أعلنت الجزائر على لسان رئيسها عبد المجيد تبون، أنّها طالبت بشكل رسمي بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، لاستيفائها الشروط الّلازمة للالتحاق بهذا التكتل الاقتصادي والسياسي الخماسي.
ويحرص تبون في كل مرة على تأكيد رغبة بلاده في أن تكون بلداً عضواً ضمن "بريكس"، بهدف تحسين فاعلية الاقتصاد، معتمداً في ذلك على العلاقات السياسية المتينة التي تجمع الجزائر بالدول المكوّنة لهذا التجمع الاقتصادي الدولي.
فما الفوائد التي سيجنيها البلد المغاربي من هذا الانضمام؟ وما العوامل التي تجعل الأعضاء الخمسة يقبلون بالتحاق الجزائر بهم؟
مساعٍ حثيثة
وقبل عام كشف الرئيس الجزائري في لقاء مع الصحافة المحلية، عن رغبة الجزائر في الانضمام إلى "بريكس"، لأنّها تحوز الشروط اللازمة لتكون عضواً في المجموعة التي تضم كلاً من الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند.
وخلال زيارتَيه الأخيرتَين إلى موسكو وبكين، طلب تبون من روسيا والصين مساعدة الجزائر في الانضمام إلى المجموعة.
وقال خلال لقائِه بوتين منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي: "نحن متفقون بشأن الوضع الدولي المضطرب جداً، لذا نريد التعجيل بانضمامنا إلى منظمة بريكس لما فيه من فائدة لاقتصادنا، ولتحريره من بعض الضغوطات".
موقف أقوى للجزائر
وحول مساعي الجزائر للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة الشهيد الشيخ العربي التبسي الجزائرية، الدكتور عثمان عثمانية، إلى أنّ "العالم يشهد في الآونة الأخيرة تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، عجّلت منها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية".
ويقول عثمانية لـTRT عربي، إنّ "التحولات أدت إلى زيادة حدّة الاستقطاب في العالم، بخاصة من جهة الغرب، ومع ظهور بوادر زوال الأحادية القطبية، والتحول نحو نظام عالمي جديد، فمن الضروري التموقع بشكل يناسب المصالح الوطنية، ويعظم الاستفادة من المقدرات المحلية، وهذا ما يدفع بالجزائر للبحث عن تحالفات سياسية واقتصادية".
ويبين أنّ "هذه التحالفات تمكّن الجزائر من جعل موقفها الجيوسياسي والإقليمي أقوى، وتعزز النمو الذي بدأ الاقتصاد يحققه منذ فترة، وتتوج الإصلاحات التي باشرتها الحكومة منذ ثلاث سنوات، والتي تكلّلت بمعدلات نمو إيجابية رفعت حجم الصادرات خارج المحروقات إلى 7 مليارات دولار أمريكي لأول مرة منذ الاستقلال".
بدوره، أرجع الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي إصرار الجزائر على الانضمام إلى "بريكس" إلى "قيمة هذا التجمع الجيوسياسي"، ويقول: "بالنظر فقط إلى الأعضاء المشكلين له يمكن معرفة وزنه في الاقتصاد العالمي، فأضلاعه الخمسة هي دول كبرى اقتصادياً وإستراتجياً وسكانياً".
أما الباحث الاقتصادي سمير رؤوف يرى أنّ اهتمام الجزائر بالانضمام إلى "بريكس" ضمن رغبة كثير من الدول وبالخصوص في إفريقيا وأمريكا الجنوبية بالالتحاق بهذا التحالف الجديد.
ويضيف رؤوف لـTRT عربي، أنّ التحالف يمثل قوة اقتصادية وسياسية كبيرة في الاقتصاد العالمي، والذي يتوقع منه أن "يغير شكل الاقتصاد الكلي العالمي، كونه يعمل على مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي على اقتصاد العالم وتغييرها".
غايات متعددة
ويؤكد الدكتور عثمان أنّ تمسك الجزائر بالانضمام إلى "بريكس" سيمكّنها من "تحقيق فوائد سياسية واقتصادية، بالنظر إلى أنّ دول المجموعة تشكل حوالي 43% من إجمالي سكان العالم".
ويلفت بالقول: "بذلك تشكل سوق كبيرة يمكن الاستفادة منها في تصدير السلع والخدمات الجزائرية، إذا ما تمكنت الأخيرة من إقامة جهاز صناعي فعال ومرن".
ويشير أستاذ الاقتصاد إلى أنّه "يمكن الاستفادة أيضاً من استثمارات دول المجموعة، ففي الزيارة الأخيرة للرئيس تبون للصين، وقّع اتفاقيات استثمار بقيمة 36 مليار دولار، ويمكن الاستفادة من اتفاقيات مماثلة مستقبلاً مع الصين وروسيا بشكل خاص".
إضافةً إلى أنّ المجموعة قد تشكل نافذة للمعاملات التجارية بالعملات المحلية، ما يقلّل الاعتماد على الدولار، وبالتالي المحافظة على احتياطات الصرف الأجنبي، وتعزيز وضع العملة الوطنية، والحصول على تمويل لمشاريع البنية التحتية ونقل التكنولوجيات الحديثة، وفق رأي عثمانية.
وحول المكاسب السياسية، يشير إلى أنّ وجود الجزائر ضمن بريكس "سيعزز موقفها الإقليمي والدولي، لأنّ هذا التحالف يشكل نادياً موازياً لمجموعة السبع، ويعمل كخط دفاع قوي عن المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء".
