هل تشكل "تفجيرات بيجر" مقدمة لتصعيد أكبر بين إسرائيل وحزب الله؟
بعد مقتل عدد من عناصر حزب الله اللبناني وإصابة آلاف آخرين، بينهم مدنيون أمس واليوم في تفجيرات أجهزة "بيجر" (النداء) اللاسلكية وأجهزة اتصالات، يعتمد عليها في التواصل، اتهم الحزب إسرائيل بالوقوف وراء العملية، وتوعدها "بحساب ‏عسير".
تجمع الناس خارج مستشفى، إذ أصيب أكثر من 1000 شخص، بما في ذلك مقاتلو حزب الله والمسعفون بعد تفجير آلاف من أجهزة (البيجر) اللاسلكية في لبنان / صورة: Reuters (Reuters)

وتقدم الحزب اليوم الأربعاء عبر بيان بالتعازي "لعائلات الشهداء ‏الذين قضوا الثلاثاء سواء في الجبهة الجنوبية في بلدتي بليدا ومجدل سلم، أم الشهداء ‏الذين قضوا في العدوان الغادر والواسع من خلال تفجير وسائل الاتصال (البيجر)"، وتمنى الشفاء للجرحى.

الأجهزة التي أفاد مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لرويترز أن حزب الله اشتراها قبل أشهر من تفجيرات أمس يرجح أن تكون المخابرات الإسرائيلية "الموساد" زرعت داخلها متفجرات في ما يقارب 5000 جهاز اتصال لاسلكي.

ووفق رويترز، فإن العملية، التي امتد مسارها من تايوان إلى بودابست، هي بمنزلة "خرق أمني غير مسبوق" لحزب الله. وقال مصدر أمني لبناني، إن الأجهزة من إنتاج شركة "غولد أبولو" التايوانية، لكن الشركة قالت في بيان إنها لا تصنّع الأجهزة، وأن الشركة التي تصنّعها تدعى "بي أيه سي"، مقرها العاصمة المجرية، بودابست، ولديها ترخيص باستخدام علامتها التجارية، لكنها لم تذكر المزيد من التفاصيل.

وأسفرت انفجارات أجهزة الاتصال اللاسلكية أمس عن 12 قتيلاً بينهم طفلة، بالإضافة إلى نحو 2800 جريح، منهم 200 في حالة حرجة، في حصيلة غير نهائية. ومن دون إيضاحات عن الكيفية، اتهمت الحكومة اللبنانية وحزب الله إسرائيل بتنفيذ التفجيرات، وتوعدها الحزب بـ"قصاص عادل"، وهو ما قابلته تل أبيب بصمت رسمي.

ما جدوى العملية؟

يرجح أن يؤدي الهجوم إلى تأجيج مخاطر تصعيد الصراع عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية وأكد مسؤولون أمريكيون ومسؤولون آخرون هذا الخيار وقالوا، إن إسرائيل زرعت متفجرات في مئات من أجهزة النداء على الأقل، رغم رفض تل أبيب التعليق علناً على الهجوم، حسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

وأضافت الصحيفة في تحليل حول آثار العملية بأن الهجوم الإسرائيلي على الأجهزة "كان نجاحاً تكتيكياً، لكن لم يكن له تأثير استراتيجي واضح". وقالت: "بينما أحرج الهجوم حزب الله وبدا وكأنه أعاق العديد من أعضائه، فإنه لم يغير حتى الآن التوازن العسكري على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، إذ نزح أكثر من 100 ألف مدني على كلا الجانبين بسبب معركة منخفضة الكثافة".

وكانت التصعيدات بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي محصورة في النمط نفسه، إذ تبادلا إطلاق الصواريخ والمدفعية على مدار أشهر بوتيرة تتماشى مع المناوشات اليومية التي خاضها الجانبان منذ أكتوبر/تشرين الأول.

ورغم أن هجوم يومd الثلاثاء والأربعاء كان بمنزلة "عرض لافت للنظر للبراعة التكنولوجية التي تتمتع بها إسرائيل، فإنها لم تسعَ في البداية إلى الاستفادة من الارتباك الذي زرعته من خلال شن ضربة حاسمة ضد حزب الله وغزو لبنان"، حسب وصف "نيويورك تايمز".

وتابعت: "رغم أن الهجوم أثار إعجاب العديد من الإسرائيليين، الذين انتقد بعضهم حكومتهم لفشلها في وقف ضربات حزب الله، فإن إحباطهم الأساسي لا يزال قائماً، إذ لا يزال حزب الله متحصناً على الحدود الشمالية لإسرائيل، ويمنع عشرات الآلاف من سكان شمال إسرائيل من العودة إلى ديارهم".

وأشارت الصحيفة إلى أن الإسرائيليين ينقسمون حول ما إذا كان الهجوم "نابعاً من فرصة قصيرة المدى أو تفكير طويل المدى"، ويعتقد البعض أن القادة الإسرائيليين كانوا يخشون أن يكون نظراؤهم في حزب الله قد اكتشفوا مؤخراً قدرة إسرائيل على تخريب الأجهزة اللاسلكية، ما دفع القادة إلى تفجيرها على الفور أو المخاطرة بفقدان هذه القدرة إلى الأبد.

