ماذا نعرف عن متلازمة "فرط التذكر"؟ وكيف يعيش المصابون بها؟
هل تتذكر ماذا تناولت على الغداء أمس؟ أو هل تتذكر ماذا ارتديت الأسبوع الماضي عند ذهابك إلى العمل؟ يمكنك تذكُّر موعد زفافك، أو ماذا ارتديت في حفل تخرُّجك، لكن لا يمكنك تذكُّر لافتات معلقة في مطاعم أو فنادق زرتها منذ سنوات مضت.
صورة مقطعة للدماغ (Others)

معظمنا لا يتذكر. الذاكرة فوضى من اللقطات والصور غير الواضحة والباهتة لحياتنا. وبقدر ما نودّ، أحياناً، التشبث بالماضي، فإن أكثر اللحظات المؤثّرة يمكن أن تتلاشى مع مرور الوقت.

عدد قليل من البشر، يمكنهم باستمرار تذكُّر تفاصيل كل يوم مر من حياتهم، كل حدث وكل تاريخ وكل ذكرى عاشوها. مصابون بحالة تسمى "متلازمة فرط التذكر" أو "ذاكرة السيرة الذاتية فائقة الجودة" HSAM.

ماذا تعني متلازمة فرط التذكر؟

لم يسمع أحد عن متلازمة فرط التذكر أو يعرف عن تلك الحالة قبل 8 يونيو/حزيران عام 2000، حين أرسلت امرأة شابة تُدعى "جيل برايس" بريداً إلكترونياً إلى جيم ماكجو عالم الأعصاب وباحث الذاكرة ومدير مركز البيولوجيا العصبية للتعلُّم والذاكرة التابع لجامعة كاليفورنيا، تخبره أنها تستطيع أن تتذكر كل يوم من حياتها منذ كانت في الثانية عشرة من عمرها، وطلبت منه المساعدة.

قابلها الطبيب وسألها أسئلة عامَّة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وكانت هي تجيب بثقة وسرعة أثارتا دهشته، وكانت أكثر دقة في ما يتعلق بأحداث وتفاصيل حياتها الشخصية منذ كانت طفلة.

وبعد دراسات وأبحاث مطولة كانت جيل برايس، البالغة من العمر حينها 35 عاماً، أول شخص على الإطلاق تُشخَّص حالته بما يُعرف الآن بـ"فرط التذكر" أو "ذاكرة السيرة الذاتية الفائقة للغاية" HSAM.

وخلص العلماء إلى أن "متلازمة فرط التذكر" تعني أن كميات هائلة من الذكريات ومعلومات السيرة الذاتية تُسجَّل بتفاصيلها الدقيقة.

ويتمتع الأفراد الذين لديهم HSAM بقدرة فائقة على تذكر تفاصيل محددة عن أحداث السيرة الذاتية بدقة بالغة، ويميلون إلى قضاء قدر كبير من الوقت في التفكير في ماضيهم وذكرياتهم.

كما يمكنهم على الفور وبلا أدنى جهد إعادة استذكار تفاصيل كل ما عاشوه من أحداث وأنشطة، وشكل الملابس التي ارتدوها، وأين كانوا في أي وقت من الأوقات، كما تتضمن هذه التفاصيل تواريخ دقيقة ومعلومات معقدة حول التجارب السابقة. وبإمكانهم أيضاً تذكُّر الأحداث العامة والشخصية بكل تفاصيلها الدقيقة وبدقة لا متناهية.

لماذا يصاب البعض بفرط التذكر؟

حتى اليوم ليس لإصابة بعض الأشخاص بـHSAM سبب واضح ومفهوم، لكن الباحثين لاحظوا من خلال التقاط صور للدماغ المصاب بتلك المتلازمة أن بعض أجزاء بنية الدماغ يختلف عن تلك الخاصة بالأشخاص الذين لديهم وظيفة ذاكرة عادية.

