جاء ذلك ضمن حلقة خاصة في برنامج "للقصة بقية" على قناة الجزيرة القطرية مساء الخميس.
المذهان، الموظف المنشق عن النظام، نشر صورا ًلنحو 11 ألف جثة لأشخاص قُتلوا تحت التعذيب في الفترة بين مايو/أيار 2011 وأغسطس/آب 2013، كشفت عن أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في سجون النظام السوري المنهار.
وفي إفاداته المعلنة للمرة الأولى، قال المذهان المنحدر من درعا جنوبي سوريا، إن "أوامر التصوير وتوثيق جرائم نظام بشار الأسد تصدر من أعلى هرم السلطة للتأكد من أن القتل ينفذ فعلياً".
وتابع: "أول تصوير لجثث معتقلين كان بمشرحة مستشفى تشرين العسكري لمتظاهرين من درعا في مارس/آذار 2011".
وأضاف: "أماكن تجميع وتصوير جثث ضحايا الاعتقال كانت في مشرحة مستشفيي تشرين وحرستا العسكريين بدمشق".
ولفت إلى "تحويل مرأب السيارات في مستشفى المزة العسكري لساحة تجميع الجثث لتصويرها مع ازدياد عدد القتلى".
وأوضح أن "قادة الأجهزة الأمنية كانوا يعبرون عن ولائهم المطلق لنظام الأسد عبر صور جثث ضحايا الاعتقال".
وأشار إلى أنه "في بداية الثورة السورية كان عدد الجثث من 10 إلى 15 يومياً لتصل إلى 50 في اليوم".
وفي ذات السياق كشف المذهان عن أن "النظام كان يكتب أن سبب وفاة من قتلهم هو توقف القلب والتنفس".
ومضى يقول: "عمليات ابتزاز ممنهجة مورست ضد آلاف من أهالي المعتقلين دون الحصول على أي معلومات".
وعن خطواته في تسريب الوثائق قال: "كنت أملك هوية رسمية عسكرية وهوية مدنية مزورة للتنقل بين مقر عملي بدمشق وإقامتي في مدينة التل".
وزاد: "عملية تهريب الصور كانت تجري بشكل شبه يومي من مقر عملي في دمشق إلى مقر سكني بمدينة التل".
وأردف: "كنتُ أتعرَّض للتفتيش في مناطق سيطرة النظام وفي منطقة سيطرة الجيش الحر".
واستطرد: "كنت أخبّئ وسائط نقل الصور في ثيابي وربطة الخبز وجسدي، خوفا ًمن التفتيش على الحواجز الأمنية، وعملية تهريب الصور جرت بشكل شبه يومي قرابة 3 سنوات".
واعتبر أن "قرار الانشقاق (عن النظام) كان لدي منذ بداية الثورة، لكن أجلته لأتمكن من جمع أكبر عدد من الصور والأدلة".
وعن لقبه وعلاقته بقانون "قيصر" الذي فرضته الولايات المتحدة عام 2019 على بلاده ودخل حيز التنفيذ عام 2020، طالب المذهان واشنطن بإلغاء القانون ورفع العقوبات عن الشعب السوري.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، قانون "قيصر" لمعاقبة النظام السوري السابق ورئيسه على جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين.
ويتضمن القانون سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، ويستهدف معاقبة الأسد وحرمانه من مصادر التمويل، ليعود إلى مفاوضات تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة بسوريا، الجارة الشمالية للأردن.
أما عن كيفية خروجه من سوريا فقال المذهان: "خرجت عبر الأردن إلى قطر، وهناك جهّز مكتب محاماة ملفي من أجل محاسبة النظام السوري".
وقال إنه يعيش حالياً مع عائلته في فرنسا، لافتاً إلى أنه للاحتياطات الأمنية حوله، حُرم من العيش الطبيعي، وحتى الالتحاق بدروس تعلم اللغة، على حد تعبيره.
ودعا حكومة بلاده الجديدة إلى "فتح محاكم وطنية تلاحق وتحاسب مرتكبي جرائم الحرب".
ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أفادت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بأن الممارسات غير القانونية مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري استُخدمت "بمنهجية لقمع المعارضة" في أثناء حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
جاء ذلك في تقرير نشرته اللجنة التابعة للأمم المتحدة بعنوان "شبكة الألم: الاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة في الجمهورية العربية السورية" بعد إجراء مقابلات مع آلاف الشهود بشأن التجاوزات التي حدثت في عهد نظام الأسد المخلوع.
وذكر التقرير: "استخدمت الحكومة السورية السابقة (نظام الأسد) الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري بمنهجية لقمع المعارضة، وتشكّل هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وبعض أسوأ الانتهاكات المنهجية للقانون الدولي المرتكبة في النزاعات".
ولفت إلى إطلاق سراح المعتقلين من غرف التعذيب بعد الإطاحة بالنظام السابق، مبيناً أن هذا يشير إلى "تغير للسوريين لم يكن من الممكن تصوره قبل شهرين".
وأكد التقرير أن الانتهاكات المتعلقة بالاعتقالات في عهد الأسد "صادمة للشعب السوري"، لافتاً إلى أن "الألم مستمر لدى عشرات آلاف العائلات التي لم تتمكن من العثور على ذويها المفقودين بين المعتقلين المفرج عنهم".
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق، لينتهي بذلك 61 عاماً من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي اليوم التالي أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الذي أصبح رئيساً للبلاد منذ أسبوع، تكليف محمد البشير تشكيل حكومة لإدارة المرحلة الانتقالية.