تحديات جديدة بساحات المعارك.. هل لا تزال دبابات القتال الرئيسية مهمة؟
الدبابات من أكثر الأسلحة التي جرى النقاش حول فاعليتها في ساحات المعارك المختلفة، مع تطور التقنية المضادة لها وارتفاع خسائر الجيوش منها، في الوقت الذي يصر عدد من المنظرين والضباط العسكريين على أن سلاح المدرعات ما زال يحتفظ بأهميته في ساحة المعركة.
دبابة ميركافا مدمَّرة بعد هجوم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر / صورة: AFP (AFP)

احتفظت الدبابة منذ دخولها الخدمة العسكرية للجيوش في الحرب العالمية الأولى بمكانة مميزة بوصفها سلاحاً قادراً على حسم المعارك وتحقيق الانتصارات الميدانية، ولم يجرِ التشكيك بهذا السلاح إلا في سبعينيات القرن الماضي وتحديداً خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول بين إسرائيل ومصر.

في هذه الحرب، استخدم الجيش المصري الأسلحة المضادة للدبابات بكفاءة وفاعلية، وتحديداً الصاروخ السوفييتي الموجَّه المضاد إلى الدبابات "ساغر"، الذي يتميز بتكلفته المنخفضة وسهولة الاستخدام، مقارنةً بالدبابات الإسرائيلية-الأمريكية مرتفعة التكلفة والتشغيل، هذا الأمر دفع المنظّرين العسكريين في ذلك الوقت إلى النظر بريبة إلى مستقبل الدبابة وقدرتها على الصمود في أرض المعركة.

مدفوعةً بالتقنيات الجديدة في مجال التدريع والتخفي تمكنت الدبابات من الصمود في أرض المعركة والاحتفاظ بموقعها الأساسي في الجيوش الحديثة، وفي السنوات الأخيرة عاد النقاش حول مستقبل الدبابات ودورها بعد الحرب في أوكرانيا التي شهدت دخول أسلحة جديدة في ميدان المعركة أهمها الطائرات من دون طيار بأشكالها المختلفة والتي تمكنت من إلحاق خسائر هائلة بالدبابات الروسية والأوكرانية على حد سواء.

الطائرات من دون طيار: تحدٍّ جديد

أظهرت الحرب الأوكرانية-الروسية الفاعلية الكبيرة للطائرات في ميادين المعارك، ووفقاً لمسؤول في حلف الناتو تحدث مع مجلة فورين بوليسي في شهر أبريل/نيسان الماضي، فإن ثلثي الدبابات الروسية التي جرى تدميرها في الحرب مع أوكرانيا كانت من خلال طائرات من دون طيار صغيرة تُعرف باسم " FPV" وهي اختصار "First-person view"، أي منظور الشخص الأول.

وعادةً ما يحمل هذا النوع من المُسيَّرات قنابل صغيرة، وكاميرات رخيصة الثمن، ويجري التحكم بها من خلال أنظمة بسيطة، والأهم يجري إنتاجها بشكل واسع وكبير، ووفقاً لمجلة فورين بوليسي فإنه بحلول يوليو/تموز الماضي كان لدى أوكرانيا أكثر من 200 شركة مسجلة تُنتج مئات الآلاف من الطائرات من دون طيار شهرياً، ما يجعلها مثالية ومُجدية اقتصادياً مقابل الأسلحة الأخرى الأكثر تكلفة كصواريخ الجافلين الأمريكية المضادة للدبابات التي تصل تكلفة الواحد منها إلى ما يقرب من 200 ألف دولار، وفقاً لمجلة فوربس.

وكحال الجيش الأوكراني، يستخدم الروس هذا النوع من الطائرات بذات الحجم والكثافة، وفي هذا الإطار يقول العقيد جوهانا سكيتا، قائد اللواء المدرع الفنلندي لصحيفة وول ستريت جورنال، إن ظهور الطائرات من دون طيار أدى إلى زيادة التركيز في التدريب على الحاجة إلى الحركة المستمرة. وأضاف: "لا يمكنك ترك الدبابات القتالية في المنطقة المفتوحة ولو للحظة واحدة. وعندما تتوقف الحركة يتعين عليك أن تكون تحت الأشجار وأن تجد غطاء".

الدمار الواسع في دبابات الطرفين دفعهما إلى اتخاذ إجراءات حمائية جديدة كتركيب أقفاص حديدية حول الدبابات لمنع إصابتها بهذا النوع من الطائرات من دون طيار. ويقول أنطون هافريش، قائد سرية دبابات مجهزة بدبابات ليوبارد، لصحيفة وول ستريت جورنال، إن القوات الأوكرانية تعمل على تعديل دباباتها لحمايتها من الطائرات من دون طيار. وغالبًا ما تبني الطواقم أقفاصاً معدنية حول برج الدبابة، بعضها يرتفع مثل الحصون المصغرة.

ويضيف هافريش أن الأمر لا يتوقف على الدروع السلبية التي يجري تركيبها على الدبابات بل يمتد إلى مهارات قائد الدبابة نفسه التي لم تعد كما كانت في الماضي "تتحدد من خلال قدرته على مبارزات الدبابات وحماية المشاة، لكنَّ الأمر الآن يتعلق بالقدرة على إطلاق النار خفيةً والتراجع بسرعة".

دروس الحرب الأوكرانية-الروسية وجدت طريقها إلى ساحة المعركة في غزة، ويوضح الباحث في الشؤون التقنية والدفاعية عمر الصفدي، في حديث سابق مع TRT عربي، أنه جرى "استغلال الطائرات المسيَّرة بوصفها منصات إطلاق لإسقاط القذائف الترادفية بشكل عمودي على سقف الدبابة".

