جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلب تجنيد آلاف فوراً.. الأسباب والتداعيات
قبل أيام كشف جيش الاحتلال أن نحو 30 ألف جندي اتصلوا بالخط الساخن للصحة النفسية التابع له منذ بداية الحرب، ولفت إلى أنه جرى تسريح نحو 200 عسكري من الجيش بسبب المشكلات النفسية التي لحقت بهم على خلفية الحرب.
A tank maneuvers near the Israel-Gaza border in southern Israel / صورة: Reuters (Reuters)

ألقى هجوم "طوفان الأقصى"، وما تبعه من حرب إسرائيلية مستمرة على قطاع غزة، بثقل على جيش الاحتلال وفتح باب النقاش واسعاً أمام كفاءته وفعاليته والسياسة التي ينتهجها بتعزيز حضور التكنولوجيا وتقليص العنصر البشري.

وفي ظل التطورات المتلاحقة، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن "هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في حاجة ماسة إلى إضافة 7500 ضابط وضابط صف آخرين"، نصفهم تقريباً سيخدم في مواقع قتالية، في وقت توافق وزارة المالية على 2500 فقط.

ويُضاف هذا العدد المطلوب إلى الجنود المقرر لهم الالتحاق بالدورات القادمة -وفق الصحيفة- التي قالت إن تلك الأرقام "غير مسبوقة" وتشير إلى "الصدمة التي أصابت الجيش بعد 150 يوماً من القتال، الذي بدأ بخسائر كبيرة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".

الصحيفة العبرية أبرزت أسباباً وراء طلب التجنيد الفوري، من بينها مقتل وإصابة آلاف جسديّاً ونفسيّاً، وسقوط عديد من القادة في المعارك وضرورة تعيين بدلاء لهم.

وحسب آخر الأرقام المعلنة، فقد وصلت خسائر جيش الاحتلال إلى 590 قتيلاً منذ هجوم "طوفان الأقصى"، وأكثر من 249 قتيلاً منذ بدء العملية البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول، فيما تقول المقاومة في غزة إن هذه الأرقام "لا تعكس الحقيقة".

واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه من بين القتلى 4 من قادة الألوية و39 قائد فصيل و13 قائد سرية و6 ضباط يحملون رتبة مقدم، إضافة إلى ضابط أركان حرب.

وقبل أيام كشف جيش الاحتلال أن نحو 30 ألف جندي اتصلوا بالخط الساخن للصحة النفسية التابع له منذ بداية الحرب، ولفت إلى أنه جرى تسريح نحو 200 عسكري من الجيش بسبب المشكلات النفسية التي لحقت بهم على خلفية الحرب.

"نشوء وضع جديد"

وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن "السبب الأهم وراء احتياجات الجيش الإسرائيلي، هو التكيف الحتمي مع الوضع الجديد الذي نشأ إثر الحرب"، إضافة إلى وجود خطة لإنشاء فرقة دون دروع، ووسائل أخرى لتوفير استجابة سريعة للتهديدات، إضافة إلى تعزيز الدفاع البري للقواعد ضد الهجمات المفاجئة.

بموازاة ذلك، أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، أنه لن يسمح بتقديم قانون التجنيد الهادف إلى إلزام اليهود المتشددين "الحريديم" الخدمة العسكرية بالجيش، دون الحصول على موافقة جميع الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي.

وتزامنت التصريحات مع خطة الوزيرين في مجلس الحرب، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، التي تقضي بتجنيد اليهود المتشددين بالجيش، في وقت تعارض الكتل الحريدية، المتمثلة في حزب "شاس" برئاسة أرييه درعي وحزب "يهودية التوراة" برئاسة موشيه غافني، قانون التجنيد.

خطة لم تعد مُجدية

ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، إن خطة جيش الاحتلال الإسرائيلي في التسعينيات التي عُرفت بـ"خطة باراك"، التي تقضي بتحويله إلى جيش صغير ذكي مهني، معتمداً على وحدات خاصة ثم سلاح الجو، لم تعد مُجدية في ظل ما كشفته الحرب الحالية.

ويوضح شديد في حديثه مع TRT عربي أن عدداً كبيراً من جنود الاحتلال لم يعودوا قادرين على الخدمة، خصوصاً أولئك المصابين نفسيّاً أو جسديّاً وأولئك الخائفين والهاربين من الخدمة، يُضاف إليهم قتلى الجيش.

ويشير إلى أنه أصبح واضحاً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بات في حاجة إلى قوى بشرية، إذ لم يكن يتوقع في أسوأ أحواله أن يقاتل 150 يوماً بشكل متواصل في معارك برية ضارية.

ويضيف شديد أن ما عمَّق الأزمة لدى جيش الاحتلال جبهة المساندة التي فتحها "حزب الله" اللبناني، قائلاً إنها "شكّلت ضربة قوية أفشلت منظومة الردع الإسرائيلية وشغلت الجيش واستنزفته بوجود 100 ألف جندي على الجبهة الشمالية غير قادرين على حماية أنفسهم أو المستوطنات الشمالية، وغير قادرين أيضاً على ترك المنطقة والذهاب إلى غزة".