أمّا الباحث الاقتصادي سمير رؤوف، يوضح أنّ "الجزائر أصدرت قانون استثمار جديداً يشجع على جذب رأس المال الأجنبي، إذ يمكن أن تشكل احتياطاتها الكبيرة من النفط والغاز محفزاً لتدفق النقد الأجنبي القادم من دول بريكس عبر بنك التنمية الجديد الذي يموّل مشاريع البنية التحتية في الدول المنتمية للمجموعة".
ويلفت رؤوف إلى أنّ "الموقع الاستراتيجي للجزائر يجعلها قادرة على أن تلعب دور سوق رابط بين أوروبا وإفريقيا، وجاذب لاستثمارات الدول المشكلة لبريكس".
مصلحة متبادلة
ويرى الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي أنّ انضمام الجزائر إلى "بريكس" يشكل فائدة للطرفين، فالمنظمة الخماسية "تحتاج إلى بلد كالجزائر التي يجعلها موقعها الاستراتيجي نقطة اتصال اقتصادية بين إفريقيا وأوروبا، بالنظر إلى امتلاكها الطريق العابر للصحراء الذي يربط البحر المتوسط بست دول إفريقية هي الجزائر وتونس ومالي والنيجر وموريتانيا وليبيا".
ويضيف سلامي لـTRT عربي، أنّ "كلاً من روسيا والصين تريدان شركاء موثوقين في إفريقيا، والمتمثلين في جنوب إفريقيا بالجنوب والجزائر في الشمال".
ويبيّن أنّ الجزائر دولة "فتية اقتصادياً" وتملك كل عوامل النمو السريع، بفضل الثروات التي تملكها سواء الباطنية أو البشرية المتمثلة في يد عاملة متخصصة ووافرة.
وبالعودة إلى الدكتور عثمان عثمانية، فيرى أنّ "الجزائر يمكنها أن تضيف كثيراً إلى بريكس، فهي أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة، وتحتل موقعاً استراتيجياً، وتمثل جزءاً مهماً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تبحث من خلالها بكين عن تعزيز التجارة عبر العالم"، لافتاً إلى أنّ الجزائر تمتلك روابط قوية مع الدول الإفريقية سياسياً، إضافةً إلى البنية التحتية التي تمتلكها في الربط بالقارة الإفريقية.
ويتابع القول: "تتميز الجزائر جغرافيا بالقرب من الأسواق الأوروبية، بخاصة دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، فمشروع ميناء الحمدانية بولاية تيبازة شمال وسط البلاد مع الشريك الصيني، قد يجعل منها مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، وهذا دون إغفال مقدراتها الطبيعية المهمة من طاقة ومعادن".
بينما يعتقد الخبير الاقتصادي رؤوف سمير أنّ ضمّ "بريكس" لدولة بحجم الجزائر يشكل على المستوى الإفريقي اعترافاً بشرعية هذا الكيان الاقتصادي الناشئ عالمياً، وهو ما قد يشجع دولاً إفريقية أخرى على الانضمام إلى المجموعة وتكثيف التعاون معها.
ما الخطوات؟
ولتحقيق هذه الأهداف المتبادلة، يتطلب من الجزائر أولاً الحصول على عضوية مجموعة "بريكس" في الاجتماع الذي سيعقد بين 22 و24 أغسطس/آب الجاري في جنوب إفريقيا.
وقال الرئيس تبون في تصريحات سابقة، إنّه يتوقع أن يقبل ملف بلاده في البداية كعضو ملاحظ في المجموعة، لتصليح بعض الجوانب المتعلقة باقتصادها، قبل الحصول على العضوية الكاملة.
وأكد الرئيس الجزائري أنّ الانضمام إلى بريكس يتطلب من بلاده مواصلة التنمية الاقتصادية والبشرية ورفع معدلات التصدير، وجعل الناتج الداخلي الخام يتعدى 200 مليار دولار.
ويوافق الباحث الاقتصادي رؤوف سمير هذا الرأي، بالنظر إلى أنّ انضمام الجزائر في البداية بعضوية مراقب سيسمح لها بتأهيل اقتصادها الداخلي وتنويعه ليواكب أهداف مجموعة "بريكس".
أمّا الخبير الاقتصادي محمد سلامي، فيرى أنّه من الأفضل أن يكون الانضمام بعضوية كاملة، "لأن الالتحاق ببريكس كمراقب -وإن كان سيطبق على الجميع- فهو يعني المرور بمرحلة انتقالية وهي خطوة لا فائدة منها، باعتبار أنّ الحالة الجزائرية تسمح لها بأن تحصل من البداية على العضوية الكاملة".
بدوره يشير الدكتور عثمان إلى أنّ "ملف الجزائر يحظى بتأييد من الدول الأعضاء، لا سيّما الصين وروسيا، لذا فإنّ الانضمام بعضوية كاملة أفضل لتجنيب البلاد الاستقطاب الهائل الذي يشهده العالم اليوم".
ويؤكد أنّ "هذا الانضمام لا يعني قطع العلاقات مع الشريك الغربي أو تقليصها، بل سيفتح آفاقاً جديدة ينمو من خلالها الاقتصاد الجزائري، ببناء علاقات متزنة مع الجميع، في إطار المصلحة الوطنية وفق علاقة رابح-رابح، وهو ما تفهمه دول الغرب جيداً".