في حين يقول آخرون، إن إسرائيل كان لديها هدف استراتيجي محدد وربما كانت تأمل في أن يجعل جرأة الهجوم وتعقيده حزب الله أكثر استعداداً لوقف إطلاق النار في الأسابيع المقبلة، إن لم يكن على الفور.

وقال اللواء احتياط عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق لـ"نيويورك تايمز"، "قد يكون هدف العملية، إذا كانت إسرائيل وراءها كما يدعي حزب الله، هو إظهار لحزب الله أنه سيدفع ثمناً باهظاً للغاية إذا استمر في هجماته على إسرائيل بدلاً من التوصل إلى اتفاق".

مخاطر التصعيد

ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، خالد حمادة، أن "ما حصل بالأمس شكل صدمة كبيرة لحزب الله، وخاصة أن التفجيرات حدثت بشكل متزامن، ما وضع أكثر من 2750 عنصراً من الحزب خارج المعركة أو تحييدهم، ما سيكون له تداعيات كبيرة".

ويقول حمادة لـTRT عربي: "بالدرجة الأولى حزب الله مدعو أن يعيد النظر بكل منظومته الأمنية وبكل الإجراءات التي تُتخذ عندما يحاول أن يتزود بأي تجهيزات تستخدم في الميدان وبحاجة إلى إعادة النظر بمنظومة القيادة والسيطرة ومحاولة ترميمها بعد هذه الثغرة الكبيرة، لأنه عادة هذا النوع من الأجهزة إذا كان موحداً فسيكون هناك مستوى عملياتي أو أمني واحد معني بها، وبالتالي هذا المستوى سقط من منظومة القيادة والسيطرة، وهناك ثغرة كبيرة أصبحت موجودة".

ويشير حمادة إلى أن "إسرائيل فرضت منظومة قتال جديدة لم يكن يألفها حزب الله أو لم يتمكن من التعايش معها أو ترقب تطورها، واليوم إسرائيل تكتسب الأهداف وتحققها بوساطة مسألتين، الأولى هي الجهد الاستخباري والاستعلامي الكبير الذي تقوم به لاكتساب الأهداف، والأخرى معالجة الأهداف سواء بالمسيرات أم بالطائرات، وبالأمس رأينا نموذجاً جديداً هو تفجير أجهزة الاتصال".

وحول خيارات المواجهة والرد من حزب الله، يعتقد خالد حمادة أن نظام المعركة المعتمد من إسرائيل لم يعد متلائماً مع العقيدة العسكرية لحزب الله، إذ تنفذ إسرائيل نظام معركة مختلفاً عما رأيناه في عام 2006 أو ما قبل وهو نظام مخابراتي يعتمد على توجيه ضربات من بعيد، يعتمد على إصابة أهداف ثمينة، في حين أن حزب الله يستمر بصواريخ الكاتيوشا وأحياناً يستخدم صواريخ البركان وكلها منظومات تقليدية لم تعد قادرة على الرد بفاعلية.

واليوم الأربعاء، أورد تحليل عسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية للمحلل، عاموس هاريل، أن "حزب الله سعى دوماً، عندما واجه مثل هذه الحوادث على مدى الأشهر الأحد عشر الماضية، إلى اتخاذ رد مدروس يمنع الموقف من الخروج عن السيطرة. ولكن هذه المرة، لا يمكن أن يكون هناك يقين من أنه سيتصرف بالطريقة نفسها".

وقال هاريل في تحليله: "الهجوم الذي ينسبه حزب الله إلى إسرائيل كان هجوماً رفيع المستوى، في ذروة حرب طويلة، وحتى الآن أصبح من الواضح أن إيران وحزب الله يريدان استنزاف إسرائيل في الشمال لمساعدة حماس في الحرب في غزة، ولكن من دون الدخول في حرب مباشرة وشاملة".

وأضاف أن "قوة الهجوم والتقارير التي تتحدث عن إصابة السفير الإيراني قد تؤثر في حسابات إيران هذه المرة وقد تؤدي إلى تغيير في سياستها"، معتبراً أن "النجاح العملياتي الذي يُنسب إلى إسرائيل مثير للإعجاب، لكن في الوقت الذي كان نتنياهو يُطمئن فيه الجمهور الإسرائيلي بقرب تحقيق نصر كامل على حماس، يبدو الآن أننا أقرب من أي وقت مضى إلى حرب واسعة النطاق مع حزب الله أيضاً".

ومما يزيد التوتر بشكل أكبر، تكرر الانفجارات اليوم الأربعاء أيضاً، لأجهزة اتصال لاسلكية يدوية، يرجح أنها ليست من نوع بيجر، يستخدمها الحزب انفجرت في وقت متأخر من ظهر الأربعاء في جنوب لبنان وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وخلفت عشرات الضحايا.

TRT عربي