حماس بعد استشهاد السنوار.. قوة التنظيم في مواجهة غياب قائده
أعلنت حركة حماس، اليوم الجمعة، استشهاد رئيس المكتب السياسي لها يحيى السنوار، في اشتباك خاضه ومرافقوه مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
السنوار وهنية في فعالية لحركة حماس بمدينة غزة / صورة: Reuters (Reuters)

سلَّط استشهاد السنوار الضوء على قدرة حركة حماس على التكيف مع عمليات الاغتيال الإسرائيلية لصفها القيادي، فخلال السنة الماضية فقدت الحركة عدداً من قياداتها العسكرية والأمنية والسياسية، وعلى رأسها رئيس الحركة ونائبه.

لدى حركة حماس تاريخ طويل من فقدان قياداتها المركزية بالفتل أو بالاعتقال منذ بداية تأسيسها، لكنها تمكنت من مواصلة مسيرتها بفضل ثلاثة عناصر أساسية، حسب الخبراء، هي: الخبرة التاريخية في التكيف مع الضربات، وقوة التنظيم وقدرته على تجديد كوادره، وتمثيل الحركة تياراً اجتماعياً قوياً في المجتمع الفلسطيني.

الخبرة التاريخية

تعرضت حركة حماس في المراحل الأولى لتأسيسها عام 1987 لعدد من الحملات الأمنية التي استهدفت كوادر وقيادات التنظيم، فبعد سنتين من انطلاقة الحركة اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة وقائدها، رفقة الجزء الأكبر من قيادات الحركة في الضفة وغزة.

وعلى مدار سنوات التسعينيات، استمرت الحركة في تلقي الضربات بالاعتقال والإبعاد كما هو الحال مع إبعاد الجزء الأكبر من قيادات وكوادر الحركة إلى مرج الزهور في لبنان عام 1992، لكنَّ ذلك لم يمنع الحركة من البقاء والاستمرار والمشاركة بفاعلية في فعاليات الانتفاضة الثانية 2000.

شهدت سنوات الانتفاضة الثانية أوسع عملية تصفية لقيادات الحركة، فخلال الفترة ما بين 2002 و2004 استُشهد القيادي صلاح شحادة، والقيادي إسماعيل أبو شنب، والقيادي إبراهيم المقادمة، ورئيس الحركة ومرجعيتها الروحية الشيخ أحمد ياسين، وبعده قائدها عبد العزيز الرنتيسي. كما أُسر عدد من قيادات الحركة في الضفة الغربية كإبراهيم حامد، وعباس السيد.

وبعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية ثم حكمها قطاع غزة في 2007، فقدت الحركة عدداً من قادتها، كالشيخ نزار ريان في 2009، ووزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية سعيد صيام 2009، والقيادي الكبير أحمد الجعبري في عام 2012، والقادة العسكريين رائد العطار ومحمد أبو شمالة ومحمد برهوم عام 2014، ولاحقاً الشهيد باسم عيسى في 2021.

سلسلة الاغتيالات الكثيرة التي تعرضت لها الحركة على مدار تاريخها مكَّنتها من تطوير آليات لتعويض هذا الفقدان، والحد من تأثيره على البناء التنظيمي واستمرار الحركة في دورها السياسي والعسكري.

قوة التنظيم

تمتلك حركة حماس تنظيماً قوياً على المستوى الأفقي والعمودي. أفقياً التنظيم موزَّع على ثلاثة أقاليم جغرافية: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والخارج. هذا التوزيع ساعد الحركة على تجاوز أثر الاغتيالات والضربات، ومكَّنها من الصمود في محطات عدة.

ففي الوقت الذي كان التنظيم في الضفة الغربية يعاني الملاحقات الإسرائيلية بعد عام 2007، كان تنظيم غزة قادراً على أخذ المبادرة وإسناده إعلامياً ومادياً وسياسياً، وفي الوقت الذي كان فيه تنظيم غزة يخوض الحروب مع الاحتلال في الأعوام بين 2008 و2023 كان التنظيم في الخارج قادراً على إسناده سياسياً وإعلامياً.

إلى جوار الانتشار الخارجي، يمتلك تنظيم حركة حماس بناءً هرمياً من مستويات متعددة يخضع بشكل دوري للتجديد عبر عملية انتخابية، تشمل بناه المختلفة التنفيذية والتشريعية "الشورى"؛ فيحيى السنوار فاز برئاسة حركة حماس في قطاع غزة في مناسبتين؛ الأولى عام 2017 والأخرى عام 2021، وكذلك الأمر مع إسماعيل هنية. وتحت هذ الجسم التنفيذي مجالس شورى موزَّعة على المناطق المختلفة.

هذا الأمر وفَّر للحركة آليات تنظيمية واضحة لعمليات التصعيد والارتقاء، وأتاح ذلك إيجاد عدد من الشخصيات القيادية التي يمكن لها تولي المسؤولية وتغطية الفراغ الناتج عن غياب أي من الشخصيات القيادية.

الحركة كقوة اجتماعية

تمكنت حركة حماس من بناء كتلة اجتماعية صلبة بنتها الحركة من خلال مؤسساتها الاجتماعية والجماهيرية التي تنشط في المجتمع الفلسطيني. وجود هذه الحاضنة الاجتماعية مكَّن الحركة في مراحل مختلفة من تجاوز آثار الضربات الأمنية التي تعرضت لها.

فحتى في الأوقات التي تعرض فيها التنظيم للإنهاك والتراجع وفرت هذه الحاضنة الدعم والإسناد للحركة، كما جرى في الضربات التي تلقتها الحركة في عام 1989 وفي تسعينيات القرن الماضي.

يضاف إلى ذلك أن الحركة تمتلك خطاً سياسياً واضحاً يتمثل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاقتها، هذا الأمر وإن شكَّل عبئاً على الحركة إلا أنه مكَّنها من تكوين آليات للتعامل مع مقتضيات المواجهة، كما أنه حماها على المستوى السياسي وحال دون ظهور خلافات بينية.

صف قيادي

منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقدت حركة حماس عدداً من القيادات السياسية والعسكرية على رأسهم الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخليفته يحيى السنوار. ومع ذلك ما زالت الحركة تحتفظ بعدد من قياداتها السياسيين بدءاً من رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، ورئيس الحركة في غزة الدكتور خليل الحية، ورئيس إقليم الضفة الغربية زاهر جبارين، ورئيس مكتب العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق، وعدد من أعضاء المكتب السياسي.

وعسكرياً ما زالت إسرائيل عاجزة عن الوصول إلى عدد من القادة العسكريين في قطاع غزة، كمحمد السنوار قائد لواء خان يونس السابق وعضو المجلس العسكري لكتائب القسام، ومحمد شبانة قائد لواء رفح، وقائد لواء غزة عز الدين الحداد.

حضور الصف السياسي والعسكري في حركة حماس، والخبرة التاريخية في التعامل مع حالات الاغتيال المشابهة يمكناها من تجاوز الضربة التي تعرضت لها باغتيال رئيس مكتبها السياسي وأحد أهم قادتها التاريخيين يحيى السنوار.

TRT عربي