الجزائر.. هل يعُود حراك فبراير في ذكراه الثانية؟
تشهدُ الجزائر تطورات سياسية حُبلى، كسرت الجُمود السياسي الذي شهدته البلاد منذُ انتشار جائحة كورونا، وازدادت حدة الجُمود بعد تعرض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لوعكة صحية بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أبقته في أحد المشافي الكُبرى في ألمانيا.
الجزائر (AFP)

ويتفاعل المشهد السياسي في البلاد، بشكل سريع منذ عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بعد رحلة علاجية ثانية في ألمانيا استغرقت أسابيع، في ضوء تطورات قال بشأنها متتبعون للمشهد إنها كانت "مُنتظرة ومتوقعة"، ففيما أطلق تبون مُشاورات سياسية مع قوى المُعارضة تمهيداً لتجهيز أرضية حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مُبكرة وتعديل جزئي في الجهاز التنفيذي الذي يقودهُ لتكنوقراطي عبد العزيز جراد، يحشدُ حراكيو 22 فبراير/ شباط 2019 بكل قُوة وحدّة من أجل استئناف المُظاهرات.

واستبق رئيس الجزائر، إحياء الذكرى الثانية لانطلاق احتجاجات الحراك الشعبي في البلاد، بمشاورات مع ممثلي ستة أحزاب سياسية محسوبة على المعارضة بينها جبهة القوى الاشتراكية بقيادة الأمين الوطني الأول يوسف أوشيش وهو أقدم حزب جزائري مُعارض تأسس بعد الاستقلال بقيادة حسين آيت أحمد، إضافة إلى حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) بقيادة عبد الرزاق مقري إضافة إلى رئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي ورئيس حركة البناء الوطني (حزب إسلامي) عبد القادر بن قرينة.

التخلص من إرث بوتفليقة

وتُفيد المعلومات المُسربة من "جلسات المُرادية" أن الرئيس يتجهُ نحو حل البرلمان الجزائري، في مُحاولة منه للتخلُص من آخر المُؤسسات السياسية الموروثة عن عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتنظيم انتخابات نيابية مُبكرة قد تُنظم قبل نهاية شهر يونيو/حزيران القادم، بهدف بعث نَفَس جديد في الساحة السياسية التي غطت في سُبات عميق في الأشهر الأخيرة، وأيضا تجاوباً مع المطالب التي نادى بها الحراك الشعبي منذ انطلاقته في الـ 22 شباط/ فبراير 2019، لأن البرلمان الحالي قد طعن في شرعيته بسبب الطريقة التي كانت تُنظم بها الانتخابات النيابية وهو ما أفصح عنه النائب البرلماني السابق عن جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة) بهاء الدين طليبة خلال جلسة مُحاكمته، إذ كشف أن سعر المقاعد في اللوائح الانتخابية بلغ نصف مليون دُولار.

ولعلَ التطور البارز الذي ينبغي تسليط الضوء عليه في سلسلة اللقاءات التي نفذها رئيس الجزائر، هو نجاحه في استدراج "جبهة القوى الاشتراكية" (أقدم أحزاب المُعارضة السياسية المعروفة بمواقفها المتشددة) الذي وضع حداً للقطيعة السياسية مع السُلطة والتي دامت أكثر من ربع قرن من الزمن.

ومن اللافت أيضاً، غياب الأحزاب السياسية التي ظلت طيلة العقدين الماضيين تسيطر على المجالس المُنتخبة سواء المؤسسة التشريعية أو المحلية (الولائية والبلدية) على غرار جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة) والحركة الشعبية الجزائرية وحزب تجمع أمل الجزائر، مما يؤكد توجه الرئيس نحو إجراء أكبر عملية تطهير في الخارطة السياسية في البلاد، إذ أغلق تبون أبواب "المُرادية" التي كانت مفتوحة على مصراعيها أمام قادة هذه الأحزاب التي كانت تُشكل الحزام السياسي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال الفترة الممتدة بين 1999 و2019.

وفسر المُحلل السياسي والأستاذ في القانون الدستوري عامر رخيلة، استثناء أحزاب السلطة السابقة من الاستقبالات التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على أنها محاولة لاختراق واستدراج المعارضة السياسية وتشكيل حزام سياسي جديد والتخلص من المنظومة السياسية القديمة التي فقدت مصداقيتها في الشارع الجزائري.

وأمام هذه المُعطيات الجديدة ستجد الأحزاب التقليدية نفسها أمام خيارين أحلاهما مُر، ويتمثل الخيار الأول في التكيف مع الوضع الجديد والتجاوب مع خيارات السلطة السياسية الجديدة في البلاد أو الانصهار والذوبان واختفائها من المشهد السياسي.

