثنِه عن العطاء الفني بعد ذلك إلا اشتداد المرض عليه لفترة طويلة، ليُحدِث بذلك فراغاً كبيراً في الساحة الفنية.
حزن شديد لفراق الموسيقار الكبير
ونَعَت شخصيات شهيرة من الوسط الفني والسياسي الملحن إلياس الرحباني، واعتبرت وفاته خسارة كبيرة للساحة الفنية في لبنان والعالم العربي.
وتعليقاً على وفاته قال رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون:"اليوم، لم يغِب عنّا، بل انتقل من تراب لبنان ليعانق أبدية وطن ما رآه إلا وطن الجمال والحقّ، وما غنّاه إلا حلماً و(هدايا في العلب).. ستبقى موسيقى وأغاني الراحل الكبير شاهدة على (أن الفن الأصيل وحده ينتصر على الموت)، على ما كان يردّده دائماً".
وفي تغريدة له على حسابه على تويتر قال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري: "إلياس الرحباني غصن آخر من الشجرة الرحبانية يهوي بعد مسيرة حافلة في الإنتاج الموسيقي الراقي. أحرّ التعازي لزوجته وأولاده وعموم عائلته ومحبيه".
وقال في وفاته الناقد الفني جمال فياض: "رحل إلياس الرحباني... رحلت الضحكة العبقرية والموسيقى الخالدة على مرّ الزمن... رحل الصديق الحبيب الذي ما تنفس إلا حباً وجمالاً وطيبة وأنغاماً... رحل جزء جميل من مجد لبنان".
كما نعاه العديد من الفنانين، وفي تغريدة لها على تويتر قالت الفنانة كارول سماحة: "رحل الآن كبير من بلاديوأخذ معه أجمل حقبة موسيقية في تاريخ الأغنية اللبنانية، وداعاً إلياس الرحباني، شكراً لعطائك ولوفائك لوطننا لبنان".
وقالت نقابة الفنانين المحترفين في لبنان: "مع فيض الأسى في القلوب، والحزن في العيون، تنعى نقابة الفنانين المحترفين في لبنان المبدع الكبير، فقيد لبنان، وسيّد ساحات الإبداع في الوطن العربي والعالم، أمير اللحن والوتر الموسيقار إلياس الرحباني، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته".
واعتبر الإعلامي اللبناني نيش ان موت الرحباني رحيلاً للحلم:"عاصي ومنصور... وإلياس... راحوا... كانوا حلم... وراحوا. رحم الله إلياس الرحباني".
أما السيدة فيروز التي اشتهرت ألحان الرحباني بأغانيها أكثر، والتي يُعتبر رفيق درب مسيرتها الفنية، فنعته بنشر مقطع فيديو يظهر فيه زوجها الراحل عاصي الرحباني مع شقيقه إلياس وهما يلحّنان معلقة "هجروا الأحبة الحارة.. ليش البكي"، لتكون أول مَن أعلن خبر رحيل الموسيقار الكبير.
رحل الرحباني مخلفاً وراءه فراغاً فنياً كبيراً، شهد له به الجميع، ومثيراً حزناً شديداً في قلوب محبيه، وتبقى أعماله المتنوعة مخلَّدة فترة إبداع فني منذ الأخوين الرحباني، وشاهدة على عطائه الممتد لأجيال من الفنانين والمغنين.