ويضيف الصفدي أن هذه المنطقة تمثل نقطة ضعف للدبابة "فهي أشبه ما تكون بمنطقة صلعاء مكشوفة تعد أقل الأجزاء تدريعاً في بدن العربات القتالية والدبابات".

وكما تعلمت المقاومة من دروس الحرب في أوكرانيا تعلَّم الاحتلال كذلك، إذ يشير الصفدي إلى أن "وحدات الفرق المدرعة في الجيش الإسرائيلي اعتمدت حلولاً ارتجالية وبدائية تمثلت في تركيب شبكة معدنية تعوَّد المغردون الساخرون تسميتها (خُم الدجاج)، في محاولة لحماية جزء من سقف الدبابة من هجمات مشابهة".

"التروفي" في أزقَّة غزة

وعلى خلاف ساحة الحرب في أوكرانيا التي يغلب عليها القتال في ساحات مفتوحة، فإن الحرب في غزة جرت في مناطق سكنية مكتظة توغلت فيها دبابات ومدرعات الاحتلال، قابلتها المقاومة الفلسطينية بأسلحة مضادة للدروع وعبوات مضادة للمدرعات.

اعتمدت قوات الاحتلال على أنظمة معطف الريح "تروفي" في توفير الحماية لدباباتها وناقلات الجند، ووفقاً للصحفي الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت، يؤاف زيتون، الذي استند إلى مقابلات مع ضباط من الفرقة 98، فإنه خلال اجتياح قوات الاحتلال مخيم جباليا في شهر مايو/أيار الماضي، فإنه من أصل 100 قذيفة أُطلقت على دبابات الاحتلال نجحت منظومة "التروفي" في التصدي لـ50% منها.

ويشير الباحث في الشؤون التقنية والدفاعية عمر الصفدي، في حديث سابق مع TRT عربي، إلى أنه "جرى بناء نظام (تروفي) بالأساس لمواجهة القذائف الموجَّهة المضادة للدروع، على اعتبار أن الخصم سيحاول استهداف المدرعات من مسافات بعيدة، وهذا سيعطي الوقت الكافي للمنظومة كي تتفاعل وتواجه التهديد".

وفي مواجهة هذا الافتراض وجَّهت الفصائل المسلحة الفلسطينية، وفقاً للصفدي، "القتال إلى مساحات داخل الكتل السكنية المكتظة، خصوصاً في مناطق المخيمات ذات الشوارع الضيقة، هذا التكتيك كان عاملاً حاسماً في حرمان منظومة (تروفي) من المساحة اللازمة لكشف التهديدات والتعامل معها".

وحول تكتيكات فصائل المقاومة في مواجهة الدبابات الإسرائيلية، يضيف الصفدي: "بشكل متكرر يطلق المقاتلون قذائفهم من مسافات تتراوح بين 20 و50 متراً، وهي مسافة غير كافية كي يحسب الرادار مسار القذيفة ويعطي أمر الاشتباك لمنصة الاعتراض".

الدبابات وتحدي التكيف

ويرى دوج بوش، مساعد وزير الجيش الأمريكي لشؤون المشتريات واللوجيستيات والتكنولوجيا، في حديث له مع صحيفة وول ستريت جورنال، أن "تدمير أعداد كبيرة من الدبابات في المعارك ليس بالأمر الجديد. فقد دُمِّرت أعداد هائلة منها في الحرب العالمية الثانية، في حين خسرت إسرائيل أعداداً كبيرة منها في حرب يوم الغفران عام 1973".

مضيفاً أن "هناك جهوداً جارية أيضاً لجعل الدبابات أكثر صعوبة في الكشف عنها، من تغيير طريقة طلائها إلى تقليل توقيعاتها الإلكترونية".

وقال الجنرال جيمس ريني، الذي يرأس القيادة المستقبلية للجيش الأمريكي، التي تبحث في طرق تجهيز الجيش وتحويله: "في الأمد القريب، نحن بحاجة ماسة إلى إجراء بعض التعديلات بشكل عاجل للحفاظ على قدرة تشكيلاتنا المدرعة على البقاء".

ويُجمع عدد كبير من الضباط والخبراء العسكريين على أن الحاجة إلى الدبابات في ساحة المعركة ما زالت قائمة. ويشير الجنرال الأمريكي المتقاعد بن ​​هودجز، الذي كان حتى وقت قريب قائداً للقوات البرية الأمريكية في أوروبا، في حديث له مع موقع BBC، إلى أنه "ستظل هناك حاجة دائمة إلى قوة نيران متحركة محمية".

ويضيف المحلل الأمريكي مايكل كوفمان، في حديث له مع موقع defense news، أن الدبابة ما زالت "ضرورية في الحرب في المناطق الحضرية؛ حيث لا تزال الدبابات توفر أفضل مزيج من الحماية والقوة النارية والقدرة على المناورة في ساحة المعركة".

أما جاستن كرومب، قائد الدبابات السابق في الجيش البريطاني والرئيس التنفيذي الحالي لشركة "سيبيلين" للاستخبارات الدفاعية، فيقول لموقع BBC إن الدبابات لا تزال تتمتع بقوة نارية مرنة تمكِّنها من "العمل ليلاً ونهاراً، والوصول إلى الهدف وإلحاق الصدمة بالعدو".

TRT عربي