وحول تجنيد اليهود المتدينين، يعتقد الخبير في الشأن الإسرائيلي أنه لن يشكّل حلّاً سريعاً للأزمة الحالية، لأن هؤلاء الجنود لا يمكنهم العمل بنفس ظروف الجنود العلمانيين، مثل العمل يوم السبت أو الأعياد أو وجود مجنّدات أو نوعية الأكل، لافتاً إلى أنه يمكن شغلهم وظائف مكتبية بالجيش ونقل المكتبيين إل مهمات ميدانية وقتالية.

أسباب سياسية محلية

بدوره يعتقد الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد إلياس فرحات أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ليس في حاجة إلى موارد بشرية جديدة، إذ إن عدده وصل إلى 525 ألفاً بعد استدعاء الاحتياط في 8 أكتوبر/تشرين الأول.

ويضيف فرحات لـTRT عربي أن طلب تجنيد آلاف فوراً يعود إلى أسباب سياسية محلية، إذ إن الأحزاب الدينية التي تُحرِّم الانتساب للجيش ونشاطات أخرى لدوافع دينية، لديها كتل نيابية وازنة في الكنيست، وهي جزء أساسي من الائتلاف الحكومي الحالي.

ويضيف أن طلب التجنيد جاء لوضع الحريديم أمام خيارين "إما الإذن الديني بدخول الجيش أو تعديل الشروط السياسية التي يفرضونها في الحكومة، وفي هذه الحالة لن يتخلى هؤلاء عن الواجبات الدينية وسيُذعنون لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسيّاً".

ويلفت الخبير العسكري والإستراتيجي إلى أنه كان يكفي استدعاء عدد من الاحتياط وتنفيذه خلال 48 ساعة لتعويض الخسائر البشرية جراء حرب غزة، في وقت يشير إلى أن تجنيد الحريديم يحتاج إلى وقت لتدريبهم وتنظيمهم.

ويرى فرحات أن إسرائيل تطوّرت كثيراً من الناحية التكنولوجية في التسليح وفي أنظمة القيادة والسيطرة وأنظمة توجيه الصواريخ والمقذوفات، كما طوّرت حواسيبها بأنظمة الحماية السيبرانية.

ويتابع: هذا التطور جاء على حساب القوة البشرية، إذ استغنت عن الوحدات التقليدية وقلصت عددها وركزت على الأسلحة الدقيقة، خصوصاً الطائرات المسيرة.

ويؤكد أنه رغم ذلك، تغلبت المقاومة الفلسطينية بعد "طوفان الأقصى" على الجهاز الإلكتروني المتطور وعلى أنظمة الرصد والإنذار ونجحت في احتلال مبنى فرقة غزة وإحداث ثغرة في جدار بلغت كُلفته، وفق تقديرات، 1.1 مليار دولار.

ويعتقد فرحات أنه من الطبيعي إجراء مراجعة إسرائيلية لتدابير الأمن والخسائر التي نجمت عن استبدال التقنية بالموارد البشرية، مشيراً إلى "وجود أفكار حول ضرورة إعطاء مساحة أكبر للطاقة البشرية، لكنه من المبكر صدور توصيات حول الموضوع، ولكن ستظهر بعد الحرب".

ماذا كشفت حرب غزة؟

ويرى عادل شديد أن الحرب الحالية كشفت أزمة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك سلاح جو قادراً على التدمير، لكنه غير قادر على الحسم أو توفير الأمن للإسرائيليين، مضيفاً أنه لا غنى عن العنصر البشري الذي يعيش حاليّاً تململاً وتقهقراً داخليّاً.

ويلفت خبير الشؤون الإسرائيلية إلى أن هذه الحرب أظهرت أن جيش الاحتلال في حاجة إلى الكثير، خصوصاً في مواجهة ما قال إنه "سيناريوهات سيئة"، في إشارة إلى عمليات محتملة في جبهتي سيناء والأردن، إذ سيضطر الجيش إلى إعادة نشر وهيكلة قواته ونقل جزء منها إلى المناطق الحدودية مع مصر والأردن، وسيكون اعتماده وقتها على المرتزِقة الخارجيين.

بدوره يقول إلياس فرحات إن حرب غزة أظهرت عيوباً كثيرة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في جهوزية العناصر وفي دقة المعلومات الاستخبارية واستثمارها في اللحظة المناسبة.

ويرى الخبير العسكري أن جيش الاحتلال لا يحتاج إلى تطويع عناصر فائضة، بل إلى حسن إدارة وتشغيل واستغلال كفاءات العناصر الحالية في الخدمة الفعلية، بالإضافة إلى إعادة النظر في معايير الاستخبارات وهضم الدروس المستفادة من الفشل الاستخباري المتكرر.

ويؤكد فرحات أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيخرج جريحاً ومنهكاً من حرب غزة، متوقعاً أن مستقبله سيرتبط تماماً بمستقبل المجتمع الإسرائيلي والأهداف التي سيضعها بعد تسوية غزة الموعودة.

TRT عربي