تستعدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي لإجراء معركة انتخابية عامة، وذلك للمرة الرابعة خلال عامين، ليكون السؤال المطروح الآن: هل تتحرك المياه الراكدة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا سيما بعد سنوات طويلة شهدت خلالها جولات عقيمة بين الطرفين أدّت في نهاية المطاف إلى دفن ما يُسمَّى بملف التسوية إلى أجل غير مسمَّى.
منذ أبريل/نيسان 2014، توقفت المفاوضات بين الجانبين رغم الضغوط الأمريكية، جراء رفض تل أبيب وقف الاستيطان، والإفراج عن معتقلين قدامى، وتنصُّلها من خيار حل الدولتين، المستند إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
عقبات قديمة
تدرك الإدارة الأمريكية الراعية لملف المفاوضات جيداً صعوبة العقبات التى تعترض طريق التفاوض كلما حدث أي تقدُّم في بعض ملفاتها، كما تعلم جيداً السلبيات المترتبة على استمرار حالة الفراغ السياسي في المنطقة.
وهنا لا بد من تسليط الضوء على مصير ملف التسوية المتوقف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بخاصة مع التطورات السياسية التي شهدتها الساحة الأمريكية مؤخراً بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.
فمن المتوقع أن تواصل السياسة الأمريكية في عهد بايدن خطوطها العامة الرئيسية تجاه القضية الفلسطينية، تحديداً في ما يتعلق بملف التسوية، مع بقاء الكيان الإسرائيلي حجر الزاوية في هذه السياسة، إذ إن إدارة ترامب السابقة ضيقت الخناق كثيراً على السلطة الفلسطينية وأقدمت على إجراءات تعسفية بحقّ الفلسطينيين، إذ نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، وموقفها من المستوطنات بالضفة ووقفها المساعدات المالية للسلطة بما قطع شريان المفاوضات.
كذلك أطلقت مبادرة سلام عُرفت بـ"صفقة القرن" في يناير 2020، وهي خطة تنصّ على ضمّ نحو 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن إلى "السيادة الإسرائيلية الكاملة"، لكن هذه الخطة الأمريكية جوبهت بردود فعل وانتقادات واسعة وتحذيرات من إدخال المنطقة حالة عدم استقرار، مما دفعه إلى تعليقها مؤقتاً دون وقفها كلياً.
بعض الدراسات الدولية أشار في قراءته السياسية إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن ستسعى جاهدة لإطلاق حراك سياسي في المنطقة لإعادة الحياة إلى مسار المفاوضات، ولو كانت لا تراهن على فرص نجاحها.
سلطة عباس تخشى الانحياز والدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية الحالية من المؤكد أنها ستحاول إدارة العلاقة بين الطرفين بما يخدم المشروع الإسرائيلي بشكل أفضل.
مماطلة واضحة
رغم هذه التطورات فللحديث عن المفاوضات غياب واضح في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، في حين نجد المسؤولين فلسطينيين قد أبدوا استعدادهم للعودة إلى المفاوضات وإن كان بشروط.
وبالعودة إلى الوراء كثيراً، نجد أنه منذ خارطة الطريق للسلام عام 2003 كان المخطط الحالي لاتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي هو حل الدولتين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التى وقعت منذ عام 1993م، امتازت بتمسك المفاوض الفلسطيني بكامل حدود مدينة القدس التي احتُلّت عام 1967م، على غرار باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة) واعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية، إلا أن الجانب الإسرائيلي استمر بالمماطلة في تحديد وضع القدس، بخاصة الأماكن المقدسة.
لتتفجر هذه المفاوضات آنذاك عندما رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ما طرحه الوفد الإسرائيلي برئاسة إيهود باراك رئيس الوزراء السابق، حول ملف القدس ومسألة السيادة على الأماكن المقدسة. ومنذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م، يرى بعض الفلسطينيين أن ذلك الاتفاق تَضمَّن رغم سوئه، قبول إسرائيل للمرة الأولى بطرح مستقبل القدس للتفاوض، وإن كان إلى أجل لاحق، ضمن ما يُعرف بالقضايا المؤجلة لمفاوضات المرحلة النهائية.