وحول التغييرات المُرتقبة في الساعات أو الأيام القادمة، يقول المحلل السياسي والباحث في الشُؤون الأمنية مبروك كاهي في تصريح لـTRT عربي إنها تحصيل حاصل لتعديل الدستور أي أنها كانت واضحة منذ البداية ويُشير إلى أن الانتخابات النيابية المرتقبة في يونيو/ حزيران القادم هي المرحلة الأخيرة لورشة الإصلاحات السياسية.

وبرأي المحلل السياسي مبروك كاهي فإن الهيئة التشريعية الحالية ليست قوية وهي ضعيفة وتعاني من هشاشة بالخصوص من ناحية أداء النواب ولذلك تسعى السُلطة التنفيذية جاهدة نحو إنعاش البرلمان وإعطائه ديناميكية جديدة.

وفي وقت ثمنت أحزاب سياسية توجه الرئيس نحو حل البرلمان بدعوى إفراز مؤسسات جديدة تتمتع بالمصداقية، وهُو ما كشفهُ رئيس حزب جيل جديد (علماني مُعارض) جيلالي سفيان، في تصريح خاص لـ TRT إذ قال إن تبون أظهر انفتاحه على مختلف المكونات السياسية بهدف إحداث التغيير المنشود الذي يطالب به الجزائريون في جُمَع الحراك، أبدى خبراء في القانون مخاوفهم من هذه الخطوة واعتبروها مغامرة سياسية لا تُحمد عُقباها خاصة في الظرف الحالي.

وبحسب الأستاذ في القانون الدُستوري عامر رخيلة، فإنه من المُستحسن تنظيم انتخابات برلمانية مُبكرة دون حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري) لتفادي الوقوع في الفراغ المؤسساتي، ويقول المُتحدث في تصريح لـTRT عربي إن هذا القرار ينطوي على مخاطر عديدة.

تجدد المظاهرات

ولم تُشفِ التنازلات الجديدة التي قدمها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون غليل قطاع من الجزائريين إذ توافد الآلاف منهم على مدينة خراطة (شرقي العاصمة) بهدف إحياء الذكرى الثانية لانطلاق احتجاجات 22 فبراير/شباط 2019، رافعين الرايات الوطنية والأمازيغية.

وتُعتبرُ خراطة التي تقعُ على بعد 300 كيلومتر شرق العاصمة الجزائرية، نقطة انطلاق الحراك الشعبي الجزائري، فبتاريخ 16 فبراير/شباط 2019 احتشد الآلاف من الجزائريين في هذه المدينة مُطالبين برحيل كُلي للنظام.

وتجاهل المحتجون وباء كورونا بل وضربوا عرض الحائط بإجراءات التباعد الاجتماعي وحتى قرار تعليق المسيرات، إذ ظهروا من دون كمامات، مؤكدين عودتهم إلى الميدان بعد أشهر من الغياب والتعليق بسبب فيروس كورونا الذي اجتاح العالم بأسره، وحافظ المتظاهرون على نفس الشعارات التي كانت تُرفع قبل تعليق المظاهرات، من بينها الهتاف بـ"عدم شرعية الرئيس" و "إطلاق سراح المعتقلين" و "رحيل السلطة الحالية".

وظهر وسط المُتظاهرين قادة أحزاب سياسية على غرار رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يُعرفُ اختصارا بـ"الأرسيدي" (حزب معارض) محسن بلعباس، ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي (قيد التأسيس) كريم طابو إضافة إلى رئيسة الاتحاد من أجل التغيير زبيدة عسول وغيرهم من الناشطين والحقوقيين البارزين على غرار الحقوقي مصطفى بوشاشي وعبد الغني بادي.

عودة تحرك الشارع بالجزائر برأي المحلل السياسي مبروك كاهي، كانت من أجل الضغط على السلطة لتبني إصلاحات سياسية جديدة وتقديم تنازلات أخرى، ويقول كاهي في تصريح لـ TRT عربي إن الحراك الجزائري قد حاد عن مطالبه الأساسية وهُناك من يستعمله كأداة للضغط على تبون والأمر أصبح مكشوفاً للعيان.

ويعتقد محدثي أن الحراك اليوم مجبر على ضبط أهدافه وطريقة تحركه بسبب تعدد الأهداف وحتى تشتتها بين مجموعات، فهناك من يُطالب بإقامة دولة العدل والحق والشفافية والقطيعة مع الفساد وهُناك من يُناضل من أجل إطلاق سراح سُجناء الرأي.

وعلى النقيض يرى المحلل السياسي والإعلامي الجزائري أحسن خلاص أن اتساع رُقعة الغضب في الشارع الجزائري دليل قاطع على اتساع الهوة بين الشعب والسلطة، فجميع الوعود التي أُطلِقت لم تُجسَّد، وما زاد الأمور تعقيداً اتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأيام الأخيرة بسبب تهاوي قيمة العملة المحلية وتدني القدرة الشرائية واتساع رقعة البطالة في البلاد.

TRT عربي