لكن لم يتأكدوا إن كانت تلك الاختلافات هي سبب حدوث HSAM أم إن تلك الاختلافات حدثت بسبب استخدام الشخص مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة أكثر من الشخص العادي.

لكن بعض الأبحاث يشير إلى أن سبب فرط التذكر قد يكون بيولوجياً نتيجة فرط النشاط في أجزاء معينة من الدماغ، أو وراثياً أو نفسياً.

ولتشخيص المرض يستخدم العلماء اختبارات تصوير الدماغ مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والتخطيط الكهربائي وتقنيات دراسة الذاكرة لدى الأشخاص الذين يُحتمل إصابتهم بـHSAM.

مع ذلك لا تتجاوز أعداد المصابين بتلك الحالة 60 شخصاً فقط على مستوى العالم، لكن ما زالت الدراسات جارية لاكتشاف أشخاص آخرين.

معاناة تكرار التفاصيل

كل حدث مثل فقد شخص عزيز منذ 20 عاماً، أو حادثة سيارة حصلت منذ 30 عاماً، أو خيانة وقعت منذ 10 أعوام، تُعاد تفاصيله يومياً في عقل الشخص وتصاحبه مشاعر حديثة كل يوم حتى ينهك التكرار المستمرّ للذكريات الإحساس والمشاعر، بلا قدرة على وقفه.

النسيان نعمة، لكن المصابين بمتلازمة فرط التذكر لا يقدرون عليه. يعتقد البعض أن استدعاء الذكريات وتذكُّر كل التفاصيل المنصرمة أمر جذاب، فيما يبدو أن المصابين يعتبرونها لعنة مستمرة ومتجددة.

لا يمكن وقف تدفُّق الذكريات، ومع كل مرة تُستدعى فيها آلام الماضي بدقة عالية تُستدعى المشاعر الملازمة له من ألم أو ندم، كأنها مشاعر خام تحدث لأول مرة تزيد ألم المتذكّر ومعاناته.

ورغم أن الإصابة بـ"متلازمة فرط التذكر" لا تحمل أي آثار جانبية جسدية أو مضاعفات، فإنها قد تكون مُرهِقة عقلياً لاستيعاب وتخزين كثير من المعلومات واستدعائها باستمرار.

علاج لآخَرين

لا علاج لـ"فرط التذكر" يجعله يختفي أو يخفت، فقط معالج نفسي يساعد على كيفية إدارة ذلك الكمّ الهائل من الذكريات، والتركيز على استدعاء الجيد منها وتجاهل المؤلم.

على العكس أيضاً، يحاول العلماء من خلال الدراسات زيادة اكتشاف ومعرفة ما يحدث في أدمغة هؤلاء الأشخاص، أملاً في التوصل إلى تقنية مشابهة تساعد مَن يعانون ضعف الذاكرة أو فقدانها أو حتى الذين تَعرَّضوا لإصابة في الدماغ، على حفظ الذكريات.

ويعتقد العلماء أن ما يحدث للحفنة الصغيرة من البشر، أمر جلل ومذهل. وينصح العلماء باتباع بعض الطرق للحفاظ على ذاكرة صحية، منها الحصول على الحصول على قسط كافٍ من النوم حيث يؤثّر الحرمان من النوم مباشرةً في القدرة على تذكُّر الأشياء؛ البقاء نشيطاً فالتمارين الرياضية تساعد على تحسّن الذاكرة، وقد تزيد حجم الجزء المسؤول عنها في الدماغ؛ وممارسة تمارين العقل وذلك إلى جانب تمرين الجسد. يرى الخبراء أنه لا بد من تمرين العقل وشحذ الذاكرة بأنشطة مثل القراءة أو حل الألغاز المتقاطعة أو لعب الورق أو حفظ الأغاني أو القصائد أو العزف على آلة موسيقية أو تعلم لغة أجنبية.



TRT عربي