احتمال ضعيف
يرى محللون أن بايدن على الرغم من مواقفه الداعمة لإسرائيل سيمثّل حلّاً أفضل للفلسطينيين، لا سيما بعد إعلانه بشكل واضح أنه سيعيد استئناف المساعدات إلى الفلسطينيين، وسيعمل على إعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات. كما يتوقع البعض الآخر أن يلجأ بايدن إلى سياسة التصالح مع الفلسطينيين، فقد يعيد افتتاح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن الذي أغلقته إدارة ترامب.
من جهته، يقلّل الباحث السياسي إبراهيم المدهون احتمالية عودة جديدة إلى المفاوضات مع الاحتلال خلال الفترة القادمة، قائلاً: "مسار المفاوضات وصل إلى طريق مسدود، وخارطة الطريق أنهت كل أنواع مسارات التسوية".
وتابع المدهون حديثه لـTRT عربي قائلاً: "حتى اللحظة لم تظهر أي دعوة أو تشجيع من الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى المفاوضات، فعلى الأرض وقائع شهدتها المنطقة مؤخراً أهمّها إعلان القدس عاصمة للاحتلال ومحاولات ضمّ الضفة وغيرها تضعف أي احتمال للعودة إلى التفاوض".
وأضاف المدهون: "أعتقد إذا استُسلم للوقائع التي نفذتها اسرائيل وترامب، من الصعب الضغط على السلطة للسير في مسار التفاوض"، مؤكداً أن القضية الفلسطينية ليست في أولويات بايدن الآن لانشغاله بالملف الإيراني والصراع الاقتصادي في آسيا. وأشار في الوقت ذاته إلى أن بايدن منشغل في معالجة الآثار السلبية التي خلفتها إدارة ترامب السابقة، لافتاً إلى أن المفاوضات أمر أعقد من الحالة الفلسطينية في هذه الفترة.
وحسب الباحث المدهون فالاحتلال تقوده حكومة يمينية متطرفة ومتشددة، قائلا: "هذه الحكومة ترفض المفاوضات وصفقة القرن وتريد الاستيلاء على الضفة بشكل كامل ولا تعترف بالوجود الفلسطيني".
ويؤكّد في السياق ذاته أن استطلاعات الرأي للانتخابات القادمة سيكون المتقدم بها من اليمين الإسرائيلي، قائلاً: "المجتمع الإسرائيلي يجنح إلى التطرف، فالانتخابات القادمة ستأتي بما هو أكثر تطرفاً من السابق، وهذا يدلّ على أن الاحتلال غير معنيّ بالمفاوضات ولا يعترف بوجود شريك فلسطيني".
في السياق ذاته، لفت الباحث المدهون إلى أن الحكومة الإسرائيلية ما يهمّها هو التعامل مع حالات الانقسام وابتلاع الضفة الغربية وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها، قائلاً: "إسرائيل اليوم تفكّر في كيفية التخلص من 2.5 مليون شخص داخل أراضي 48، فنحن الآن أمام حكومة متطرفة لا أعتقد أنها ستطالب بمفاوضات".
ولفلسطين أيضاً تاريخ من الإتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، منذ تسعينيات القرن الماضي، وإن ظلت اتفاقية أوسلو الأولى عام 1993 هي الأهم.
وتُعَدّ "أوسلو 1993" أول اتفاقية وقّعها الفلسطينيون بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، والإسرائيليون بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، في سبتمبر/أيلول بواشنطن.
وفي العام التالي مباشرة، وُقّعَت اتفاقية ثانية حملت اسم "غزة-أريحا"، وتضمن الخطوة الأولى لانسحاب إسرائيل من تلك المنطقتين وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها.
وعقب ذلك حلّت اتفاقية طابا (أوسلو الثانية)، التي وُقّعت في المدينة المصرية يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995، ومثلت المرحلة الثانية من انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية.
وبحلول عام 2002، أُزيحَ الستار عن اتفاقية خارطة الطريق التي أعدتها اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، وركزت على إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
فهل تؤدي هذه التطورات إلى تحقيق سلام مفقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